مى سمير تكتب: ٤٠ سنة إيدز.. وصمة علــــــى جبين الإنسانية

مقالات الرأي



رفض المستشفيات لاستقبال مصابى كورونا من مرضى الإيدز يدفع المراكز والعيادات الخاصة لتجهيز غرف عزل لهم مقابل مبالغ مالية كبيرة

 مريض إيدز مخالط ترفض المستشفيات إجراء المسحة له.. وممرض يعرض عليه إجراءها بمركز متخصص مقابل ٥ آلاف جنيه والعزل بغرفة مقابل ٢٥٠٠ جنيه فى الليلة

أما الإيدز فهو المرحلة المتأخرة من الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب الذى يحدث عندما يتضرر جهاز المناعة فى الجسم بشدة بسبب الفيروس الذى ينشط ويهاجم جهاز المناعة، وهنا يصاب الإنسان بالإيدز أى متلازمة النقص المناعى المكتسب، ولا يصاب معظم الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب بمرض الإيدز لأن تناول الدواء المضاد للفيروس يوقف تطور المرض، غير أن المجتمع الطبى والسياسيين والمنظمات الداعمة حققت تقدما مذهلا فى مكافحة هذا الفيروس الذى يعانى المصابون به بوصمة عار شديدة. ما هى قصة هذا الفيروس؟ وكيف تطور تعامل العالم مع هذا القاتل الغامض على مدار أربعين عاما؟.

صدمة الثمانينيات

فى بداية الثمانينيات، بدأت تظهر أنماط تشخيصية جديدة وغير عادية فى أجزاء مختلفة من العالم، بدأ سرطان حميد غير ضار إلى حد ما يسمى «ساركوما كابوزى»، وهو شائع بين كبار السن، فى الظهور كسلالة خبيثة فى المرضى الأصغر سنا، وفى الوقت نفسه، بدأ شكل نادر وعدوانى من الالتهاب الرئوى فى الظهور بوتيرة مقلقة فى مجموعة أخرى من المرضى، تطور هذا الالتهاب الرئوى أحيانا إلى حالة مزمنة، وهو أمر لم يسبق للأخصائيين رؤيته.

وبحلول عام ١٩٨١، بدأ العلماء فى الربط بين هذه التشخيصات الجديدة وعدد آخر من الأعراض الخطيرة، وبنهاية العام تم توثيق أول حالة إصابة بمرض متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، وفى هذه المرحلة، لم يكن هناك خط مباشر يربط بين هذه الأمراض المعدية والإيدز. استغرق الأمر من الباحثين عدة سنوات لتأسيس الاتصال بشكل كامل. كان القلق الأولى للمجتمع الطبى هو العدوى، حيث يبدو أن هذه الفيروسات الغامضة تنتشر بسرعة وتبدأ بمجرد أعراض قليلة، فى المرحلة الأولى من مواجهة هذا المجهول الجديد، لاحظ العلماء أن الرجال المثليين هم الأكثر عرضة لتشخيص الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرى، كما تم اعتبار متعاطى المخدرات الذين يستخدمون الإبر كمجموعة من المرضى المعرضين للخطر، وفى العام التالى، اقترح العلماء أن فيروس نقص المناعة البشرية إما ينتقل عن طريق الاتصال الجنسى أو عن طريق الدم بـ«الإبر الملوثة».

تحديد المتلازمة الجديدة

اتسمت الأشهر والسنوات الأولى من أبحاث فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز بتغير سريع، لم يكن العلماء يصارعون مرضا جديدا وغير مفهوم فحسب، بل كان الفيروس نفسه يظهر خصائص جديدة ومتغيرة، كما تم تحديد المصابين بالهيموفيليا، الذين يتلقون عمليات نقل الدم بشكل روتينى، على أنهم مجموعة مرضى معرضين للخطر، كما أسفر تفشى الإيدز فى هايتى عن مزيد من الارتباك فى العالم . عززت الحالات الجديدة لانتقال العدوى بين الجنسين النظريات المبكرة التى تقول إن فيروس نقص المناعة البشرية ينتقل عن طريق الاتصال الجنسى، ومع ذلك، تم توثيق نقل الفيروس من الأم الحامل إلى طفلها الجنين.

