خبير أثري: الجيش والأسطول المصري أسطورة العالم القديم
في الذكرى 48 لحرب أكتوبر أكد الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، أن الجيش المصري القديم حقق إنجازات عسكرية أسطورية سجلت بحورف من نور فى ذاكرة العالم القديم كما كانوا ملوك البحار فى العالم القديم حيث أبحروا إلى الشرق والغرب والعمق الأفريقى وقد اشتهر الملك أمنحتب الثالث برحلاته وبعثاته الاستكشافية عبر البحار وهى ما أطلق عليها رحلات البحث والمعرفة وقد سجل فى تاريخ مصر القديمة أنه أرسل بعثاته المشهورة مزودة بجنود البحر الأشداء ورجال المعرفة وقد خرجت رحلته الأولى لتقتفى أثر الشمس فى مدارها ومسيرتها نحو الغرب عبر البحر الأبيض حتى وصلت شاطئ المحيط الأطلسي.
وأضاف ريحان أن الجيش فى مصر حتى نهاية الدولة القديمة كان يتكون من القوات الخاصة لكل مقاطعة أو كل معبد ولم تكن هناك وحدة بين هذه القوات إلا فى حالة الضرورة مثلما حدث عندما عين "ونى" قائدًا عامًا لهذه القوات ليدفع خطر هجوم الآسيويين، وفى أوائل الدولة الوسطى كان هناك شبه استقلال لحكام الأقاليم وكانت لهم قوات على غرار جيش الدولة كما كان للملك حرس خاص وكانت القوات الخاصة بالدولة أو الحكام تقوم بالحروب وأعمال أخرى وقت السلم كحماية البعثات التجارية وبعثات استغلال المناجم والمحاجر فى الصحراء واستمر ذلك حتى عهد سنوسرت الثالث الذى قضى على نفوذ أمراء الأقاليم وأسرع بتكوين جيش ثابت للملك وفى عهد أمنمحات الثالث كان هناك كاتبًا للجيش وقد اتجه من اللشت إلى أبيدوس ليختار المجندين وكان الملك هو القائد الأعلى للجيش وقد ظهر لقب كاتم أسرار الملك فى الجيش والذى حمله "سرنبوت" قائد حملة الحدود الجنوبية عند أسوان وصاحبه كان علم بمجريات الأمور فى القصر الملكى وتحركات الجيش.
وتابع أن الجيش المصري في عهد الدولة الحديثة كان يتكون من قسمين رئيسيين المشاة والعربات الحربية وكان المشاة هم من يدخلون الأرض المفتوحة ويقيمون الحصون وكانت تشكيلات المشاة من مشاه عادية ومشاه قوات خاصة علاوة على القوات الأجنبية وكانت الوحدة الرئيسية فى تشكيلات الجيش هى "السرية" التى تنقسم إلى فصائل والفصائل إلى جماعات وكل جماعة من عشرة أفراد ويتلقى قائدها أوامره من قائد الفصيلة الذى يعرف بقائد الخمسين حيث تتكون الفصيلة من 50 جندى وقائد السرية وحامل اللواء وأركان حرب السرية ثم كاتبها وهناك أيضًا الكتيبة وتتكون من سريتين وكان أفراد المشاه ينقسمون إلى رماه وحملة الرماح، أمَا القوات الخاصة فكانوا يتميزون بصغر السن ويتلقون تدريبات خاصة وكان لهم دورًا كبيرًا فى معركة قادش 1285 قبل الميلاد حين تعرض رمسيس الثانى إلى كمين بواسطة الحيثيون.
وكان الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وكان الوزير يقوم بوظيفة وزير الحرب وكانت الرقابة العامة للجيش تقع على عاتق ضباط قادة وأركان حربهم وكان من بين ضباط الجيش المختصون بعمليات التموين والحسابات والسجلات والمواصلات وكافة الشئون الإدارية وكان من بينهم رجال المخابرات وجهاز خاص للتجسس على تحركات العدو.
