د. رشا سمير تكتب: فوضى الشارع أم فوضى الأخلاق؟!

مقالات الرأي




ما يدفعنى دائما إلى كتابة المقالات هو المشهد الذى أراه أحيانا مرتبكا ودائما ملتبسا..

هكذا دفعنى خبر على مواقع التواصل الاجتماعى لا أعلم مدى صحته إلى البحث عن القلم والتنقيب عن أصل المشكلة.. الخبر يقول أنه سيتم إلغاء فكرة (السايس) الذى يتعامل مع المواطن من وجهة نظر الإتاوة والجباية، وهو الذى إذا قررت وتشجعت وتحركت بسيارتك دون أن تُعطيه نقودًا، تذمر وتلفظ عليك وربما جرى خلف السيارة يخبط عليها بقبضة يده لإرهابك!..

الحقيقة أنها فكرة رائعة ليتها بالفعل تُطبق، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعى أضافت بصمتها المعتادة على الخبر فى محاولة لإحداث بلبلة، بأن كل شخص لن يصبح باستطاعته ركن سيارته تحت بيته إلا بدفع مقابل مادى شهرى!.. وانقلبت الدنيا..

الحقيقة ليس لدى أى شك فى نوايا المسئولين لجعل الشارع مكانًا آمنًا وتوفير أفضل خدمة ممكنة للمواطن حتى لو كان الحل أن يدفع ويدفع ويدفع...

لكن الأكيد أن هناك فوضى عارمة فى الشوارع سببها المواطن نفسه!..

فعلى سبيل المثال وليس الحصر، الشوارع التى تم توسيعها وإجبار المواطنين على ركن سياراتهم صفًا واحدًا موازيًا للرصيف جعل من محاولة ركن السيارة وكأنها المهمة المستحيلة لتوم كروز!.

كل بناية بها على الأقل خمسون سيارة وأمامها أماكن لانتظار ثلاث سيارات أو أربع على الأكثر، مما جعل أصحاب الجراجات وحراس العمارات يتحولون إلى تُجار، يؤجرون مساحات فى جراجات خاصة بأسعار تبدأ من خمسمائة جنيه إلى ألف جنيه فى الشهر! (ولو جدع تلاقى مكان ويرضى عنك السايس ويغسل لك عربيتك مرة فى الشهر)!.

من هنا اتجه تفكير المواطن إلى البحث عن سكن داخل الكومباوندات السكنية التى أصبحت أكثر من التعداد السكانى لدولة الهند!..ولكن الأسعار عرقلت الأحلام..فسعر الشقة فى الكومباوندات وصل إلى ملايين الجنيهات (يعنى نار الشارع ولا متر الكومباوند)!.

المأساة الأكبر والأخطر فى نظرى وهو ما يجب أن تتبناه الدولة بيد من حديد، هو فوضى الأخلاق..أخلاق البلطجة التى أصبحت تسود كل شىء..

ففى الشوارع التى تم توسيعها بإزالة الحدائق منها، الكافيهات والمحلات مازالت موجودة وهو ما جعل كل صاحب محل يضع (حجر أو قرطاس) تحت الرصيف أمامه، وكأنه امتلك الشارع والجدع يركن!..

نفس الشىء ينطبق على الشباب الذين يمتلكون كافيهات متحركة فى سيارات قديمة يقومون بعمل القهوة بها، مما جعلها مركزًا لتجمع الشباب والسيارات التى تقف ليحتسى أصحابها القهوة، سهرات شبابية وخناقات وبلطجة لا أول لها من آخر..كل هذا فى ظل ونش المرور الذى يجوب الشوارع ليل نهار محدثا ضجة بلا سبب واقعى اللهم إلا التقاط قاطنى العمارات الغلابة الذين يبحثون عن فرصة لركن السيارة والصعود إلى منازلهم وإجبارهم على الدفع.. وإذا لا قدر الله أبلغت الضابط أو الأمين عن بلطجة أصحاب المحال وسيارات القهوة يرد عليك بكل هدوء:

«للأسف، هذا من اختصاص الحى يا فندم»

أما إذا لا قدر الله أيضا قررت أن تتصل بالحى على الأرقام المُعلنة فسوف يرد عليك كنتاكى فرع أفغانستان أسرع من السويتش!.

هذا هو خلاصة الموضوع..الكل استباح الشارع والبلطجى عادة هو الرابح، الدولة فى النهاية لا تُخضع بالقانون إلا الغلابة والملتزمين..أما البلطجى فصوته أعلى والدليل أن أصحاب الكافيهات المخالفة التى يتم الإبلاغ عنها وإغلاقها، يقومون بفتحها بعد ساعات (بالمحبة)!.

منذ أيام سألت صاحب مشتل زهور اتخذ من الرصيف مرتعا فوضع شجيرات تحت الرصيف ليمنع السكان من ركن سياراتهم، سألته ببراءة شديدة فى محاولة لاستعطافه:

«وأين يركن أصحاب الشقق»؟

رد بكل بساطة: «يركنوا فى داهية!».

نعم يا سادة..من آمن العقاب أساء الأدب.

الأزمة الحقيقية فى مصر هى أزمة أخلاق، أزمة تطبيق القانون على المحترمين..أزمة أيدى مرتعشة، فى حين أن رئيس الدولة يتفقد الشارع بنفسه وهذا تفضلا منه لأن ما يثقل كاهله أكبر بكثير من الشارع.

أين إذن المسئولون عن تنظيم الشارع وتطبيق القانون؟

وليكن تطبيق القانون من باب التغيير على المُخالف وليس على المُسالم لربما انصلح الحال!.