ياسر شوقى يكتب: طارق شوقى.. المقاتل هزم الفشل ولم تهزمه التجربة؟

مقالات الرأي

بوابة الفجر



على مدى عقود كان يتم تعيين وزير التربية والتعليم على اعتبار أنه سيكون المسئول الأول عن إدارة «بيزنس التعليم فى مصر».. و»تنهد الدنيا على دماغه إذا لم يراع فى قراراته أصحاب المصالح الذين يدر عليهم العام الدراسى مليارات الجنيهات».. وظل التعليم فى مصر اقتصاداً قائماً بذاته، يأتى وزير ويذهب آخر والمنتج النهائى من سيئ لأسوأ.

مناهج مخصصة لقتل التفكير وذبح الخيال وتقديس الحفظ والتلقين، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب منها، سوى بالحذف وإعادة الفهرسة.

تحويل مؤسسة تعليم حكومية لمؤسسة بيزنس بلا ضمير لن ينجح فى مجتمع يمتلك الحد الأدنى من الوعى بأخطار هذا التحول، يحتاج الأمر فى بدايته وقد أكون مخطئاً إلى أن تنجح قوى الشر فى تخريج جيل «لا يناقش ولا يجادل»، ليكون مسئولاً فى المرحلة التالية عن قيادة سفينة «تقفيل العقول»، ولأن السفينة أبحرت تدريجياً بالتغاضى مثلاً عن الغياب فى المدارس، والاعتداء من وقت لآخر على المعلمين، و»الصهينة» على توقف معلمين عن الشرح فى الفصول، والترويج للدروس الخصوصية، فقد فوجئنا فى وقت من الأوقات قد يكون منذ ٢٠ عاماً على سؤال يؤنب ضمائرنا ونرى إجاباته يومياً فى شكل تدن أخلاقى فى الشارع ووسائل المواصلات، وفى طرق وأساليب البناء والتشييد، وفى أى عمل تقنى يتولاه الخريج المصرى: كيف أصبح تعليمنا على هذا الحال، أين بدأت المشكلة ومتى؟ ما هو الحل؟ وفى لحظة ما أدركنا أننا جميعاً مسئولون وأفراد ضحايا للغفلة، وأننا نواجه عجلة بيزنس تدور على استمرار تلك الغفلة، ولم يعد أحد يجرؤ على إيقاظنا، فمن يتحدث عن تغيير المناهج يتم اتهامه فوراً بالجهل وإن تمادى فإن الهجوم عليه قد يصل إلى حد اتهامه بالكفر والإلحاد.

وكانت منظومة التعليم التى استمرت فى ترسيخ الجمود الفكرى على مدى عقود هى السبب الأول والرئيسى فى تحول أى إصلاح فى مصر إلى مسارات دائرية لا يشعر بنتائجها سوى المحيطين بالمسئول، فهى عظيمة إذا كان على وفاق معهم، وهى إهدار للموارد وغير فعالة ومضيعة للوقت إذا حاول القيام بإصلاح حقيقى ينظر بعين فاحصة لمنظومة العمل ككل فى بلد أدمنت الاستقرار الذى كان يعنى «الدعم» والقليل من العمل، القليل من المال، الكثير من الشكوى، مقابل ألا يسعى أحد أو يحاول الإفلات من عدم التفكير أو السعى نحو التطوير.

ولك أن تتخيل أو بالأدق تتذكر كم المشكلات والأزمات التى واجهت مسئولين أذنبوا وقرروا تشغيل دماغهم فى محاولة لتحقيق الأفضل، والمصيبة أن يتم تغييره فى أول تعديل وزارى، وكأن الرسالة التى توجه للجميع هى: «تشتغل كتير تغلط» أو «ليرى الجميع نتائج تشغيل الدماغ».. وبقصد أو بدون كانت تسهم التعديلات الوزارية فى دعم وتعزيز استقرار المنظومة التعليمية فى القاع.

أصبح التعليم حفظاً وتلقيناً وليس محاولة للفهم تمهيداً لضخ أفراد جدد قادرين على الخلق والإبداع فى شرايين المجتمع، وأصبحت جملة الكاتب الكبير الراحل لينين الرملى فى فيلم الإرهابى «لا تناقش ولا تجادل يا أخ على»، دليلا حيا على ما وصل إليه حال التعليم فى مصر.

