"الجفري" بحوار للفجر: الفوضى السياسية استثمرت الأميّة الدينية

أخبار مصر

بوابة الفجر


المرأة مضطهدة باسم الدين وباسم العلمنة
المواجهة المسلحة للجماعات الإرهابية واجب تقوم به قوات الجيش والشرطة

أكد الداعية اليمني الحبيب علي الجفري أن الأميّة الدينية تجعل صاحبها عرضة لأن يختطف بسهولة لأنه يجهل دلالات النصوص ومنهجية استنباط الأحكام الشرعية، كما يجهل مقاصد الشريعة وغاياتها وترتيب أولوياتها.

وأوضح الجفري، خلال حوار لـ الفجر، أنه ينبغي أولا فهم المقصود في تجديد الخطاب الديني، وطبيعة هذا التجديد؛ فالتجديد ليس مجرد زر نضغط عليه فيحصل المطلوب، التجديد ليس شيئا عرضيا بل عمل معمق، ويحتاج إلى وقت واستمرارية دفع، مشيرا إلى أن البعض تجاوب مع الحديث عن التجديد بطريقة عشوائية، وصار أشبه بعنوان صحفي، وكلمة تتكرر على ألسن الكثيرين دون تأمل لمعناها، وإلى نص الحوار:

كيف تكون المحبة مع من اختلف معي في عقيدتي؟
الأصل في الإنسان نفخة الله سبحانه وتعالى {ونفخت فيه من روحي}، فإذا امتلأ القلب أولًا بحب الله أحب من له صلة به جل جلاله، مفهوم الدعوة للمخالف في الاعتقاد قائم على محبة الخير له، فلا أقول له أنت مخطئ وعليك أن تدخل الإسلام وكأنه قرار آلي، أو كأننا ندعوه لدخول حزب أو منظمة، أساس الدعوة إلى الله هي المحبة، نحن نكره كفر الكافر وليس الكافر، ونكره معصية العاصي وليس العاصي، نكره انحراف المنحرف وليس المنحرف.

أصبح الانتحار موضة بين الشباب، والكثير من الشباب حزين مكتئب ولا قدرة لديه على تقبل ظروف صعبة حوله يعشيها من غلاء وغيره.. بماذا تنصحه؟
نسأل الله أن يعين الشباب فليس الذي يعانونه بالهيّن، والذي ينظر إلى خالق الوجود بمحبة سيبني أحلامه في الوجود على هذا الأساس، وعليه ستكون معاملاته مع متغيرات الحياة أو مع ما يقابله مما لم يكن يتوقعه، سيتألم لكن ستكون له رؤية مختلفة غير الانتحار أو اليأس، وسينظر إلى التحديات التي تقابله من زاوية أن هناك فرصاا في طَي التحديات، ولن يستسلم أبدا لأن اعتماده على الله ورجاءه فيه وليس على الظروف المتغيرة ولا فيها، ولا شك أن العصر الذي نعيشه نمر فيه بالعديد من المحبطات، لكن الذي ينغلق مع العصر سيُهزم أمام العصر، والذي يعامل خالق العصر سيكون سببًا في تغييره إلى الأفضل، أعداد كبير من الشباب محيطون بنا وُضعوا في ظروف صعبة، لكنهم كانوا قادرين على تجاوزها آملين من الله الأجر، وإن لنا في الحبيب المصطفى أسوة وسلوة فقد عانى وتعِب، ومهما كابد الشباب قهرًا في أمرٍ ما فصلتهم بالقهار عز وجل تقهر ذلك القهر، ولو مروا بمراحل ضعف سيتجاوزونها.

تدعي جميع الحركات الاسلامية أنها تسير على نهج السلف الصالح ومن يناقضها فهو مبتدع، وتستند إلى دلائل من الشرع لهذا الأمر، كيف يمكن مواجهتها؟
لسنا بصدد مواجهة كل التيارات، لكن إذا وجدنا من يخطئ في مسلكه سيما الذين خرجوا إلى إثارة الفتن، فأول ما نواجههم به قلوب تريد لهم الخير، فالمسألة القلبية أول ما نواجه به الأمر، ثم يكون البيان بالأدلة الشرعية التي تدحض الشبهات التي يحتج بها أهل الفتنة من خلال نسبتها إلى الأدلة الشرعية، والعمل على توعية الناس بالصواب من ذلك، وأما شرف المواجهة المسلحة لمن تسلح منهم فهو واجب تقوم به قوات الجيش والشرطة.

