عادل حمودة يكتب: أغسطس الأسود يدمر شعبية بايدن ويجبره على الاستقالة
نجحت القاهرة فيما فشلت فيه واشنطن وأجلت رعاياها من أفغانستان دون خدش مواطن واحد
طالبان سلمت أسرار الأسلحة الأمريكية المتطورة إلى روسيا والصين مقابل شحنات غذاء ودواء
محلل أمريكى فى الكونجرس والاستخبارات المركزية : مصر قادرة على قيادة المنطقة وعلى الولايات المتحدة دعمها سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا
التسامح الدينى فى مصر يرشحها لفض الخلاف بين الشيعة والسنة ومقاومة داعش والقاعدة
شراسة داعش تتيح الحوار مع طالبان بصفتها تنظيمًا معتدلًا
ما أن سلمت الولايات المتحدة السلطة فى أفغانستان إلى طالبان حتى شنت قاذفاتها الثقيلة (بى ٥٢) غارات مكثفة لتدمير مخازن أسلحتها هناك.
أصدر الأمر الرئيس الأمريكى جو بايدن بنفسه بعد طلب عاجل وملح من وزير الدفاع لويد جيمس أوستن ليس خوفا من استيلاء التنظيمات الإرهابية عليها فحسب وإنما تجنبا لاتهام جنرالات البنتاجون بارتكاب جرائم ضد الإنسانية أيضا.
خشيت واشنطن الكشف عن استخدام أسلحة مخصبة باليورانيوم ضد معاقل طالبان والقاعدة وداعش فى قرى أفغانية بعد فضيحة استخدامها فى العراق ضد أهداف مدنية.
ورغم أن البنتاجون أعلن «أن سياسات استخدام اليورانيوم المخصب ليست مقيدة ضد التنظيمات الإرهابية» فإن كثيرًا من الضحايا كانوا مزارعين أبرياء فى جبال أفغانستان ظهرت عليهم أعراض السرطان فيما بعد.
فى الوقت نفسه انقضت الغارات التى ضربت مطار كابول على مخازن الأسلحة المتميزة التى تستخدمها القوات الخاصة وفرق الاستخبارات المتخصصة فى مطاردة «أمراء» الإرهاب منذ أن سعت وراء أسامة بن لادن.
لكن المثير للدهشة تلك العشوائية التى تعاملت بها الولايات المتحدة مع ترسانة أسلحتها فى الوقت الضائع رغم أنها كانت تعرف بموعد انسحاب قواتها بعد طول مفاوضات مع طالبان وتوقيع الاتفاق معها فى ٢٠ فبراير ٢٠٢٠.
لم انتظرت حتى سيطرت الفوضى على أفغانستان؟.
لم عجزت عن إدارة الأزمة حتى ضاعفت من الفوضى؟.
لم فشلت فى نقل أسلحتها أو تدميرها ليستولى عليها أعداؤها؟.
لقد توالت تفجيرات الأسلحة فى ١٥ منطقة أفغانية خلال ساعات قليلة وتكررت فى أيام متتالية ورغم ذلك استولت طالبان على أسلحة ومعدات أمريكية وصفها جاك سوليفان مستشار الأمن القومى بأنها «كمية لا بأس بها ولن تعيدها بالقطع إلينا».
أجبر سوليفان على ذلك الاعتراف فى أعقاب نشر طالبان فيديو تستعرض فيه استيلاءها على مروحيات أمريكية طراز «بلاك هوك» وطائرات مسيرة وطائرات هجومية طراز «توكانو» وبنادق هجومية وعربات مدرعة مضادة للكمائن والألغام طراز «همفى» تكلفة الواحدة منها مليون دولار إلى جانب كميات هائلة من الذخائر.
وبات مؤكدا أن الأمريكيين سيرون بأعينهم أسلحتهم فى يد من يتصرف ضد مصالحهم.
وحسب تحليلات عسكرية متعددة فإن الخطأ الذى وقع تسبب فيه بايدن عندما ركز على انسحاب القوات توفيرًا للنفقات (٣٥٠ مليون دولار يوميا) وحقنا للدماء (بعد مقتل ٢٣٠٠ جندى) دون الاهتمام بالأسلحة التى تراكمت على مدى عشرين سنة منذ غزو أفغانستان انتقاما من هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١.
كما أن بايدن لم يتصور لضعف خبرته الاستراتيجية خرافة الجيش الأفغانى التى تجلت فى انهياره وهروب جنوده واستيلاء طالبان على قواعده وأسلحته وثيابه وأحذيته ونياشينه بعد أن أنفق البنتاجون عليه ٨٨.٣ مليار دولار.
كان قادته فاسدين يسجلون أعدادا وهمية من الجنود للحصول على رواتبهم كما كانت غالبية ميزانية التدريب تذهب إلى جيوبهم بعد اقتسامها مع جنرالات البنتاجون المسئولين عنه.
بل إن البنتاجون اكتشف تورط بعض ضباطه هناك فى تهريب الأفيون إلى الولايات المتحدة على متن طائراتها العسكرية كما حدث من قبل فى فيتنام.
لم يستوعب بايدن كثيرًا من الحقائق على الأرض بل حطمت الأحداث مبرر انسحابه وأهمها الحفاظ على حياة جنوده ومواطنيه عندما فجر انتحاريان من داعش نفسيهما عند إحدى بوابات مطار كابول وأمام فندق صغير بجانبها ما أدى إلى مقتل ٨٥ مدنيا و١٣ عسكريا أمريكيا وجرح أكثر من ١٥٠ آخرين.
وداعش أفغانستان يسمى تنظيم «خراسان» نسبة إلى الاسم القديم لأفغانستان.
