"12 موقف" بين البابا شنودة وبين خليفته تواضروس الثاني

أقباط وكنائس

بوابة الفجر


تتذكر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في شهر مارس من كل عام وتحديدًا منذ عام 2012، ذكرى بابا الأقباط الراحل منذ عدة أعوام شنودة الثالث، والذي خلف وراؤه العديد من الإنجازات والمواقف التي ساهمت في إزدياد شعبيته عالميًا وليس فقط على المستوى الكنسي او المستوى المصري، كما تحتفل الكنيسة في يوليو بذكرى رهبنته وفي 3 اغسطس بشكل سنوي بذكرى مولده.

الاختلاف سنة الحياة، هكذا تعلمنا من القدماء، فالإدارة فكر، والفكر يتكون نتيجة للخلفية التي نشأ فيها الشخص نفسه، والتي تكون انتماءاته واسلوبه، الا ان ذلك لا يغير بشكل من الاشكال من الثوابت المتفق عليها، فمنذ 2000 عام مر على الكنيسة المصرية 118 بطريرك جميعهم اتفقوا على اساسيات الدين المسيحي، والحفاظ على الهوية المصرية المسيحية، وتقديم المحبة للاخر وتنفيذ تعاليم السيد المسيح، لكنهم اختلفوا جميعًا في أسلوب إدارتهم.

البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، نشأ في بيئة إدارية بحته بدأت بتوليه مسؤولية الإشراف في المجال الدوائي، حيث أنه خريج كلية الصيدلة، واستمر بمعاونته للأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الليبية الغربية للأقباط الأرثوذكس، والقائم مقام الباباوي، في إدارة الكنيسة بالبحيرة وتوابعها، لاسيما وان الانبا باخوميوس هو أشهر معلم لعلم الإدارة الكنسية في العصر الحديث، كل ذلك ساهم في تكوين شخصية اختلفت ردود افعالها عن شخصية البابا شنودة الراحل في بعض المواقف جاء على رأسها الآتي:

العظة الأسبوعية
كان البابا شنودة الثالث، حريصًا كل الحرص على أن تقام العظة من داخل كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس الكبرى بالعباسية، ولم يكن يمنعه عنها الا رحلات السفر للخارج، سواء أن كانت رعوية أو كانت علاجية، بعكس البابا تواضروس الثاني، الذي قرر أن تكون العظة الأسبوعية في جميع الكنائس القبطية الأرثوذكسية، مما يعطي إشارة إلى أنه نجح في ضرب "عصفورين بحجر" العصفور الأول هو السماح للرسامين برسم الرسومات في قباب الكنيسة الكبرى بالكاتدرائية والآخر هو افتقاد أكبر قدر ممكن من مناطق وكنائس الأقباط الأرثوذكس، وعلى الرغم من فرحة الأقباط بذلك القرار إلا أن الوجه الأمني عكر صفو فرحتهم فتأمين الكنائس وصغر مساحات بعض الكنائس لايعطي فرصة لعدد كبير من الأقباط ن المشاركة بالحضور لاسيما اقباط الصعيد الذين كانوا ينظمون الرحلات يوم الاربعاء لحضور عظة البابا بشكل مستمر.
 
أسلوب التواصل مع الشعب والردود على اسئلتهم
كان البابا شنودة الثالث يحب منهج الارتجال والاسترسال جدًا، وبناء عليه كان يعتمد في الاجابة على اسئلة الشعب من خلال العظة الأسبوعية له، والتي كانت تنظم يوم الأربعاء من كل أسبوع، حيث خصص الجزء الأول من العظة للإجابة على الأسئلة مما اعطاه فرصة كبيرة لإطلاق النكات التي لا يزال الأقباط يحفظ أغلبها مثل رد فعله عندما قال له أحد الأقباط الوافدين من صعيد مصر "يا سيدنا جداستك جاموس" اي "قداستكم قاموسًا"، فما كان منه الا ان اجابة "الرك على العجول اللي بتفهم" اي "العقول التي تدرك"، كما تم تجميع تلك الأسئلة وإجابتها وططباعتها في سلسلة كتيبات حملة عنوان "سنين مع اسئلة الشعب".

إلا أن البابا تواضروس الثاني، كنت له نظرة أخرى تمامًا فالغى فقرة الأسئلة من العظة فقط لكنه لم يلغيها ككل، بل طلب من الشعب ارسال اسئلتهم عبر الصفحة الرسمية للمتحدث الرسمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وهو القس بولس حليم، راعي كنيسة الشهيد ماجرجس للأقباط الأرثوذكس بمنطقة القللي بالقاهرة، وقام بعمل برنامج يُذاع عبر قنوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الثلاثة، تحت عنوان "البابا واسئلة الشعب"، يجمع فيها البطريرك حلقات عن الاسئلة التي تخص مواضيع تهمالشعب بقوة على رأسها قضية الأحوال الشخصية ولاقت تلك الحلقات التليفزيونية نسبة مشاهدة عالية جدًا.
 