وما نراه من تخريب فكري وصدام بدعوى نصرة الدين، وانسلاخ عن الولاء للوطن كلها أعراض مُؤذية لمرض أعمق ولدينا سنوات من التعامل مع العَرَض مع إهمال المرض، والطبيب الفاشل هو الذي يتعامل مع العَرَض ويترك المرض، الأصل لدينا أن أجيالًا نشأت وهي تعيش تجهيلًا بدينها، فلم تعد المدرسة تعطى القدر الكافي من المعرفة بدين الله، ولا المنبر، ولم تعد الأسرة قادرة على التأسيس لذلك.

وهل الأمية الدينية هي السبب؟
الأميّة الدينية تجعل صاحبها عرضة لأن يختطف بسهولة لأنه يجهل دلالات النصوص ومنهجية استنباط الأحكام الشرعية، كما يجهل مقاصد الشريعة وغاياتها وترتيب أولوياتها، ويجهل الفرق بين الأصل والفرع والمُحْكَم والمتشابه، فإذا أضيف للأمية الدينية الاضطراب النفسي الناشئ عن مشاكل الحياة المعاصرة من معيشة ومعاناة اقتصادية، والشعور بالقهر والظلم، وتخلُّف الأمة وهوانها، ووجود من يعمل على تضخّيم ذلك في النفوس ليوظفه في مشاريع سياسية؛ سيكون الإنسان حينئذ قنبلة موقوته تنتظر من يفجرها عبر التأطير التنظيمي أو التحريض التعبوي الإعلامي، نحن بحاجة إلى العمل الإطفائي وهو البيان بالآيات والأحاديث ومنهج أهل العلم، وإثبات فساد استشهاد أهل الشر بالآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة لأنهم خالفوا المنهج المعتمد في الاستنباط، وأخرجوا الآية من سياقها، لكن هذا العمل "الإطفائي" لا يُغني عن ضرورة محو الأميّة الدينية، ونحتاج في كلا المهمتين إلى جهد وبيان للناس، وللمؤسسات الدينية دور كبير في هذا الأمر ينبغي دعمه من خلال التعاون مع القائمين على التعليم والثقافة وعلماء النفس والاجتماع ورؤية الإعلام البنّاء ومراكز الشباب وقصور الثقافة وبقية المؤسسات المعنية.

الرئيس السيسي تحدث كثيرا عن قضية تجديد الخطاب الديني خاصة في مؤتمر الشباب مؤخرا، هل ترى أن المؤسسات الدينية لم تفهم ما المطلوب حتى الآن وهل هناك عدم رؤية أو عدم وجود استراتيجية تجاه هذه القضية؟ وما التجديد المطلوب من وجهة نظرك؟
ينبغي أولا أن نفهم ما المقصود في تجديد الخطاب الديني، وطبيعة هذا التجديد؛ فالتجديد ليس مجرد زر نضغط عليه فيحصل المطلوب، التجديد ليس شيئا عرضيا بل عمل معمق، ويحتاج إلى وقت واستمرارية دفع، وجيد أن الرئيس يكرر طرح هذا الأمر، فهو واجب الوقت، والبعض تجاوب مع الحديث عن التجديد بطريقة عشوائية، وصار أشبه بعنوان صحفي، وأصبح كلمة تتكرر على ألسن الكثيرين دون تأمل لمعناها، ينبغي التجاوب مع القضية بثقل من يتحدث عنها وهو رئيس الدولة، والمسئول عن الشعب.

ونحن في حاجة إلى التجديد، لأنه مطلب أساسي في حياتنا، وهو فرض كفاية، ولا يقتصر فقط على مجال التطرف والإرهاب، لأن التطرف عَرَض ناتج عن مرض، ومنذ ما يقرب من 12 سنة كان أساس عمل مؤسسة طابة يرتكز على محاولة وضع رؤية لهذا الواجب الشرعي.

