عائشة نصار تكتب: طالبان تظهر «العين الحمراء» لداعش وتغازل القاعدة
مسؤول أمن بن لادن.. أول طيور القاعدة العائدة لأفغانستان
ذبيح الله يهدد بمجابهة تنظيم داعش بعد خروج القوات الأجنبية
هل عادت أفغانستان إلى نقطة الصفر بعد ٢٠ عامًا من حرب الولايات المتحدة الأمريكية على الإرهاب، وأصبحت على أعتاب صراع دموى داخلى مجددًا بسيطرة طالبان على الحكم؟.
السؤال المؤرِق، أصبح الآن فى مقدمة المخاوف والتحليلات الغربية والإقليمية المعنية بالشأن الأفغانى فى ضوء إحداثيات المعادلة الأفغانية الجديدة والمفاجئة.
فجاء التقرير الرسمى الأخير لوزارة الدفاع الأمريكية بشأن الأوضاع الحالية فى أفغانستان مؤكدًا: «نحن الآن فى فترة على قدر خاص من الخطورة».. «التهديد لا يزال حقيقياً ونشطاً، ومحددًا فى كثير من الأحيان»، وذلك بحسب الناطق باسم «البنتاجون» جون كيربى، تزامنًا مع التطورات «الإرهابية» الأخيرة فى العاصمة كابول.
وأعقبت تصريحات كيربى أسبوع ساخن، تسارعت فيه وتيرة الهجمات من قبل تنظيم داعش أفغانستان «ولاية خراسان» بمحيط مطار حامد كارازاى الدولى بالعاصمة كابول، وأسقطت عددا كبيرا من المصابين والضحايا.
بصمة داعش
على الرغم من تقارير استخباراتية دولية عدة، حذرت من هجمات متوقعة لتنظيم داعش «خراسان»، تستهدف مطار كابول الدولى بما يضم من حشد من القوات العسكرية الغربية، والأفغان المتعاونين معها، استعدادًا للرحيل، نجح داعش فى تنفيذ هجومه الموجع، الخميس الماضى، واستطاع انتحارى اختراق السياج الأمنى بمحيط المطار وأسقط مالايقل عن ١٧٠ قتيلًا و ١٣ جنديًا أمريكيًا.
بهذا الهجوم سعى تنظيم داعش لإثبات نفسه كرقم مهم فى المعادلة المستقبلية لأفغانستان، بعد عودة طالبان للحكم، وقلب الطاولة على الجميع، وحاول تحقيق عدة أهداف.
أولها ضرب ادعاء طالبان بأن لها السيادة المطلقة على أفغانستان فى مقتل، وإجهاض محاولاتها لإقناع الأفغان والمجتمع الدولى بأنها قادرة على السيطرة على الوضع الأمنى، وتقويض الإرهاب داخل الأراضى الأفغانية، وبالتالى عرقلة التقارب بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.
استمات داعش بضربته أيضًا لتحقيق هدف آخر لايقل أهمية وهو إظهار نفسه بوصفه الفصيل الإسلامى «الجهادى» الأول والأوحد فى أفغانستان، المناهض للغرب وواشنطن، فى مقابل طالبان، التى استقبل التنظيم وصولها للسلطة، بالهجوم واتهامات الكفر والخيانة والعمالة للولايات المتحدة الأمريكية، فى إصداراته الإعلامية.
إلى جانب ذلك سعى التنظيم للانتقام من قوات الناتو، والولايات المتحدة الأمريكية، وإبراز رحيلهم عن أفغانستان، بوصفه خروج «مذل» يحمل «بصمة داعش»، بإسقاط قتلى وجرحى من العسكريين الأمريكيين.
كما استغل داعش التغطية الإعلامية الدولية للمشهد فى مطار كابول، فى تحويله إلى هدف مثالى، يسعى التنظيم بالهجوم عليه لإثبات أن التنظيم لايزال موجودًا، وقادرًا على توجيه الضربات، حتى بعد زوال خلافته فى سوريا والعراق، وبالتالى خلق الذعر والفزع فى صفوف كابول والمنطقة والعالم.
ويطرح نفسه أيضًا كبديل جاهز لضم المتشددين المنشقين عن طالبان والمعارضين لقبولها التفاوض والتقارب مع أمريكا.
وهو الوضع الذى ينذر بصدام بين الطرفين، ويهدد بخطر اشتعال الوضع فى أفغانستان، ودخولها فى دوامة من الصراع المسلح مجددًا.
طالبان وعقدة السيادة المطلقة
لكن الخسارة الأمريكية الفادحة بعملية مطار كابول والتى شكلت وصمة لإدارة بايدن، كان لابد من رد أمريكى عليها، يحفظ ماء وجه واشنطن.
وفى هذا الشأن ذهبت بعض التحليلات أن هذا الرد العسكرى لن يأتى بالطبع على هوى طالبان، لأنه سيمس صورتها كحاكم مطلق لأفغانستان، استطاع إنهاء الوجود الأمريكى بعد ٢٠ عامًا كاملة، ويتمتع بالسيادة المطلقة دون ثمة نفوذ خارجى.
