د. رشا سمير تكتب: مكتبة الأسكندرية وجه مصر الحضاري

مقالات الرأي



                          

قمت بزيارة قصيرة لمكتبة الأسكندرية منذ أيام، والحقيقة ان أقل ما يقال عن تلك الساعات القليلة التي قضيتها في أروقة المكتبة، أنني انبهرت وتمنيت ألا تنتهي الزيارة.
صاحبتني في بداية الجولة فتاة شابة مع مسئولة المراسم، ومن أول لحظة لاحظت مظهر الفتاة المحترم المهذب، وتمكنها من الشرح التفصيلي لكل ركن في المكتبة واستعدادها للإجابة عن أي استفسار. 
لفت نظري أيضا الفتيات الشابات اللاتي قمن مشكورين بشرح أقسام المكتبة وهن إما خريجات كلية الاثار او الارشاد السياحي، مظهر مشرف وابتسامة أنيقة وشرح مبسط متمكن.
جبت أنحاء الدور الأول الذي يعد مكتبة ثقافية ضخمة جدا، كتب قديمة وحديثة بحثية مصفوفة بعناية فوق الارفف، تتنوع المكتبات ما بين:
مكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة، مكتبة المواد الميكروفيلمية، مكتبة النشء، مكتبة الاطفال، مكتبة المكفوفين المعروفة بإسم مكتبة طه حسين، مكتبة المواد السمعية والبصرية.
كما تضم المكتبة النسخة الأصلية من أعظم كتاب سطرته الأيادي الأجنبية عن عظمة مصر وهو كتاب (وصف مصر) برسوماته والمعلومات الدقيقة فيه عن مصر بأقلام الحملة الفرنسية، نسخة نادرة تضمها مكتبة الأسكندرية.
كما يضم الدور الأول أيضا المحمل المصري والشامي الذي كان يحمل كسوة الكعبة من مصر إلى السعودية، وستار الكعبة الذي يصرخ بعظمة مصر.
ببساطة، النظافة والنظام هما عنوان المكان.
قدمت فرنسا في أكبر صفقة ثقافية في تاريخ المكتبات هدية تصل إلى نصف مليون كتاب باللغة الفرنسية في عدة موضوعات مختلفة (علوم- آداب- تاريخ- جغرافيا- انثربولوجيا) إلي مكتبة الإسكندرية، ونتيجة لهذه الهدية أصبحت مكتبة الإسكندرية المكتبة الفرانكفونية الثانية في العالم بعد مكتبة نيويورك في ثراء مجموعاتها باللغة الفرنسية بعد المكتبة القومية الفرنسية ومكتبة جنيف ومكتبة ليون بفرنسا ومكتبة لافال بكندا.
لا يختلف اثنان على اللمحات السريعة من تاريخ مصر المسمى بمتحف الآثار، وقد اصطحبتني شابة متمكنة من أدواتها أثناء الشرح، تماثيل من العصر الفرعوني والروماني والقبطي والاسلامي، وشهادة راسخة بأن مصر هي أم الحضارات.
أبهرني أيضا متحف المخطوطات الذي يضم مخطوطات قديمة ونادرة من القرآن والأنجيل والعلوم الحية والمخطوطات الصوفية..والمعمل الخاص بالترميمات وهو الذي يضم نخبة من أكبر المتخصصين في فن الترميم في مصر.
أما متحف الرئيس الراحل أنور السادات وهو الذي أهدته زوجته السيدة جيهان السادات رحمة الله عليها إلى المكتبة، فهو يضم كل ما كان يخص الرئيس الراحل من أوراق بخط يده ومقتنياته الخاصة، ملابسه والغليون الشهيرالخاص به، حتى بدلته وساعته وحذائه الذي كان يرتديهم في العرض العسكري الأخير الذي شهد إغتياله.
في نهاية الجولة قمت بزيارة الدكتور شريف رياض رئيس قطاع العلاقات الخارجية والمراسم وهو بمعنى الكلمة واجهة مشرفة للمكان وعنوان جاذب للمكتبة التي تستقبل وفود من كل أنحاء العالم، الرجل المناسب في المكان المناسب.
تحية من القلب لكل العاملين بالمكتبة من أول مسئولي النضافة الذين جعلوا المكان يتلألأ، مرورا بالشباب والفتيات القائمين على الشرح والعاملين المستدامين، ووصولا إلى كل الذين بذلوا الجهد الكبير في تحويل الكتب والافلام إلى نسخ الكترونية لتصبح متاحة على موقع المكتبة لكل طالبي العلم والثقافة.
تحية إعزاز وتقدير واجبة للدكتور مصطفى الفقي الذي حافظ على كيان المكتبة وأضاف لها من خبرته وحنكته السياسية والدبلوماسية الطويلة، والذي بكل الإحترام اعترف بمن جاءوا قبله وكان لهم بصمة، مثل الدكتور اسماعيل سراج الدين الذي يذكره الجميع بالخير. 
مكتبة الأسكندرية هي مؤسسة رائدة في العصر الرقمي ونافذة للعالم على مصر وحضارتها بل ووسيلة للتفاعل بين الحضارات المختلفة، صرح ثقافي هو إضاءة للإنسانية ويدعم الثقافة لهدف غير ربحي..
أدعو كل من لم يقم بزيارة المكتبة أن يذهب دون تردد، فالمكتبة صرح يستحق الزيارة.
                                                        [email protected]