د. رشا سمير تكتب: لعنة المال والعيال!

مقالات الرأي



أرسل لي زميل مقطع لأحد الشيوخ يشرح فيه حديث قدسي أعجبني، وقررت أن أبحث عن مصدره وصحته..فوجدت أن هناك إختلاف حول صحته، فهناك من أقر وأصر على أنه حديث قدسي، وهناك من أقسم على أن لا وجود له في كتب الأحاديث المعتمدة، وإنما ذكر في بعض كتب التصوف بعد عبارة ( وجاء في بعض الآثار ) دون ذكر سند أو إشارة إلى مرجع..
الحديث يقول: (( يا ابن آدم لا تخافن من ذي سلطان مادام سلطاني باقياً وسلطاني لا ينفذ أبداً، يا ابن آدم لا تخشى من ضيق الرزق وخزائني ملآنة وخزائني لا تنفذ أبداً، يا ابن آدم لا تطلب غيري وأنا لك فإن طلبتني وجدتني، وإن فتني فتك وفاتك الخير .
 يا ابن آدم خلقتك للعبادة فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب، فإن رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك وبدنك، وكنت عندي محموداً، وإن لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البرية ثم لا يكون لك منها إلا ما قسمته لك، وكنت عندي مذموماً..يا ابن آدم خلقت السماوات السبع والأراضين السبع ولم أعي بخلقهن، أيعييني رغيف عيش أسوقه لك بلا تعب ؟؟..يا ابن آدم أنا لم أنس من عصاني فكيف من أطاعني ؟ وأنا رب رحيم وعلى كل شيء قدير..ياابن آدم لا تسألني رزق غد كما لم أطالبك بعمل غد..يا ابن آدم أنا لك محب فبحقي عليك كن لي محباً ))
استوقفتني الكلمات وجمال النصائح التي يحتويها النص ولم يستوقفني مطلقا الجدال بين من أقر وبين من أنكر.. وهو نفس الشئ الذي يستوقفني دائما كلما إنقسمت الأراء إلى فريقين حول رأي ما أو قضية ما..وأتسائل، لماذا لا نترك القشرة وننظر إلى الجوهر؟.
أصبحنا في عصر سطوته الوحيدة هي سطوة المال، البشر في العالم بأسره لا يبحثون سوى عن جمع المال وكأنه الهدف والمصير، حتى تحول المال إلى نكبة، وتحول الصراع لجمع المال إلى حلبة الكل فيها يتصارعون بكل الأسلحة المسموحة والممنوعة!.
فلم يعد هناك مكان للأخلاق، ولا لصلة الرحم، ولا للرحمة ولا حتى للضمائر اليقظة..
أصبحت القدوة الوحيدة للشباب هم لاعبو الكرة ومطربي المهرجانات وبتوع التيك توك والإنفلونسيرز... ومحمد رمضان!.
المال أصبح هو اللغة الرسمية والراعي الرسمي لكل شئ وأي شئ، والسعي وراء جمعه أصبح مسابقة تدنى فيها الجميع، حتى توارى دور الأسرة التي كانت ترعى وتراقب وتقوم الأبناء، وأصبحت اللغة الوحيدة المشتركة في بيوت من يمتلكون المال هي:
(اللاب توب..فيلا الساحل..العربية المرسيدس علشان نبقى زي أصحابنا..سفرية الشوبنج لأوروبا كل سنة..الساعات والأحذية الأخر موديل)!.
هل هذا يعني أن تلك الأشياء غير مطلوبة أو أن وجودها لعنة؟!..بالطبع لا، فمن منا لا يحلم ومن منا لا يحاول أن يحقق لأولاده أفضل مستوى إجتماعي..
هي فقط لعنة لو تصورنا أن تلك الأشياء هي الدنيا وما فيها..والخطأ الأكبر هو تصورنا أن فضلنا على أبنائنا هو فقط فضل المال ووجوده في حياتهم الذي أصبح أهم من وجودنا!..
لم تقتصر المأساة على الشباب فقط، بل أن الكبار ممن يمتلكون الكثير من المال لا زالوا يبحثون عن الأكثر..والمليون بقى عشرة والعشرة يا سلام لو بقوا مليار..
مصالح ومعارك وعلاقات مشبوهة هدفها الوحيد هو المال..صراع جعل رموز الدولة وكريمة المجتمع تتهافت وتلتف حول من يمتلك رأس المال..حتى لو كان رأس المال موجود في شوال من الأرز إلا أنه يكفي أن الشوال به دولارات!..
فلماذا لا نرقص ونصفق ونهلل ونبيع أنفسنا في مزاد علني للدولار دون شروط أو كسوف؟!. 
الإيمان بأن الرزق بيد الله طريق عنوانه الرضا والرضا هو سر السعادة الحقيقية لكل إنسان..
كم من إنسان جمع مالا وعدده، فابتلاه الله بمرض عضال أو خطف الموت منه أحلامه وخططه ليصبح المال هشيما تذروه الرياح..كم من درس مر أمامنا ولم نتعلم منه..
(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) صدق الله العظيم..
هذه ليست كلمات للوعظ ولكنها تذكرة..تذكرة لي ولكم..