كلمة أمين عام الجامعة العربية في جلسة الحوار التفاعلي مع أعضاء مجلس الأمن
ينشر "الفجر"، كلمــة السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في جلسة الحوار التفاعلي – غير الرسمي بين أعضاء مجلس الأمن وجامعة الدول العربية
وجاءت الكلمة كالتالي:
"السيد الرئيس..
أود بداية أن أتوجه بالشكر لتونس على المبادرة بالدعوة إلى عقد هذا الاجتماع المهم الذي يُمثل حلقة في سلسلة مستمرة ومتواصلة من التعاون والتنسيق بين منظمتنا الإقليمية، الجامعة العربية، والمنظمة الأممية.. كما أشكر أعضاء المجلس الحاضرين معنا اليوم لإجراء هذا النقاش المهم حول قضايا المنطقة العربية وأزماتها.. وإمكانيات التعاون والتنسيق بين النطاقين؛ الإقليمي والأممي، من أجل تعامل أفضل وأكثر شمولاً مع هذه الأزمات.
وأقول ابتداءً إن أزمات منطقتنا، وللأسف، قد طال أمدها وتعقدت مساراتها إلى حد أن احدى تلك الأزمات -الأزمة السورية- قد أصبحت اليوم أزمة اللاجئين الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية... وأزمة أخرى -الأزمة اليمنية- صارت الكارثة الإنسانية الأكبر والأشد خطراً في عالم اليوم... أقول هذا لأشير إلى أننا نتعامل، في واقع الأمر، مع أوضاعٍ استثنائية.. ومع مرحلة غير مسبوقة انفجرت خلالها أزمات متتابعة ومتلاحقة ومتداخلة في المنطقة العربية.
وبشكل عام.. لا زالت الجامعة العربية ترى أن لا حل عسكرياً لأي من الأزمات القائمة.. كان هذا اقتناعنا من البداية إلى اليوم.. وهو أيضاً الموقف الذي تُعبر عنه الأمم المتحدة ومبعوثوها إلى دول الأزمات العربية.. وقد أثبتت تجربة السنوات العشر الماضية استحالة الحل العسكري.. واستحالة فرض واقع جديد بالقوة والإجبار على السكان.. ومن ثمّ حتمية الحل السياسي.. وتظل المشكلة هي أن الأطراف جميعها لم تصل بعد إلى هذا الإدراك.. وأنه ما زال لدى البعض أوهامٌ باحتمال تحقيق حسم عسكري ما.. وترجمته إلى واقع سياسي جديد.
هذا هو واقع الحال في اليمن على سبيل المثال.. إذ لا زال الطرف الحوثي يُصر على مواصلة القتال برغم ما وصلت إليه الأوضاع الإنسانية والصحية والغذائية في هذا البلد من تردٍ كارثي.. إن جماعة الحوثيين لم تستجب لمبادرات مختلفة.. بعض هذه المبادرات أطلقتها الأمم المتحدة (مثل عملية استوكهولم وما نتج عنها من اتفاق الحُدَيدَة).. وبعضها أطلقه تحالف دعم الشرعية وآخرها في مارس الماضي.. حيث جرى الحديث عن وقف شامل لإطلاق النار والدخول في محادثات سياسية تستجيب لشواغل كافة الأطراف.. بمن فيها الطرف الحوثي نفسه.. وللأسف فإن هذا الطرف ما زالت تحركه أجندات غير يمنية.. ويتصور أن بإمكانه فرض سيطرته الكاملة على اليمن كله بالقوة.
وفي سوريا.. وبعد عشر سنوات من حربٍ أهلية مدمرة.. ومئات الآلاف من الضحايا وملايين اللاجئين والنازحين.. ما زالت التسوية السياسية تُراوح مكانها.. والجهود المتواصلة للمبعوث الأممي من أجل عقد لجنة دستورية، تجمع الحكم والمعارضة، لا تُحرز اختراقاً واضحاً.. إن التسوية السياسية المطلوبة في سوريا تقتضي، كما نرى، توافقاً دولياً بين الأطراف ذات التأثير في الأزمة.. وإن الجامعة العربية ترى أن بقاء سوريا كدولة موحدة، ذات سيادة على كامل ترابها الوطني، يُعد مبدأ أساسياً في أية تسوية.. كما لا يُمكن، ولا ينبغي، أن تتجاهل هذه التسوية المفترضة تطلعات وآمال وطموحات كافة أبناء الشعب السوري، سواء المقيمين داخل الوطن أو المشتتين خارجه.
