عبدالحفيظ سعد يكتب: فئران تجارب

مقالات الرأي




يشاء القدر أن عمرى يماثل الأزمة الأفغانية منذ أن تفجرت مع بداية الحرب السوفيتية على البلد ذى الأغلبية المسلمة فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى، جيوش عظمى تخوض الحرب فى بلد وعر وقاس لا صوت فيها يعلو عن الدماء..

أربعون عامًا أو أكثر والحديث لا ينقطع عن الحرب والموت أو الإرهاب، تفكك الاتحاد السوفيتى وانسحب الروس منها، لكن الحرب لم تنته أمراء ونجوم الحرب ضد السوفيت استمروا فى المعارك، تحت راية نصرة الدين فى قتال داخلى عنيف بين الأخوة الأعداء.

لم ينتصر أحد بعد دحر السوفيت، جاءت طالبان فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى، وسيطرت على البلد، فرضت نموذجها للإسلام، بزى النساء الغريب ولحى تقارب الصدر، لكن لم يعبأ أحد بكل ما حدث للشعب الأفغانى، إلا عندما تصدر خبر هدم الحركة المتطرفة تماثيل بوذا والمسجلة تراثًا حضاريًا وأثريًا، وبدء الحديث مرة أخرى عما يحدث فى أفغانستان.

يمر العمر بى واقترب من إنهاء التعليم الجامعى مع نهاية الألفية، تضرب أمريكا أفغانستان بصواريخ من سفنها بعد الهجوم الذى حدث على سفارتى فى كينيا ونيروبى، وهو الهجوم الذى اتهم بتدبيره تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى، بعد إعلانهم عن تنظيم القاعدة (الجبهة الإسلامية لمحاربة اليهود والصليبيين)، ومنذ هذه اللحظة بدأ الجميع يدرك أن أمريكا فى حالة عداء من حكم طالبان وتنظيم القاعدة.

العداء بين أمريكا والغرب، لم يكن مشتعلا، بل كل فترة صواريخ أمريكية تضرب فى أفغانستان. واستمر الحال هكذا حتى استيقظت أمريكا على ضرب برجى التجارة العالمى ومبنى البنتاجون، جن جنون أمريكا بقيادة رئيسها جورج بوش الابن، ووجه جيوشه الجرارة نحو أفغانستان ونظامها الطالبانى لاتهامه بإيواء قادة تنظيم القاعدة بقيادة بن لادن والظواهرى.. أيام قليلة من الحرب وتحت الهجوم الأمريكى العنيف والمدعوم بحلفائها من مختلف الكرة الأرضية، سقط حكم طالبان.

الحرب لم تنته، واستمرت القوات الأمريكية والناتو فى أفغانستان لسنوات، وبدء اصطياد عناصر طالبان والقاعدة واحدًا تلو الآخر بداية من الملا عمر وصولا لاصطياد أسامة بن لادن فى مشهد تليفزيونى كان يحضره الرئيس الأمريكى باراك أوباما بنفسه فى غرفة العمليات.

لكن الحرب لم تنته وقبل ذلك التاريخ فى عام ٢٠٠٨ ظهرت حركة «طالبان الباكستانية» والتى كانت تختلف عن طالبان باكستان ولكنها تحمل نفس الاسم والأفكار وكانت تختبئ فى جيل قندهار.

استمروا فى القتال عبر استخدام برنامج التسليح الأمريكى فيما يعرف الطائرة بدون طيار لاصطياد مقاتلى طالبان الباكستانية الهاربين فى جبال قندهار. وتردد اتهامات وقتها لإدارة أوباما أن سمحت للحركة بالظهور والتمدد من أجل تجريب برنامج «طائرة بدون طيار» ومدى إمكانية اصطياد الأهداف المتحركة (فئران تجارب).

ومع تصاعد تنظيم داعش الإرهابى وإعلان دولته فى سوريا والعراق، خفت الحديث عن طالبان وأفغانستان، وبعد أن تم القضاء على التنظيم على الأرض فى سوريا والعراق تردد أنه سينتقل لأفغانستان.

لكن فوجئ الجميع أن حركة طالبان لم تنته وبحلول عام ٢٠١٩، ظهرت طالبان مرة أخرى على السطح لكن ليس فى جبال قندهار ولكن فى العاصمة القطرية الدوحة بالقرب من أكبر قاعدة أمريكية فى الشرق الأوسط ، ليكتشف الجميع أن طالبان مازالت حية ولم تمت بل يوجد لها مكتب تمثيل فى قطر، بل إن هذا المكتب وعبر ممثليه كان يقود مفاوضات مع الإدارة الأمريكية لبحث إمكانية عودة الحركة للعمل مرة أخرى، لتملأ الفراغ بعد انسحاب قوات الأمريكية والناتو من أفغانستان!

وبالفعل فى فبراير الماضى أعلن عن اتفاق بين المبعوث الأمريكى لأفغانستان وممثلى الحركة فى الدوحة، بعد شهور قليلة تتحرك قوات طالبان، وتسيطر مرة أخرى على العاصمة كابول.

ليعود الحديث مرة أخرى على الإرهاب والتطرف فى أفغانستان، ويتوقع أن تصرف مليارات أخرى على الحرب، لتضاف إلى التريليونات التى صرفتها أمريكا وحلفاؤها ومن قبلهم السوفيت وداعمو الجهاد فى أفغانستان ليستمر المسلسل الحزين من الحرب والدمار والإرهاب، لتظل أفغانستان كما هى فى فقر وتخلف وتطرف بينما تصرف المليارات على الحرب والسلاح فقط أو تجارب لأسلحة حديثة كـ«فئران تجارب»، لا أتخيل شعور أفغانى عاقل فى مثل عمرى عاش مأساة بلد على مدار أكثر من أربعة عقود بما يشعر.. ربنا ينجى الشعب الأفغانى.