وذلك التنظيم ليس له علاقة بداعش العراق وسوريا بل خرج من رحم القاعدة وتجاوزها بالشراسة فى عملياته حتى أن الجيش الأمريكى ضرب معقله فى تورا بورا بأم القنابل (قنبلة قطرها متر وطولها عشرة أمتار).
وبذلك الحادث تسترد أفغانستان سمعتها السوداء فى الإرهاب ويجدد داعش جلده السميك الذى جف ويتربع على عرش الدم بعد أن فقده.
ولكن بسبب جنون عملياته الإرهابية بدت طالبان تنظيما إسلاميا معتدلا يمكن التحاور والتحالف معه ضد داعش خراسان.
ولن يترك تنظيم القاعدة تنظيم خراسان منفردا بساحة التفجيرات الانتحارية بعد أن تخلت عنها طالبان متصورة أنها ستقيم إمارة إسلامية فى دولة متصارعة الأعراق لم تجد التعادل فى الحياة وإنما وجدته فى الحرب.
بل إن تفجير المطار أسقط اتفاقية الدوحة بين الولايات المتحدة وطالبان.
إن واشنطن وافقت على سحب ما تبقى من قواتها مقابل ألا تسمح طالبان للقاعدة أو أى جماعة متطرفة أخرى بالعمل التى تسيطر عليها.
وشمل الاتفاق ضرورة تفاوض طالبان مع الحكومة الأفغانية لتحديد كيف ومن سيحكم أفغانستان فى المستقبل؟.
لكن ما حدث أن الرئيس الأفغانى أشرف غنى فر من البلاد بعد سقوط حكومته وتفكيك جيشه ليصبح لطالبان السيطرة الكاملة على العاصمة مما أسقط بندا مهمة من بنود الاتفاق.
وبعجز طالبان عن منع داعش من تنفيذ العمليات الانتحارية يكون الاتفاق قد انتهى تماما.
وبما حدث فى أفغانستان انهارت شعبية بايدن فى «أغسطس الأسود» وارتفعت الأصوات تصفه بالخرف وتطالب برحيله وأغلب الظن أن ذلك يمكن أن يحدث.
كل ما فعل بايدن كان عارا على القوة العظمى التى يمثلها.
لم يقض على بؤر الإرهاب بل نشطها وخفض من قامة بلاده بتسليم عملية الإجلاء إلى طالبان (وحذرت السفارة الأمريكية فى كابول من التواجد فى المطار حيث تنتظرهم تفجيرات أخرى متوقعة) ولم يستطع إنقاذ الأفغان الذين تعاونوا مع البنتاجون من الإعدام رميا برصاص طالبان وكشف بسهولة عن أسرار الأسلحة الأمريكية المتطورة التى استولت عليها طالبان.
(بل أكثر من ذلك نجحت القاهرة فيما فشلت فيه واشنطن وأجلت رعاياها من أفغانستان على طائرة عسكرية ظاهرة وفى هدوء وبكفاءة واحتراف دون خدش مواطن واحد).
لم تنتظر طالبان رحيل آخر جندى أمريكى وسارعت بعقد صفقات مقايضة بينها وبين الصين وروسيا على الأسلحة الأمريكية حتى تستطيع الدولتان الحصول على خبايا صناعتها مقابل كميات من المواد الغذائية والدوائية تجنبا للمجاعة والأوبئة فى فترة تعطلت فيها كل مرافق الحياة وبدا أن السخط الشعبى يمكن أن يعيق تمكنها من السيطرة على العاصمة فى وقت لا تزال كثير من الأقاليم خاضعة لخصومها من أمراء الحرب.
لكن روسيا تسعى جاهدة إلى فرض أسلحتها على القوى المتصارعة فى أفغانستان بما فيها تنظيمى القاعدة وداعش.
إن روسيا تدرك جيدا أن السيطرة السياسية على دولة ما تبدأ بالسيطرة على أسلحة جيشها وأجهزتها الأمنية.
تحرر الدول وامتلاك قرارها وإرادتها يبدأ بتعدد مصادر أسلحتها.
لقد انتقلت مصر من التحالف مع موسكو إلى التحالف مع واشنطن بانتقالها من السلاح السوفيتى إلى السلاح الأمريكى.
لكن ذلك الانتقال فرض قيودا سياسية على مصر لم يستطع السادات ومبارك كسرها.
على أن السيسى بجرأة تنسب وتحسب إليه نقل «تنوع السلاح» من شعار دعائى إلى واقع حقيقى وتراجعت النسبة الأمريكية فى حجم التسليح المصرى سنة بعد أخرى لتزيد معها نسبة التحرر الوطنى فى الوقت نفسه حتى أن مصر لم تعبأ بالانتقادات الأمريكية وأجبرت إدارتها على التعامل بندية معها بل عاد من جديد السؤال الذى طرحه جريجورى أفانديليا عام ٢٠١٧ فى دراسة أعدها لكلية الحرب الأمريكية: لم لا تعود مصر إلى قيادة العالم العربى؟.
وأفانديليا محلل استراتيجى خدم فى الكونجرس والاستخبارات المركزية ودوائر حكومية أخرى ٣٤ سنة وفى تلك الدراسة اعتبر مصر قادرة بتسامحها الدينى على التوفيق بين الدول الإسلامية المنقسمة بين سنة وشيعة كما أنها بخبرتها فى التنظيمات السنية المتطرفة يمكنها التعاون المثمر فى القضاء على داعش وأخواتها.
ولسعيها إلى تكوين جيش قوى أشعرت الدول العربية الأخرى بالأمان.
وبعد حيثيات سياسية مقنعة يتجه أفانديليا إلى الإدارة العليا فى بلاده طالبا منها الاعتراف بقدرة مصر على قيادة المنطقة قبل دعمها ومساندتها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.