واشتعل خلاف كبير بين المجتمع الطبى حول كيفية الإشارة إلى هذه المتلازمة الجديدة، خلال عام ١٩٨٢، كان هناك ما يقرب من ٥٠٠ حالة موثقة فى ٢٣ ولاية أمريكية، ظهرت جميعها خلال عام واحد، وشهدت دول أخرى فى جميع أنحاء العالم حالات تفشى مماثلة، وبدأت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية فى إلقاء نظرة على النطاق الحقيقى لهذا المرض الجديد.

وفى أواخر عام ١٩٨٣، دفع الوجود العالمى للفيروس الغامض السلطات الأوروبية ومنظمة الصحة العالمية لتصنيف العدد المتزايد من التشخيصات على أنها وباء، بالإضافة إلى تفشى المرض فى الولايات المتحدة، تم توثيق مرضى يعانون من أعراض مماثلة فى ١٥ دولة أوروبية و ٧ دول فى أمريكا اللاتينية وكندا وزائير وهايتى وأستراليا واليابان. كان من دواعى القلق بشكل خاص تفشى المرض فى وسط إفريقيا بين المرضى من جنسين مختلفين، وفى الولايات المتحدة، اقترب معدل الوفيات من ١٠٠٪.

عقدت أول اجتماعات دولية سنوية حول الإيدز فى عام ١٩٨٥، وفى نهاية العام التالى، قامت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) بإدارة تجربة إكلينيكية لعقار Azidothymidine AZT، وهو أول عقار أثبت فعاليته ضد الفيروس الذى ينتشر بسرعة، وهو فى الأصل دواء للعلاج الكيميائى، عمل AZT بشكل جيد أثناء تجربته لدرجة أن إدارة الغذاء والدواء أوقفت التجربة على أساس أنه سيكون من غير الأخلاقى حرمان هؤلاء المرضى الذين تلقوا دواء وهميا من الدواء الفعلى.

تطور التسعينيات

بحلول عام ١٩٩٣، تم تأكيد أكثر من ٢.٥ مليون حالة إصابة بفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز فى جميع أنحاء العالم، وبعدها بعامين كان الإيدز السبب الرئيسى للوفاة بين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهما ما بين ٢٥ و ٤٤ عاما، وفى أماكن أخرى، كانت حالات الإيدز الجديدة تتراكم فى روسيا وأوكرانيا وأجزاء أخرى من أوروبا الشرقية. كما أبلغت فيتنام وكمبوديا والصين عن زيادات مطردة فى عدد الحالات. قدرت الأمم المتحدة أنه فى عام ١٩٩٦ وحده، تم تسجيل ٣ ملايين إصابة جديدة فى المرضى الذين تقل أعمارهم عن ٢٥ عاما، وفى غضون ذلك، كان علماء الأبحاث يكتسبون مزيدا من الخبرة والمعرفة فى كيفية التعامل مع الفيروس.

وبعد ذلك، دخلت عقاقير أخرى فى التجارب، وحققت نجاحا متباينا، أظهر عقار معروف باسم ACTG ٠٧٦ نتائج واعدة بشكل خاص فيما يتعلق بـ«انتقال العدوى» من الأم إلى الرضيع، وتمت الموافقة على عقار يسمى Saquinavir من قبل إدارة الغذاء والدواء فى وقت قياسى، فى حين حقق عقار Viramune نجاحا بدوره، مما أدى إلى توسيع خيارات العلاج للمرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية.

وفى تلك الفترة، لم يكن الاهتمام بالفيروس قاصرا على المجتمع العلمى، كان لرجال السياسة دور فى التصدى للفيروس. على سبيل المثال، دعت إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق كلينتون بقوة إلى التثقيف حول فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز ووجهت المزيد من الموارد الفيدرالية نحو أبحاث الإيدز، وعلى الصعيد الدولى، تم استبدال برنامج منظمة الصحة العالمية لمكافحة الإيدز بالبرنامج العالمى لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعنى بفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز الذى لا يزال موجودا حتى اليوم.