فوجدنا أن التجديد يكون عبر ثلاثة مستويات:
الأول: الإطفائيات.. فهناك نار تشتعل وتحرق منطقتنا، وهي نار التطرفين الديني واللاديني وينبغي العمل على خطاب مؤصّل، يعمل عند تفعيله على إطفاء لهيب هذه النار، وليس من ذلك ما نشهده من الانقضاض على الموروث والعمل على هدمه، أو الكلام السخيف الذي نسمعه عن تنقية كتب التراث، لأنه طرح مضحك أكاديميًا، ولايوجد شيء اسمه تنقية الكتب، لا تفضحونا أمام العالم! أحد الأكاديميين في كامبريدج قال لي -وهو مصدوم-: صحيح أن لديكم من يطالب بتنقية الكتب والشطب منها؟!

فالكتاب ملك كاتبه، ولايصح التعدي عليه، نحن بحاجة لتنقية العقول التي تتعامل معها، وتصحيح منهجيات تناول محتواها، ومن ذلك تمييز الفرق بين النص المعصوم من القرآن الكريم وصحيح السنة المطهرة والاجتهادات القابلة للأخذ والرد وفق المتغيرات المعتبرة، والتمييز بين الأصل والفرع والثابت والمتغير والمُحْكَم والمتشابه وأوجه التعامل معها.

المستوى الثاني: وهو أوسع من الذي قبله؛ النظر في الاجتهاد الفقهي فلدينا مسائل استجدت وفق تجدد أنماط الحياة ومستوى التقدم العلمي الذي نعيشه، وذلك يقتضي التفريق بين ما هو اجتهاد لبعض الفقهاء في عصورهم بما يتناسب مع ثقافة تلك العصور وأعرافها، وما هو من الثوابت غير القابلة للتغير.

المستوى الثالث: وهو الأعمق، ولن يكون تجديدٌ حقيقي للخطاب إلا بوجوده وهو تجديد "النموذج المعرفي".

هل نحن بحاجة إلى تطوير نموذجنا المعرفي؟
نحن أحوج ما نكون إلى تطوير نموذجنا المعرفي، فهو منطلق فلسفة نظرتنا للوجود وتعاملنا مع الكون وتناول الأسئلة المستجدة في العصر، والتحديات المترتبة عليها، وذلك وفق مصادر المعرفة المعتمدة لدينا، وهي أوسع من الإطار الضيق الذي تم حصرها من خلاله اليوم في العلوم التجريبية.

والنموذج المعرفي يتصل أيضًا بمنظومة القيم الأخلاقية المتفاعلة مع المستجدات في مرحلة ما بعد الحداثة، وهذا مع بقية مباحث تطوير النموذج المعرفي سيحولنا من مستهلك للفكر إلى منتج مشارك للإنسانية في نتاجها الفكري، وما يترتب عليه من نهضة وتطور.

فالتجديد إذًا ينبغي أن يشمل المستويات الثلاثة: العمل الإطفائي وتصحيح المفاهيم المغلوطة للتطرفين الديني واللاديني، العمل الفقهي وتجديد المباحث الفقهية، الغوص إلى العمق في تجديد النموذج المعرفي.

هل ترى أن المرأة في الشعوب العربية لم تأخذ حقها حتى الآن؟
المرأة مضطهدة باسم الدين تارة وباسم العلمانية تارة أخرى، تضطهد في حقها بوصفها إنسانة مكتملة الحقوق والأهلية، من خلال التدين المغلوط الذي يجعل الرجل ينحرف عن مفهوم القوامة القائم على الرعاية والاهتمام والحماية إلى معنى الامتلاك والانتقاص والتسلط الجائر، في المقابل هناك أيضا أذى للمرأة يحصل بسبب العلمانية اليوم من خلال تحويلها إلى سلعة.

