«الزنا الحكمى» فى الكنيسة.. حكايات الموصومات التائبات على أعتاب بيوت الله

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


فيفيان وكريستينا تواجهان فشل الزواج بسبب ملف «الخطيئة»

ورقة صغيرة يمكن أن تحول حياة بعض النساء لكابوس مؤلم يدمر حياتهن، كورقة الطلاق التى تمثل شهادة وفاة لبعضهن تمنعهن من الحياة بشكل طبيعى مرة أخرى، فما بالك إذا كان هذا الطلاق لأسباب تتعلق بالشرف؟، هنا تصبح المرأة موصومة للأبد تلاحقها وصمة مجتمعية مثبتة بورقة رسمية مدون عليها عبارة «مطلقة لعلة الزنا» أو «الزنا الحكمى» فى ملفها بالكنيسة بالمجلس الإكليريكى.

ورغم قبول الكنيسة توبتهن والسماح لهن مرة أخرى بالزواج بعد إعطائهن تصريحا بذلك، تظل هذه نقطة سوداء فى ملفهن ولعنة تطاردهن ليتحول تصريح الزواج معها لمجرد حبر على ورق، ويصبح الطلاق لعلة الزنا الحكمى نهاية الحياة لنساء موصمات مجتمعيا للأبد فى نظر المجتمع الذى يرفض أى توبة ولا يعترف سوى بالأوراق التى تظل مرفقة بملفها ولا يسمح لها حتى بالحصول عليها، وعلى من يرغب فى الزواج منها الاطلاع على هذا الملف بالمجلس الإكليريكى ليذهب بلا عودة. كما أن صعوبة التغلب على رفض المجتمع لأن يتقبل المرأة المطلقة لعلة الزنا والتى قد تكون مجنى عليها فى بعض الحالات، جعل كثيرات منهن يفكرن فى الزواج المدنى والسفر خارج البلاد لممارسة الحياة بشكل طبيعى بعد فشل كل المحاولات، من بين هذه الحالات «فيفيان» التى قضت تسع سنوات بعد اتهام زوجها لها بمراسلة آخر عبر تطبيق «الواتس آب» وخيانتها له بمحادثات جنسية وتقديم هذه المحادثات إلى المحكمة وحدوث الطلاق لعلة الزنا الحكمى، وعلى الرغم من حصولها على تصريح بالزواج من المحكمة بعد سنة وإعلان توبتها ومتابعة كاهن لها للتأكد من رجوعها عن هذا الطريق والتزامها بالصلوات، إلا أن تصريح الزواج منذ عام ٢٠١١ تحول لحبر على ورق بعد طلاقها فى القضية رقم ٥٨٤٧ بمحكمة زنانيرى.

لم تستطع «ففيان» الزواج لمدة تسع سنوات، رغم تصريح الزواج المرفق فى ملفها بالكنيسة، فعقب تعرفها على أحد الأشخاص وإبداء رغبته فى الزواج منها طلب رؤية الملف الخاص بها فى الكنيسة وتصاريح الزواج حتى يتمكنا من الزواج مرة أخرى، إلا أنه اختفى تماماً بعد معرفته بأن سبب الانفصال الزنا الحكمى، وفشلت الزيجة وتكرر الأمر لأكثر من ثلاث مرات، ليصبح حلمها فى بداية حياة جديدة شبه مستحيل، على الرغم أن زوجها تمكن من الزواج بعد حصوله على تصريح بالزواج بعد ٦ أشهر، مشيرة إلى أنه ليس أمامها سوى السفر للخارج للزواج مدنياً، وهو الأمر الذى تعتبره الكنيسة زنا أيضاً خاصة أنها لا تعترف بالزواج المدنى، أو أن يحالفها الحظ وتعثر على رجل يقدر ظروفها وهو شبه مستحيل فى مجتمع شرقى وصمها طيلة عمرها ولم يقبل توبتها رغم أن الأمر لم يزد عن كونه محادثات هاتفية على السوشيال ميديا فقط إلا أن حياتها انتهت.