ولفت الدكتور ريحان إلى أن أدوات القتال كانت تشمل الهراوة وهى دبوس القتال السلاح الشائع منذ فجر التاريخ لتحطيم رؤوس الأعداء والحراب الطويلة فى الالتحام عن قرب واستخدم الدرع أو قميص الحرب وكان يصنع من الجلد أو البرونز كما اهتم المصرى القديم بالحصون عند الحدود الجنوبية فى عهد الدولة القديمة وعلى حدود الدلتا الشرقية فى الدولة الوسطى وفى الدولة الحديثة أنشئت المدن العسكرية فى الدلتا مثل مدينة "هربيط" الذى أقامها رمسيس الثانى موقعها بكفر صقر بالشرقية حاليًا علاوة على سلسلة من القلاع أنشأها رمسيس الثانى فى الركن الشمالى الغربى للدلتا على شاطئ البحر المتوسط.
وأوضح الدكتور ريحان أن الأسطول المصرى القديم هو أول أسطول بحرى فى تاريخ البشرية ينزل إلى شاطئ الأطلسي وقد اشتهرت مصر فى عهد امنحتب الثالث بأسطولها العظيم من سفن مصنوعة من خشب الأرز جاوزت الـ 200 سفينة ، استخدمها في الحرب والسلم برحلاته الاستكشافية.
وقد أشارت أحد البرديات التى اكتشفها العالم المصرى سليم حسن وتعود للسنة الخامسة من حكم أمنحتب الثالث إلى أن حدوده امتدت إلى الأعمدة الأربعة التي تحمل السماء، والتي فسرها المؤرخون بأنها القارات البعيدة التي تنتهى عندها المحيطات وهي القارة الأمريكية التى تشرق الشمس من شواطئها الغربية وتغرب عند شواطئها الشرقية، وقد أرسل بعثاته البحرية الكبيرة لاحتلالها وضمها إلى ملكه.
وأن الاكتشافات المصرية لأمريكا استمرت بعد أمنحتب الثالث حيث تشير إحدى البرديات التى وجدت فى وادى الملوك وترجع لعهد الملك نخاو الثانى (610 – 590ق.م ) من عهد الأسرة السادسة والعشرين، إلى بلوغ جزيرة مجهولة واستغرقت الرحلة لمدة 6 أشهر فوق المحيطات الشاسعة حتى وصلوا للأرض التى تغرب فيها الشمس بعد شروقها فى مصر بيوم كامل وتختلط أرضها بالذهب وتغطيها الغابات الكثيفة وتجرى فيها أنهار تحاكى النهر المقدس بمصر وأن الاكتشاف الثالث للقدماء المصريين لأمريكا كان فى عهد بطليموس الثالث 220ق.م، والذى حاول تقليد أمنحتب الثالث، فأرسل بعثاته المعروفة إلى بلاد ما وراء الشمس، وما وراء البحار ليضمها لملكه وقد وصل إلى الشاطئ الغربي للأمريكتين.
ولفت الدكتور ريحان إلى أن قدماء المصريين أرسلوا السفن الكبيرة لبلاد (بونت) لاستيراد العاج وخشب الأبنوس وجلود الفهود والنمور وسبائك الذهب والبخور والدهانات العطرية وهي في رأي الباحثين تشمل المناطق الأفريقية والآسيوية المحيطة بباب المندب وعلى محور الصحراء الكبرى وقد سجل المصرى القديم الواقع الحضاري للعمق الأفريقي، وصور آثاره على جدران المعابد من مناظر شحن السفن الكبيرة بعجائب بلاد بونت، ومناظر الرجال وهم يسيرون على السقالات ويحملون الأشجار المختلفة إلى داخل السفن، ومنظر يمثل ثلاث سفن تفرد أشرعتها في طريقها للإبحار إلى مصر وفوقها نص "الإبحار والوصول فى سلام الى إبت سوت" أي إلى أرض معابد الكرنك، ومناظر لأهالي بلاد بونت يقدمون الهدايا للمصريين ويحنون رؤوسهم تحية واحترامًا.