بعض البلدان الأوروبية تعرض الفتاة في لوح زجاجي شبه عارية للاستمتاع الجنسي وكأنها سلعة، وذلك باسم الحرية وهي لو لم تكن محتاجة لظروف دفعتها إلى ذلك لما وقفت هذه الوقفة، وتجدها خاضعة لعصابات الرقيق الأبيض، كما تحولت أيضا إلى وسيلة لترويج البضائع فمن يريد عمل بعض الإعلانات يعرض امرأة شبه عارية بجوار السيارة، ويستخدم جسد المرأة الذي عراه باسم الحرية كوسيلة تسويق، هناك إهانة للمرأة، لا نريد الانتقال من الإهانة باسم الدين إلى الإهانة باسم الحرية.

هل ترى أن هناك عدم سيطرة على المراكز الإسلامية في أمريكا وأوروبا من قبل المؤسسات الدينية، وتتحكم يها التنظيمات المتأسلمة مما يوسع دائرة الإسلاموفوبيا هناك؟
الجماعات المتأسلمة تعمل في أوروبا وأمريكا منذ الخمسينيات، وتعمل بدعم أجهزة غربية، ودعم من بعض المؤسسات التى تستغل النزاعات الداخلية بين الدول العربية، نحن أمام تراكم قارب الـسبعين سنة، قام عليه أجيال، لذلك ينبغي وضع رؤية في التعامل مع مستقبل هوية المسلم في الغرب، المشكلة التي تؤدي إلى الإسلاموفوبيا جزء مما تفعله بعض المراكز من تعليم متطرف، أو توظيف سياسي داخلي، أو تفاعل غير متزن مع ما يجري في منطقتنا.

ولكن رهاب الإسلام "الإسلاموفوبيا" يوجد أيضا من يغذيه من اليمين المتطرف الذي حاول استثماره سياسيا للوصول إلى الحكم وقد حقق نجاحات في ذلك، واليمين المتطرف أحد مفردات قيامه تخويف الشعوب من انتشار الإسلام، وادعاء الخوف على الهوية الأوروبية من الإسلام الدخيل إلى درجة من التطرف المضحك.

فرهاب الإسلام "الإسلاموفوبيا" خليط بين جزء نحن مسئولون عنه يتعلق بسوء التوجيه في الكثير من المراكز الإسلامية من الجنوح إلى التطرف الشديد، وتدني مستوى المعيشة عند أعداد من الجاليات المسلمة، والمعاملة العنصرية، مع الاستغلال السياسي من قبل اليمين المتطرف، فهي خلطة صنعت رهاب الإسلام "الإسلاموفوبيا".

القيم الأخلاقية والانتماء للوطن غائبة عند بعض الشباب؟ بم تنصحهم؟
يوجد في الشباب من يحمل هم الوطن بصدق، ونحن بحاجة إلى تعزيز ذلك، والعقبات تتمثل في الفهم الخاطئ لمعنى الوطنية الذي صُدِّر لبعض الشباب من قبل بعض الإسلاميين على أنها بديل لمفهوم الأمة المسلمة، وتوافق هذا الطرح مع ما يطرحه بعض متطرفي العلمانية، ومفهوم الوطن لا يناقض مفهوم وحدة الأمة المسلمة، بل هو صالح لأن يؤسس له.

وهناك أسباب أخرى تتعلق باختلاف وجهات النظر بين الأجيال، ومدى القدرة على استيعاب الجنوح والطموح، الوطنية كالبذرة التي تغرس وتسقى وتراعي فتثمر، وهو نتاج لعمل مشترك بين مختلف مؤسسات الدولة، وينبغي عدم الوقوف عند الشعارات المجردة، بل الولوج إلى المعنى، ومؤتمرات الشباب الحالية والحوار الحقيقي والاستماع لهم والإنصات الذي نلاحظه هو جزء مهم من معالجة الأمر، فالشباب إن لم تشعر بآلامهم، لن يأتمنوك على آمالهم.

ولكن من أشرت إليهم في السؤال هم جزء من الشباب تُحترَم رؤيته، بينما هناك شرائح أخرى تجاوزت هذا الأمر إلى ساحات بناء الوطن، فبذلوا الفكر والجهد والعرق، ويقوم على حمايتهم إخوة لهم يبذلون الدماء سخية بها نفوسهم مستشرفة إلى شرف الشهادة أرواحهم.