وفي ليبيا.. نقف اليوم علي أعتاب تاريخ حاسم هو 24 ديسمبر القادم.. تاريخ عقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في البلاد.. إن الجامعة العربية تُثمن حالة التوافق الدولي والإقليمي التي جعلت مسار التسوية السياسية ممكناً في ليبيا.. ونتطلع إلى استكمال المسار.. الذي نُشدد على أنه يعتمد في الأساس على إرادة الليبيين أنفسهم، أصحاب البلد الذين يملكون مسار ومصير العملية السياسية.. ونشير هنا إلى ما تُمثله تجربة العمل الدولي بشأن الأزمة الليبية من نموذج إيجابي لتعاون بنّاء بين شركاء أربع: الجامعة العربية والاتحاد الافريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.. كما نُشير إلى محورية عملية برلين.. إننا نؤيد عمل حكومة الوحدة الوطنية وجهودها كما نؤيد مجلس النواب وجهوده.. ونطالب الجميع بإعلاء المصلحة الوطنية علي المصالح الضيقة.. ونؤكد أن المسار السياسي لابد وأن يُرافقه ويُصاحبه تطور في الأوضاع الأمنية يضمن إنهاء التواجد العسكري الأجنبي وخروج كافة المقاتلين الأجانب والمرتزقة والقوات الأجنبية.. باعتبار ذلك ضمانة أساسية لاستكمال المرحلة الانتقالية في ليبيا، وأيضاً للاستقرار الشامل في هذه المنطقة.
السيد الرئيس،
لازالت القضية الفلسطينية تُمثل مصدراً دائماً لانعدام الاستقرار في منطقتنا.. وقد أثبتت السنوات الماضية أن معالجة القضية بمنهج خاطئ أو منحاز لن يكون من شأنه سوى إضاعة المزيد من الوقت وسقوط الضحايا الأبرياء.. كما كشفت الاعتداءات الإسرائيلية في مايو الماضي عن وجهٍ قبيح للاحتلال لم يعد له مكان في عالمنا المعاصر.. لقد كشفت هذه الاعتداءات كذلك عن وهم استقرار الوضع القائم.. فلم يحدث أبداً أن استقر احتلال أو قبِل سكانٌ تحت الاحتلال ببقائهم في هذا الوضع.
إن انطلاق العملية السياسية لا يُمكن أن يظل مرهوناً بإرادة الطرف المحتل.. كما أن أفق العملية السياسية لا يمكن أن يظل مقصوراً على تحسين شروط الاحتلال.. إن دور مجلس الأمن يُعد جوهرياً في هذا الصدد.. فنحن نفضل أن يكون إطلاق العملية السياسية المنشودة بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية دولية.. وبدعم من الدول الأعضاء في مجلس الأمن.. فمحددات التسوية النهائية منصوص عليها في قراراتٍ أممية.. مثل القرار 2334 الذي سبق وأن توصل إليه مجلس الأمن بالإجماع في عام 2016.. والذي يُطالب إسرائيل بالوقف الفوري للأنشطة الاستيطانية في الأراضي المُحتلة، بما في ذلك في القدس الشرقية.. لقد آن أوان الانتقال من منهج إدارة هذا الصراع إلى منهج العمل على حله.. فالبديل عن تسوية تقوم على حل الدولتين هو استمرار الوضع القائم حالياً.. أي دولة واحدة تقوم على نظام من التمييز العنصري الفاضح والمُشين ضد ملايين البشر.. إنه وضعٌ يستحيل الدفاع عنه سياسياً أو أخلاقياً.
السيدات والسادة
أشير أخيراً إلى موقف الجامعة العربية من المفاوضات المفترضة مع إيران حول برنامجها النووي.. إننا نُشدد على أن الشواغل العربية حيال هذه المسألة الهامة، والتي تتعلق بأمن المنطقة واستقرارها، لابد أن تؤخذ في الاعتبار.. وعلى رأس هذه الشواغل ما يتعلق بسياسات إيران في الإقليم وتدخلاتها المختلفة في مناطق الأزمات على نحو أسهم في تأجيجها وإطالة أمدها.. وأيضاً برنامج إيران للصواريخ الباليستية والمخالف لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2331 (لعام 2016).. والذي يُمثل تهديداً خطيراً على الأمن الإقليمي من وجهة النظر العربية.
إن أزمات المنطقة لا ينبغي أن تكون دافعاً لليأس من أوضاعها.. بل حافزاً لعمل أكبر من أجل معالجة هذه الأزمات بروح من الشراكة بين المنظمات الإقليمية والمنظمة الأممية.
وفي هذا السياق، فإنني أثمن عمل المبعوثين الأمميين إلى بلدان الأزمات في منطقتنا.. ونحن حريصون علي استمرار الشراكة والتنسيق معهم.. الذي أعتبره ركيزة مهمة لا غنى عنها من أجل العمل على إيجادِ حلولٍ للأزمات القائمة ومعالجة آثارها المختلفة.
شكـــــــراً".