وبالفعل ردت الولايات المتحدة الأمريكية، السبت، على عملية مطار كابول، بضربة جوية بطائرة دون طيار فى إقليم ننجهار بأفغانستان، أدت إلى مقتل هدفين وصفهما «البنتاجون» بـ«البارزين» فى تنظيم داعش- خراسان وإصابة آخر، فيما أكد الرئيس الأمريكى جو بايدن بأنها «لن تكون الضربة الأخيرة.. سنواصل تعقب أى شخص متورط فى هذا الهجوم الشنيع ونجعله يدفع الثمن».
وهو الإجراء الذى ردت عليه حركة طالبان بالإدانة السريعة، عبر متحدثها الرسمى بلال كريمى قائلًا: «مثل هذه الضربات الجوية تزعج الشعب الأفغانى، وكان ينبغى على الولايات المتحدة أن تخبرنا بذلك من قبل».
ثم جاءت الأحداث بعد ذلك مصدقة لتحذيرات الرئيس الأمريكى بأن الوضع على الأرض شديد الخطورة، وأن خطر وقوع هجمات إرهابية على المطار لايزال مرتفعًا، مؤكدًا: «أبلغنى قادتنا أنه من المحتمل جدًا وقوع هجوم خلال الـ ٢٤-٣٦ ساعة المقبلة».
فنجحت القوات الأمريكية الأحد فى تدمير سيارة مفخخة استهدفت «تهديد وشيك» للمطار، فيما توالت تصريحات طالبان المنددة عبر متحدثها الرسمى الأبرز ذبيح الله مجاهد «لا يملكون إذناً لشن مثل هذه العمليات.. يجب احترام استقلالنا، وهى تصريحات تصب فى كل الأحوال فى صالح الدعاية الداخلية لصالح الحركة، ضد الاتهامات التى تطول سمعتها بالعمالة لواشنطن، خاصة مع التسريبات الأخيرة بشأن اللقاء السرى بين الملا برادر نائب زعيم حركة، ومدير الاستخبارات الأمريكية السابق وليام بيرنز.
وصلت الأمور بعد ذلك إلى حد التصعيد فصرح مسئول أمريكى، صباح الإثنين، بأن أنظمة دفاعية اعترضت ما يصل إلى خمسة صواريخ «كاتيوشا» أطلقت باتجاه مطار كابول وهو الهجوم الذى أكدته الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكى، و تبناه تنظيم داعش، عبر حساب موقع «ناشر نيوز» التابع له، على تطبيق تليجرام.
ولكن يبقى السؤال الأهم بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية إجلاء آخر عسكرى أمريكى من الأراضى الأفغانية.. كيف سيدير قادة طالبان علاقاتها مع التنظيمات الإرهابية، دوليًا ومحليًا، سواء مع جماعات حليفة تاريخيًا، كالقاعدة، أو من هى على موقف الخصومة والعداء مثل داعش؟
عودة طيور القاعدة المهاجرة
فى أول موقف معلن لها تجاه داعش خراسان بعد توليها السلطة، صرح المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد «نأمل أن يتخلى الأفغان الواقعون تحت تأثير تنظيم داعش عن عملياتهم عندما يرون قيام حكومة إسلامية فى غياب أى قوى أجنبية»، محذرًا أنهم «إذا أثاروا حالة حرب وواصلوا عملياتهم، فإن الحكومة الإسلامية ستتولى أمرهم»، وذلك علمًا بأن قوام تنظيم داعش خراسان يتجاوز ٢٠٠٠ مقاتل بحسب آخر تقدير للبنتاجون.
وفى ظل تصريح مثير للجدل لحركة طالبان، على لسان مجاهد أيضًا، بعدم وجود أدلة على وقوف أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة وراء هجمات ١١ سبتمبر، وأيضًا فى ظل القلق من تزايد نفوذ تنظيم القاعدة تحت عباءة الحركة مجددًا، تناقلت حسابات منسوية لتنظيم القاعدة على مواقع التواصل الإجتماعى نبأ عودة محمد أمين الحق القيادى بتنظيم القاعدة، إلى مسقط رأسه فى ولاية ننجرهار جنوب شرقى أفغانستان، وسط حراسة أمنية مشددة.
وكان محمد أمين الحق مسئول أمن زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن خلال فترة تواجد الأخير فى منطقة جبال تورا بورا شرق أفغانستان، واعتقلته باكستان عام ٢٠٠٨ ثم أطلقت سراحه عام ٢٠١١ لعدم كفاية الأدلة.
يأتى هذا فى الوقت الذى تتصاعد فيه المخاوف الدولية من تحول أفغانستان فى ظل حكم طالبان إلى ساحة خلفية للعناصر الإرهابية بالمنطقة، خاصة القادمة من سوريا والعراق وليبيا وأيضًا.