 ورقة أخرى حصلت عليها «كريستينا» بالتصريح بالزواج منذ عام ٢٠٠٥ ولم تستطع الزواج حتى الآن بعد انفصالها عن زوجها لعلة الزنا الحكمى عقب ضبطها وآخر يقبلها فى سيارته فانتهز الزوج الفرصة وحرر لها محضرا بالزنا الحكمى استطاع من خلاله الانفصال عنها.

روت «كريستينا» البالغة من العمر ٤٠ عاما، أنها ظلت تتحمل خيانة زوجها المتكررة لمدة ١٥ عاما، وكان الطلاق مستحيلاً لأنها لم تستطع إثبات خيانته لتحصل على حريتها بعيداً عنه، فما كان منها إلا أن تذيقه من نفس الكأس، خاصة أن زوجها الذى يعمل بالمحاماة ليس لديه وقت ليقضيه معها، ويقضى وقته فقط وسط خياناته فأصبحت هى الأخرى تتردد على الملهى الليلى لتقتل الفراغ الذى خلفه لها الزوج الخائن، وأثناء غيابها عن الوعى «سكرها» إحدى المرات، ضبطها زوجها مع آخر تعرفت عليه بالملهى الليلى وهو يقبلها، وحرر محضرا ضدها وطلقها بعد ذلك، وعلى الرغم من حصولها على تصريح بعد عام من الكنيسة بالزواج بعد عدولها عن هذا الطريق وتأكد الكاهن الخاص بمتابعة ملفها من ذلك، إلا أنها فشلت فى الزواج مرة أخرى بسبب هذه الوصمة التى ظلت تلاحقها طيلة حياتها، لتقرر بعدها التفرغ لنجلتها التى تبلغ من العمر١٠ سنوات، وتعايشت مع فكرة أن التصريح الذى حاربت للحصول عليه من الكنيسة بالزواج مجرد حبر على ورق.

صدمة كبرى تعرض لها «ريمون» والذى اكتشف أن زوجته حامل بالشهر الثالث رغم غيابه عنها لمدة سنة، فما كان منه سوى رفع قضية زنا وإنكار نسب على زوجته التى خانته فى غيابه، وبالفعل تمكن من الحصول على حكم بالطلاق لعلة الزنا رقم ٤٣٥٨ من محكمة مصر الجديدة، مشيرًا إلى أن طليقته حصلت بعدها بعامين على تصريح الكنيسة بالزواج ولكنها لم تتمكن من ذلك رغم مرور ثلاث سنوات خاصة أن الأمر كان بمثابة فضيحة اضطرت بعدها للإجهاض وأصبح الأمر متداولًا فى المنطقة التى كانت تقطن بها، ولتتجاوز الفضيحة ووصمة المجتمع لها سافرت للخارج وتزوجت مدنياً بعد فشلها فى الزواج مرة أخرى. 

 الأمر اختلف تماما مع «ليان» التى بحسب قولها لفق لها زوجها محادثات فى غفلة منها، فلم تكن تتوقع أن يستغل الزوج معرفته بـ «باسوورد « الحساب الشخصى لها على «الفيسبوك» ومحادثة رجال، ثم التقط صورا منها «سكرين شوت» مدعيا خيانتها له، ولم يكتف الزوج بذلك بل نشر صورا خاصة جدا لها على صفحة مشبوهة ليثبت أنها زانية ويتخلص منها، خاصة أن الطلاق مستحيل وتغيير الملة مكلف جدا ليقع الطلاق وتدفع هى الثمن بسبب ادعاءات ملفقة لها.

«ليان» حصلت على تصريح بالزواج بعد عام ونصف من الطلاق إلا أنها تعيش وسط تقاليد صعيدية وأصبحت موصومة بهذه الواقعة ويرفض كل شخص يتقدم للزواج منها استكمال الزيجة بعد معرفته ملابسات هذه الواقعة الملفقة كما تقول لتدفع هى الثمن وحدها بعد أن نجح الزوج فى الزواج من أخرى كانت تربطه علاقة بها ولم يجد سوى هذه الطريقة ليتخلص منها ويتزوج بأخرى.

