سعيد بريك يكتب: هل الوتس أب جعل أولادنا أيتام ؟

ركن القراء

بوابة الفجر


مقالات كثيرة كتبت في القديم القريب حول تدخل الخدم في تربية الأبناء بعدما انتشر الخدم في بيوتنا ، ومقالات قبلها كتبت حول عمل المرأة وانصرافها عن تربية أبنائها أو انشغال الأب وعدم متابعة أبنائه ، واليوم صرنا لا نتكلم عن الخدم ولا عن العمل والإهمال التربوي ، وإنما صار اهتمام الوالدين معلق بوسائط التواصل الإجتماعي حتى انصرف الوالدين عن الإهتمام بأبنائهم والإنشغال بتربيتهم وحسن توجيههم ، فكثير من الآباء والأمهات انشغلوا بوسائل التواصل المجانية مثل ( الوتس أب ، التانغوا ، الفايبر ، السكايب) أو بشبكات التواصل الإجتماعية مثل (الإنستجرام ، التويتر ، الكيك ، الفيس) ، ولعل أكثر ما يأخذ وقت الوالدين اليوم ( الوتس أب ) و (الإنستجرام) ، حتي صار هذا الجيل يوصف بجيل (الرقبة المنحنية) من كثرة انحناء الرأس علي الهواتف الذكية ، وصار (الوتس أب) اليوم يدير أوقاتنا حتي افقدنا الإحساس بطعم الحياة والتأمل بالطبيعة والتفكر بمجريات الأحداث والتركيز علي الأهداف والإستمرار بالإنجاز
 فصار هم الواحد منا اليوم نقل الأخبار والأحداث التي من حوله أكثر من أن يتفاعل مع الحدث الذي أمامه ، فلو رأي حادث اصطدام بين سيارتين فيكون أول ما يفكر به نشر الخبر قبل أن يفكر و يبادر بمساعدة المصابين ، بل وقد تجد شخصاً جالس في غرفة العناية المركزة بقرب أبيه أو أمه في لحظات حياتهما الأخيرة ويكون مشغول بنقل أخباره من خلال الوتس أب أو الإنستجرام أكثر من أنشغاله بالدعاء لهما أو الإهتمام بهما ، وقد تجد أطفالا يسرحون ويمرحون في البيت من غير توجيه وتربية بينما تكون أمهم بغرفة نومها ترسل الصور أو مقاطع الفيديوا بالوتس أب وأبوهم مشغول بإرسال الطرائف والنكت لأحبابه بالوتس أب 
بعض الآباء والأمهات يشتكون من انشغال أبنائهم بوسائل التكنولوجيا ولو راقبوا أنفسهم لوجدوا أنهم مشغولون بالوتس أب أو التصوير والنشر بالإنستجرام أكثر من انشغال أبنائهم بالتكنولوجيا ، حتي صرنا في زمن يحق لنا أن نصف أبناءنا بأنهم (أيتام التكنولوجيا) ، فصار التعلق بالهواتف الذكية سمة العصر ، وأذكر أنه في يوم من الأيام قالت لي امرأة : أمنيتي في الحياة أن أكون هاتف ذكي حتي يمسكني زوجي وأبنائي طول اليوم ، فابتسمت من تعبيرها هذا في وصف الحالة التي نعيشها  ، ورجل من يومين كان يشتكي لي من شدة تعلق زوجته بصديقاتها بالوتس أب وبنشر أخبارها عن طريق الإنستجرام وكل ذلك علي حساب الإهتمام بالبيت وتربية الأبناء ومتابعة دروسهم  
ومن شدة تعلق الوالدين بالتكنولوجيا السريعة والهواتف الذكية صاروا يريدون أن يعالجوا مشاكلهم التربوية بنفس ايقاع التكنولوجيا السريع ، ويحسبون أن المشاكل التربوية مثل تسخين الطعام (بالمايكروويف) تعالج بشكل سريع وبجلسة واحدة أو توجيه واحد ، إن (التربية الميكروفية) هذه يستحيل تحقيقها لأن الإنسان ليس آلة أو ماكينة وإنما يحتاج لصبر وتكرار توجيه ودقة متابعة ومرونة في التعامل معه من أجل تقويم سلوكه وحسن تربيته
لقد فقد الوالدين اليوم السيطرة علي تربية أبنائهم في الطعام واللباس والأخلاق والمهارات بسبب كثرة انشغالهم بأنفسهم والتكنولوجيا التي بين أيديهم ، وصار الأبناء يعانون من السمنة وسوء التغذية وفقدان الشهية وكثرة الأمراض النفسية والعنف بسبب انصراف الوالدين عن الإهتمام بهم علي حساب الوتس أب الذي يتداول يوميا ما لا يقل عن 27 مليار رسالة ، حتي صار (الوتس أب) مكانا خصباً  للفضائح وكشف الأسرار والتهديدات والطلاقات وإخراج كل العواطف المكبوتة ورؤية المشاهد الإباحية 
ومن يومين تحدثت لجمهور الكيك حول موضوع (أمي وأبي أونلاين online) وأغلب المتابعين من شريحة الشباب والفتيات ، وقلت لهم إن الوالدين صاروا أونلاين مع أصدقائهم وعلاقاتهم أكثر من أبنائهم ، ثم قلت لهم مازحا أما مع أبنائهم فهم (أوفلاين ofline) ، وفي خلال ساعات قليلة حاز الموضوع علي أكثر من 4000 اعجاب وأكثر من 100 تعليق من الأبناء والبنات ، ولفت نظري بعض التعليقات علي هذا الموضوع مثل : قال الأول (هم كانوا يقولون لنا أتركوا الجوال والحين صاروا زينا) ، وقال الثاني (حتي خدامنا صاروا مثل أبونا وأمنا) ، وقال الثالث (أمي تركت الإهتمام بنا وببرامجها التلفزيونية وصارت 24 علي الوتس أب ) ، وقال الرابع (وأبوي عنده صديقات وعلاقات وهو مدمن علي الوتس أب) ، وقالت الخامسة (أمي مشغولة بالوتس أب وأبي بالسفرات والإستراحات) ، وقالت السادسة (إذا طلبت شيء من أبي أرسل له رسالة بالوتس ولا يرد علي إلا بعد ساعة ولو كانت الرسالة من أصدقائه يرد عليهم بسرعة ) ، وكتبت إحدي الأمهات (كلما مسكت هاتفي يتحرك ولدي الصغير ويغطي الشاشة بيده وينظر إلي كأنه يقول لي أنا أهم)  ، فهذه بعض المشاركات حول إدمان الآباء والأمهات علي (الوتس أب) ووسائل التواصل الإجتماعي ، وواضح من هذه العينة العشوائية حجم المشكلة التي نعيشها في بيوتنا وانصراف الوالدين عن الهدف الأساسي من الزواج وتكوين الأسرة وهو التربية 
نحن لسنا ضد استخدام وسائل التواصل أو تكنولوجيا الإتصال ، ولكننا مع تحديد الأولويات في الحياة الإجتماعية ، وأكبر أولوية هي بناء أسرة مستقرة وسعيدة ومترابطة وهذا الهدف لا يأتي إلا (بالإهتمام التربوي والحوار وإشاعة الحب) وهذه الثلاثية تحتاج لوقت حتي تتأسس بالأسرة ، وأختم بتعليق من أحد الآباء بأنه اقترح علي عائلته أن يخصص يوم من غير استخدام الهواتف الذكية وقد نجح كما يقول بتطبيق هذه التجربة ، ولكن المهم أن لا يكون (الوتس أب) أهم من أبنائنا