أزمة إفريقية

 بحلول عام ٢٠٠٣، كان فيروس الإيدز منتشرا بشدة فى أجزاء من القارة الإفريقية، أصيب ما يقرب من ٤٠ فى المائة من السكان البالغين فى بوتسوانا بالفيروس، وعانت سوازيلاند من انتشار الفيروس بنفس النسبة تقريبا.

كانت النظرة قاتمة بشكل خاص بالنسبة لأبناء المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، قدرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) أنه بحلول عام ٢٠١٠، سيكون هناك ٤٠ مليون طفل فى الدول الإفريقية النامية قد فقدوا أحد والديهم أو كليهما بسبب الإيدز، كانت أوغندا تمثل استثناء ملحوظا فى إفريقيا. أدت جهود التوعية العامة العدوانية إلى توعية الأوغنديين بممارسة الجنس الآمن واستخدام المخدرات بشكل أكثر أمانا، ونتيجة لذلك، انخفض معدل الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية إلى النصف خلال فترة عشر سنوات. سمح هذا النجاح للدول الإفريقية الأخرى بالعمل من أجل  التغلب على المحرمات المجتمعية التى حالت دون إجراء مناقشات صريحة حول الجنس الآمن.

مشاهير واجهوا المرض

يعد نجم هوليوود فى الخمسينيات والستينيات روك هدسون من أوائل المشاهير الذين أصيبوا بفيروس الإيدز وتوفى مصابا به عام ١٩٨٥، وكان رحيله سببا فى تسليط الضوء على هذا القاتل الغامض. كما أعلن نجم كرة السلة الأمريكى ماجيك جونسون عن إصابته بالفيروس فى عام ١٩٩١، يتناول جونسون مجموعة متنوعة من الأدوية يوميا لمنع فيروس نقص المناعة البشرية من أن يتحول إلى مرض الإيدز.

وارتبط فيروس الإيدز بالمغنى الأسطورى فريدى ميركورى، الذى قدم آخر أغنياته بعنوان «هذه هى أيام حياتنا»، قبل وفاته بمرض الالتهاب الرئوى القصبى الناجم عن الإيدز فى عام ١٩٩١، بعد يوم واحد فقط من اعترافه علنا بإصابته بالمرض، مؤخرا كشف النجم السينمائى تشارلى شين عن إصابته بفيروس نقص المناعة البشرية فى برنامج توداى فى ١٧ نوفمبر ٢٠١٥. اعترف شين باستخدام العديد من العقاقير غير المشروعة على مر السنين، وكذلك الانخراط فى العديد من العلاقات العاطفية مع العديد من المشاهير وغير المشاهير.

إلى أين وصلنا؟

فى الوقت الذى لا يوجد علاج لفيروس نقص المناعة البشرى، إلا أن مجموعة من الأدوية المعروفة باسم مضادات الفيروسات القهقرية تمكن الناس من العيش لمدة أطول وبصحة أفضل عندما يتناولها المرضى دون انقطاع. أصبحت أسعار أدوية أرخص من أى وقت مضى. كان العلاج ناجحا لدرجة أنه فى أجزاء كثيرة من العالم، أصبح فيروس نقص المناعة البشرية مرضا من الممكن التعايش معه ويندرج تحت فئة الأمراض المزمنة.

يبقى الإيدز بمثابة صفحة مؤلمة فى تاريخ البشرى لم يتم طيها بعد. حسب منظمة أطباء بلا حدود وصل عدد الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرى فى نهاية عام ٢٠٢٠ إلى نحو ٣٨ مليون شخص، وغالبيتهم فى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. تقدر منظمة الصحة العالمية أن ٩٧ بالمائة من سكان العالم المصابين بفيروس نقص المناعة يعيشون فى دول منخفضة الدخل حيث العلاجات المضادة للفيروسات نادرة أو غير متوفرة.