د. رشا سمير تكتب: ثقافة السياحة
مصر التي إعتلت شمسها الذهب سماء العالم..مصر المماليك والمصريون القدماء والفتح الإسلامي..مصر رحلة العائلة المقدسة وبوابة الفتوح وجامع عمرو بن العاص..مصر خان الخاليلي والأهرامات والواحات ونهر النيل..
مصر الدنيا..نعم..مصر هي الدنيا مهما حاولت بلاد الدنيا أن تتزين وترتدي الحُلي..فمصرنا الجميلة هي العروس التي لم تحتاج يوما إلى الكحل لتتكحل لأن الكحل رباني.
أتذكر يوم زرت اسطنبول ورأيت كيف حولت السياحة تلك الدولة التي كانت غارقة في الديون يوم ما، إلى وجهة سياحية للبشر من كل صوب وحدب..وأتذكر يوم زرت الجامع الأزرق وحسبت كم الدولارات التي صرفتها في شكل تذكرة دخول وشراء تذكارات سياحية من أمام المسجد..فتعجبت وقلت في نفسي: كم من مساجد أثرية نمتلكها نحن في مصر أجمل وأعظم بكثير ولكننا لا نستغلها لصناعة السياحة مثل الدول الأخرى..
المعضلة الحقيقية لدينا في كل شئ هي البشر، السياحة في الأصل هي ثقافة..ثقافة شعب يجب أن يدرك أن السياحة من الممكن أن تحول مصر إلى أغنى بلاد الدنيا..ثقافة دولة وشعب معا.
السياحة تبدأ من مطار القاهرة الذي لازال بعيدا عن أعين المسئولين، منذ هبوط السائح على أرض المطار وعلى وجه الأخص في الرحلات الداخلية، أنت في متاهة غير مفهومة، زحام وحمامات غير نظيفة وسائقي التاكسي يحاربون من أجل إقتناص الزبون من بين أيدي الأخرون في حرب شعواء لا تدل سوى عن ثقافة إحترام غير موجودة.
هذا بالمثل يحدث في كل شوارع القاهرة والمناطق الأثرية، والعاملين بمنطقة الأهرامات والمعابد في الأقصر، محاولة دائمة لإصطياد الزبون وتقليب جيوبه غير أبهين بإنعكاس تلك الصورة على العالم بأسره..أعلم تماما أن بعض تلك الصور موجود في أغلب البلدان العربية أولا ثم الأوروبية ولكني هنا معنية بمصر بلدي التي أتمنى أن أراها تتقدم وتزدهر.
السياحة في مصر لازالت متعثرة، ولازالت لا تشكل الدخل القومي الرئيسي في دولة تمتلك أهم آثار العالم..والسبب من وجهة نظري هي الثقافة والتعليم..
بناء الدولة القوية يعتمد على تعليم يمنح الطالب مساحة للتفكير والإبتكار ولازال التعليم لدينا لا يمنح الطالب تلك المساحة الإبتكارية، والشغف الذي خلق في نفوس شعوب العالم آلاف العلماء والمفكرين بل وجعل المصري الذي يتعلم بالخارج ناجحا ومتميزا لمجرد وجوده في مناخ يسمح له بممارسة الشغف..
الثقافة أيضا متعثرة، الطالب يكره التاريخ والجغرافيا في المدرسة لأنهما من المواد الثقيلة الغير محببة للنفس أو دعوني أقول يدرسان بطريقة عقيمة لا تسمح بالحب أصلا!.
تنتهي علاقة الطالب بكل ما تعلمه عن بلده وآثارها وأهميتها الجغرافية مع جرس إنتهاء الإمتحان ووضع القلم جانبا..ثم حين يكبر ويقرر البحث عن مصدر لتعلم التاريخ أو قدوة تدفعه لحب الوطن، لا يجد المصدر ولا القدوة!.
سائق التاكسي الذي يحاول بكل اللغات إبتزاز السائح ظاهرة يجب أن تتوقف ولن تتوقف إلا بتلقين هذا السائق أهمية وقيمة وطنه منذ الصغر ومعنى أن تزدهر السياحة والفائدة التي ستعم عليه هو شخصيا بدلا من إبتزاز سائح واحد بكل الطرق المشروعة والممنوعة.
أعرف شاب هو إبن أحدى صديقاتي، شاب على خلق وعلم درس بالخارج ولكنه عاد ليعمل في مصر، ببساطة لأنه عاشق تراب مصر..يزور الهرم في عز الحر ويجري ليلتقط الصور في متحف الحضارات بشغف غريب، لدرجة دفعته إلى عمل ماجيستير في الأثريات بالجامعة الأمريكية وأمنية حياته أن يقدم لوطنه مصر دون مقابل..إنه يبحث عن يد تمتد إليه، عن قدوة، عن من يستمع إليه ليستفيد من أفكاره..وللأسف فهؤلاء الشباب الذين لا يشاركون في أكاديميات ومؤتمرات هم شباب يحملون الكثير في جعبتهم، ولا يبحثون عن أضواء زائفة أومناصب شرفية ممن وصلوا إليها عن طريق التطبيل..إعطوهم فرصة وعلموهم..علهم هم مستقبل مصر الحقيقي.
السياحة يجب أن تصبح مادة في المراحل الدراسية المختلفة ويجب أن تدرس بشغف..والدورات التدريبية يجب أن تكون متاحة لكل من يعمل في مجال السياحة من أول الطفل الذي ينظف جامع عمرو إلى صاحب الدكان في خان الخاليلي إلى بائع التماثيل الذي يجلس أمام المتحف..
أعلم أنها تبدو فكرة مستحيلة، ولكن بعضها قابل للتحقيق إذا توفرت لدينا النية الخالصة.
إنها مصر..ومصر تستحق..