  فى هذا السياق أكد نبيل غبريال، المحامى المتخصص فى قضايا الأحوال الشخصية، أن الزوجة المتهمة فى واقعة زنا أو زنا حكمى تستطيع الحصول على تصريح بالزواج بعد عام أو أكثر، أما بالنسبة للطرف المظلوم فيحصل على تصريح الزواج بشكل أسرع لا يتعدى ٦ أشهر وذلك لمنع الوقوع فى الخطايا، مشيراً إلى أنه على الرغم من حصول الزوجة على تصريح زواج إلا أن الواقع العملى يرفضه مجتمعياً.

وكشف «غبريال» أن حالات الزنا الحكمى تتلخص فى محادثة جنسية بالتليفون أو عبر مواقع التواصل الاجتماعى، أو ضبط الزوجة مع رجل غريب بالشارع على سبيل المثال وتوثيق الواقعة، لافتاً أن أغرب وقائع الزنا التى مرت عليه كانت لزوجة لديها علاقات بنساء ورجال وهو الأمر الذى أثبته الزوج وطلقها لعلة الزنا.

 وأوضح أن ادعاء البعض الظلم فى هذه الوقائع أمر لا يصدق، خاصة أن المحادثات التى يتقدم بها الزوج ليثبت خيانة زوجته يتم التحقق منها عن طريق الجهات المختصة مثل مباحث الإنترنت وغيرها، وبالتالى تكون موثقة وليست ادعاءات كما تدعى بعض الزوجات، ويتم إدراج هذه الأحكام فى ملفها بالكنيسة واطلاع كل من يرغب فى الزواج منها عليه وتورطها مجتمعياً فى أمر لا يقبله المجتمع الشرقى ونادراً ما يتقبله رجل، وبالتالى تفشل فى استكمال حياتها بشكل طبيعى فتلجأ للسفر للخارج والزواج مدنياً الذى لا تعترف الكنيسة به  أو الوقوع فى الخطيئة مرة أخرى وقد تتقبل بعضهن الحياة بدون زواج والتفرغ لتربية أبنائها.

ومن جانبه قال هانى عزت، مؤسس رابطة منكوبى الأحوال الشخصية إن الطلاق كان لا يتم سوى لعلة الزنا حتى صدور لائحة مارس ٢٠١٦  التى سمحت للأزواج بالانفصال لعلة الزنا وما فى حكمه مثل الإدمان، الشذوذ الجنسى، استحالة الحياة بين الزوجين واستحكام النفور بينهما أو تغيب الزوج لفترة طويلة.

وأشار «عزت» إلى أن هناك حالات معينة لا يسمح فيها بتداول تصريح الزواج فى يد الطرفين ويظل التصريح متواجد بالملف الخاص بكل طرف فى المجلس الإكليركى، حيث إنه فى حالة الرغبة فى الزواج يستدعى الشخص الآخر ليطلع على الملف ويطلع عليه بنفسه خاصة فى حالات الزنا والزنا الحكمى والإدمان بعدها يقرر الشخص الاستمرار فى العلاقة من عدمه.

وأضاف أنه فى حالتي الزنا والزنا الحكمى يكون هناك شبه استحالة مجتمعيا للزواج بالنسبة للمرأة مرة أخرى خاصة بعد اطلاع الطرف الآخر على الملف المذكور فيه سبب الطلاق لعلة الزنا، وهنا تتحكم النزعة الشرقية التى ترفض الارتباط بزوجة متهمة بزنا حكمى وبالتالى يكون تصريح الزواج معها مجرد حبر على ورق، منوها أن احتمالية أن تكون الزوجة مظلومة بالنسبة للزنا الحكمى ضعيف خاصة أن الأمر يتم التأكد منه قانونيا وبحكم محكمة ولا يقبل النقاش.

وكشف مؤسس رابطة منكوبى الأحوال الشخصية، أن الكنيسة تسمح للزوجة الزانية بالزواج بعد مدة تتراوح ما بين ٦ أشهر إلى سنة بعد توبتها ويكون تحت إشراف كاهن يتابع ذلك بنفسه ويتأكد من توبتها ثم يعطيها تصريحا بالزواج ضمن ملفها ويكون من حق الشخص الراغب فى الزواج منها الإطلاع عليه من خلال الكنيسة إلا أن الأمر مجتمعياً يصبح مرفوضا.