طارق الشناوي يكتب: حمارة الحجاوي وطيارة طه!

الفجر الفني

بوابة الفجر





عندما بدأ المطرب الشعبي محمد طه، صاحب الجملة الشهيرة (ع الأصل دور)، مشوار الشهرة، وما أدراك ما الشهرة، كان قد سبقه لعالم النجومية المطرب محمد أبو دراع، مع الأسف لا يحتفظ الأرشيف بالكثير من مواويل أبو دراع، وهذا الاسم يعني أنه بذراع واحدة، مثلما يفقد الإنسان سنته الأمامية فينعتونه بـ(أبوسنة)، كان محمد طه- وعلى طريقة المكايدة لمنافسه- قد اخترع أثناء الغناء التصفيق على المسرح.

في مسرحية (المتزوجون)، ومن فرط شهرة محمد طه، كان سمير غانم يقدم عنه مشهدًا كوميديًا، مستعينًا بنفس فرقته الموسيقية الشعبية، شارك طه في العديد من الأفلام، وكان بمثابة فقرة رئيسية في حفلات (أضواء المدينة)، إنه أحد اكتشافات رجل عظيم آمن بالفن الشعبي، الذى يعبر عن الروح الحقيقية للشعب، وكان يلف القرى والنجوع راكبًا (الحمارة) بحثًا عن المواهب، وقدم العديد منهم للإذاعة المصرية، من بين هؤلاء خضرة محمد خضر وبدارة السيد وفاطمة سرحان وجمالات شيحة، وأنشأ مسرح (السامر)، وكتب العديد من الملاحم الشعبية، قلائل تنبهوا لإنجازه، من بينهم الكاتب الكبير محمود السعدنى، الذى كان يعتبره من بين أهم أربعة أساتذة له، الثلاثة الآخرون هم: كامل الشناوى وبيرم التونسي ومأمون الشناوي، كالعادة تعنتت نقابة الموسيقيين، رفضوه لأنه لا يحمل شهادة، أقام دعوى طلب منه القاضى الدفاع عن نفسه فارتجل: (أنا فى محكمة العدل/ أصل العدل للعادل/ أنا اسمى عدل الكرام محمد طه/ أبو نفس عالية ما يوم وطاها)، ومن فرط إعجاب القاضي بأدائه وسرعة بديهته منحه حكمًا نهائيًا بممارسة المهنة.

لي موقف واحد مع محمد طه، في حفل مجاني كنت مسؤولًا عنه فى مطلع التسعينيات تحت رعاية نقابة الصحفيين، اتفقت مع عمرو دياب ولطيفة وهاني شنودة وغيرهم على المشاركة، وقررت أن أضيف إليهم لمسة محمد طه، تصورت أن اسم النقابة يكفي، واتصلت به واثقًا وقائلًا: (إننا سنكون جميعًا سعداء لو شرفنا بالحضور، وأن النقابة سوف تمنحه شهادة تقدير)، وبعد انتهاء كلمتي لم يعلق محمد طه، أعدت عليه الحوار معتقدًا أن المفاجأة ألجمت لسانه، فقال لى: (ثم)، وأعدت ثالثًا الكلمات وجاءت إجابته حادة هذه المرة: (ثم يا أستاذ شناوي، ثم وفهمت متأخرًا ما الذى يعنيه بـ(ثم)، وأضاف: (يعني أقول للجزار والبقال والفكهاني أن يمنحوني البضاعة مجانًا، بعد أن أهدى إليهم تحيات الأستاذ شناوي ونقابة الصحفيين؟!

 صدمتنى كلماته، إلا أنني بعد ذلك تفهمتها، إنه الاحتراف، بالطبع عمرو ولطيفة وشنودة وفرقة المصريين محترفون، إلا أنهم يعنيهم الشق الأدبي أولًا، بينما محمد طه (جاب م الآخر)، وكما قال شاعر قديم: (وبأحسنت لا يُشترى الرغيف).

حقق محمد طه أموالًا طائلة بعد أن انهالت عليه الأفلام والحفلات والأفراح، بينما مكتشفه زكريا الحجاوي كان يعيش على الكفاف، حتى إنه اضطر فى السنوات الخمس الأخيرة من حياته- رحل عام (75)- أن يقيم فى دولة قطر، وأنشأ هناك مركزًا للتراث.

كانوا كثيرًا ما يتهكمون على الفارق بين زكريا الحجاوي ومحمد طه، قائلين إن الحجاوي راكب حمارة وطه راكب طيارة، وهكذا ستكتشف أن مكتشفي  النجوم وفى كل المجالات والأزمنة لم يعرفوا من وسائل المواصلات سوى (الحمارة)!!.

[email protected]
المقال: نقلاً عن (المصري اليوم).