استقرت منظومة التعليم على ذلك، موطناً لمليارات الجنيهات يضخها الأهالى والدولة سنوياً دون عائد، أو دون إضافة ملموسة على مستوى حياة ونمط تفكير الفرد والمجتمع، وليس سراً أن مصر كانت من الدول التى استقرت فى قاع قياسات مستويات التعليم على مستوى العالم.. يحدث ذلك فى حين استمر وزراء التربية والتعليم المتتاليون يضعون الاستراتيجيات والخطط بعد اجتماعات ومناقشات مستفيضة مع المسئولين عن العملية التعليمية والعالقين بالمنظومة، من تعمل مصالحهم بالتوازى مع بدء العام الدراسى سنوياً.. معلمو الدروس الخصوصية يجهزون قاعات «السناتر» للعام الدراسى الجديد فور نهاية امتحان العام الدراسى، وأصحاب المكتبات يرصدون الميزانيات لشراء كميات جديدة من الكتب الخارجية التى يتم تدريسها كبديل للكتب الدراسية الحكومية «المكلكعة»، وأولياء الأمور يدفعون ويدفعون ويلهثون وراء تحصيل أبنائهم أعلى «المجاميع»، ليحصد أبناؤهم فى النهاية شهادة عدم صلاحية لسوق العمل، أو العمل فى أى وظيفة بأى مستوى دخل تحت عنوان خادع «القناعة كنز لا يفنى».

يحدث ذلك فى حين استمرت سوق العمل تحكمها قوانين العرض والطلب، سوق تبيع وتشترى آخر وأحدث الاختراعات العلمية الوافدة من كل بلاد الدنيا التى شهد أبناؤها تعليماً حقيقياً..

ورغم ذلك لم تتزحزح «مافيا التعليم» عن مطالبها خطوة واحدة، والتى تتلخص جمعيها فى حتمية بقاء الحال على ما هو عليه، وهو ما ينطبق على معلمى وحيتان الدروس الخصوصية الذين تدربوا على مدى سنوات كيف يدفعون الطالب على تحصيل أعلى الدرجات فقط لا غير، ولا عزاء لأولياء الأمور الذين استمعوا على مدى سنوات طويلة عن خطط إصلاح المنظومة والاستراتيجيات الجديدة التى ستعمل حتماً على تقليل النفقات وتعظيم المردود من العملية التعليمية.

وفى نوفمبر ٢٠١٦ صرح الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى الحالى، عندما كان عضواً بالمجلس التخصصى برئاسة الجمهورية، خلال مؤتمر «الحوار المجتمعى لإصلاح منظومة التعليم»، بأن «المنظومة التعليمية الحالية تستنزف الطلاب وعقولهم» وأن «ما يحدث نزيف للأطفال، إحنا إللى خلقنا البعبع، وإحنا إللى خلقنا الدروس الخصوصية، ونسينا أن التعليم متعة، هدفه بناء الشخصية المصرية.. وطالب بوضع نظام تعليمى يحقق طموح الدولة والشعب، واختيار القيادات بشكل دقيق.. وأضاف: «الطرق وقناة السويس شىء مهم، ولكن التعليم هو الأهم «، مشيراً إلى أن الدولة بحاجة إلى خطة طموحة لإحداث نهضة تعليمية لحل المشكلات المركبة.

وفى ١٤ فبراير ٢٠١٧ تم تعيينه وزيراً للتعليم فى التعديل الوزارى الذى أجرته حكومة المهندس شريف إسماعيل.. ليعلن مرة أخرى أن التعليم بحاجة لحلول غير تقليدية تشمل المناهج، والمعلم، والمدارس، قائلا: أنا ابن التعليم الحكومى، وكان التعليم المصرى رائعا، وخلال ٣٠ سنة تغير وتكبلت الدولة بمشكلات عديدة، منها اقتصادية، وغيرها».

وحسب تصريحاته أيضاً فإن مصر دولة خلاقة، كانت تضيف للآخرين، ولا بد من استرجاع هذه القوى.. هناك تعليم بوسائل قديمة داخل منظومة كبيرة فيها ملايين الطلبة، ونلهث حتى تظل هذه المنظومة قائمة.

والدكتور طارق جلال شوقى، ولد فى ١٢ يونيو ١٩٥٧، وحصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة القاهرة ١٩٧٩، ثم على درجة الماجستير فى الهندسة عام ١٩٨٣ من جامعة براون الأمريكية، وعلى درجة الماجستير فى الرياضيات التطبيقية عام ١٩٨٥، ثم الدكتوراه فى الهندسة عام ١٩٨٥.

وعمل باحثًا بقسم الميكا نيكا بمعهد ماساشوستش للتكنولوجيا (١٩٨٥ – ١٩٨٦)، ثم تدرج فى المسار الأكاديميى بقسم الميكانيكا النظرية والتطبيقية بجامعة إلينوى الأمريكية (١٩٨٦ – ١٩٩٨)، وحاز الجائزة الرئاسية الأمريكية للتفوق البحثى عام ١٩٨٩، والتحق بمنظمة اليونيسكو عام ١٩٩٩ حتى سبتمبر ٢٠١٢، وبالمنظمة الأممية قاد تنفيذ العديد من المشروعات حول العالم فى مجال تطبيقات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات فى التعليم والعلوم والثقافة (٢٠٠٥- ٢٠٠٨)، حتى تبوأ منصب مدير مكتب اليونسكو الإقليمى فى الدول العربية (٢٠٠٨ – ٢٠١٢)، وعمل عميدًا لكلية العلوم والهندسة الميكانيكية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة منذ عام ٢٠١٢ وحتى ٢٠١٧.

وسبق أن شغل منصب مستشار اليونيسكو الإقليمى للاتصالات والمعلومات فى الدول العربية فى الفترة من (١٩٩٩ إلى ٢٠٠٥).. وتولى أيضاً منصب أمين عام المجالس التخصصية التابعة لرئاسة الجمهورية منذ تأسيسها فى ٢٠١٥ .

وقال خلال جلسة عامة بمجلس النواب بعد توليه حقيبة التعليم ، إن وزارته بدأت فى برنامج جديد للنهوض بالتعليم ككل، وقال أيضاً: «إحنا بنفوّر نظام التعليم كله» .. «نظام التعليم بايظ» والحديث عن أنه غير صالح ليس جديدًا وغير مفيد، وأنه لابد من نظام تعليمى جديد يبدأ مع الأطفال منذ الصغر، وأنه لابد من تحديد مهارات الطالب المصرى فى مراحل التعليم المختلفة، وتكررت تصريحاته بأنه لابد أن يكون الطالب قادراً على التعليم، ويمتلك أدوات التعلم، ويتمكن من الفهم والتحليل والنقد والاستيعاب، وإيجاد الحلول، والعمل الجماعى، واتخاذ القرارات المناسبة.. «نريد أشخاصاً قادرين على التفكير والابتكار، بعيداً عن أساليب الحفظ والتلقين، مع استغلال وسائل التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات العلمية الحديثة».

فهل نجح طارق شوقى فى مهمته أم هزمته التجربة؟

كان من المنتظر أن يتم تقييم دقيق يشارك فيه المجتمع لما بدأه الدكتور طارق شوقى فى ٢٠١٧، لكن التقييم أصبح ضبابا أو سرابا مع ضربات جائحة كورونا لمصر والعالم، فكان المطلوب خلال آخر عامين هو استمرار التعليم بأى شكل، أونلاين فى المنازل لو أمكن، أو عن طريق بنك المعرفة أو قناة مدرستنا الفضائية، وهى وسائل حديثة أطلقتها وزارة التربية والتعليم ضمن وسائل أخرى مثل «التابلت» لتنفيذ تجربة «فرمتة التعليم القديم بالكامل».. أو عن طريق الحضور للمدارس مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية الواقية من الإصابة بالفيروس المميت.

كانت تصريحات الدكتور طارق شوقى، مع تخريج الدفعة الجديدة من الثانوية العامة، والتى هى أول دفعات النظام التعليمى الجديد كالتالى: «٦٥٪ مجموع كويس فى نتيجة الثانوية العامة الجديدة».. «كلية الهندسة ممكن تاخد أعلى من ٨٠ أو ٨٥٪».. «دفعة السنة الحالية من الثانوية العامة «تاريخية».. وقال قبل ظهور نتيجة الثانوية العامة «ستشهد نتيجة الثانوية العامة هذا العام عودة «لمجاميع» زمان التى تعبر عن مستوى الطالب بدقة.

فهل أصبح التعليم فى عهد الوزير المتفائل جداً «متعة»، هل نجحت التجربة، هلى توقف لهاث أولياء الأمور على تحصيل أبنائهم أعلى «المجاميع» لإلحاقهم بكليات القمة التى كان الالتحاق بها يتطلب نجاحاً بنسبة ٩٩.٩٪، وهو مجموع يعد معجزة مصرية فريدة بكل المقاييس، وبتكلفة اجتماعية وسلوكية باهظة؟