الهواية الشخصية
اغلب المصريين يعرفون جيدًا أن البابا شنودة الثالث، اتقن فن الشعر منذ أن كان في المرحلة المقابلة لمرحلة الثانوية العامة، حيث درس البحور والأوزان والتفاعيل، مما اعطاه مساحة لإلقاء بعض الأبيات في كل مناسبة يشارك بها سواء أن كانت وطنية أو مجتمعية أو كنسية، ولا عحب في الأمر فالبابا شنودة الثالث أو نظير جيد وهو الاسم العلماني له تخرج من قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول، ولكن البطريرك الحالي والذي تخرج من كلية الصيدلة برع في فن التعامل مع الأطفال وتجلى الأمر بوضوح في معاونته للأنبا موسى أسقف الشباب الأقباط الأرثوذكس، في لجنة الطفولة بأسقفية الشباب،  وذلك حين كان اسقفًا عامًا وقبل توليه السدة البطريركية.
 
الدائرة المحيطة بالبابا.. الرجال المقربون
الدائرة المحيطة بالبابا، تتكون من رجال السكرتارية وهم الاقرب دائمًا للبطريرك، لاسيما وأنهم يرافقونه، بشكل يومي تقريبًا، فتكونت الدائرة المحيطة بالبابا شنودة الثالث، من الأنبا يؤانس والذي كان متوليًا مسؤولية تدبير أسقفية الخدمات حينها، والذي جلسه البابا تواضروس الثاني، على ‘إيبارشية أسيوط خلفًا للأنبا ميخائيل شي مطارنة مصر الراحل، وأيضًا الأنبا إرميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، والمشرف على قناة مار مرقس، والأنبا بطرس الأسقف العام، والمشرف على قناة أغابي ودير مار يوحنا بمنطقة بطمس، بينما كان متوليًا سكرتارية المجمع المقدس الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفر الشيخ الراحل والمشرف على دير القديسة دميانة للرهبات القبطيات الأرثوذكس سابقا،  بينما سيطر على المشهد في عهد البابا الحالي اسماء مختلفة تماما.

 
العلاقة مع الرئيس
لم تكن علاقة البابا شنودة الثالث بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، علاقة سيئة وكذلك لم تكن ممتازة، فكثيرًا ما كان البابا شنودة يذهب للاعتكاف في دير الأنبا بيشوي للرهبان الأقباط الأرثوذكس، للتعبير عن غضبه من عدة قرارات او مواقف كان يتعرض لها الأقباط في عهده، مثل حادث نجع حمادي وكنيسة القديسين بالإسكندرية ودير ابو فانا وكنيسة العمرانية والكشح والزاوية الحمراء، الا انه لم يكن مؤججًاللفتن الطائفية فعلى الرغم من رفضه للرد هاتفيًا على الرئيس في عدة مواقف الا انه كان يخرج مناديًا بالتسامح ومحبةالاخر .
بينما علاقة البابا الحالي بالرئيس عبد الفتاح السيسي، على قدر عالي جدًا من التفاهم، حيث دعم البابا الرئيس المصري في ثورة 30 يونيو، والتي أطاحت بجماعة الإخوان المسلمين من كرسي الحكم، وكما ساهم في نشر صورة ايجابية في كافة بلاد الغرب مثل النمسا والفاتيكان والنرويج وارمينيا والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وغيرها من الدول، كما قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة الكاتدرائية عدة مرات الأمر الذي لم يحدث طيلة عهد الرئيس الأسبق مبارك.
 
موقفهم من الثورات
لم يكن موقف البابا شنودة الثالث، داعمًا لثورة 25يناير، والتي أطاحت بالحزب الوطني الديموقراطي من كرسي الحكم، كحال عدد كبير من كبار السن في تلك الفترة، بينما كان للبابا تواضروس موقفًا معلنًا من ثورة 30 يونيو حيث أكد في أكثر من مرة أن ثورة 30 يونيو ثورة شعبية خالصة.
 
وحدة الكنائس
حرص البابا تواضروس الثاني على زيادة كافة الفاعليات التي توحد بين الكنائس المصرية على الاقل على النحو المجتمعي، حيث أسس مجلس كنائس مصر الذي كان اول من تولى منصب الأمين العام به القس الدكتور بيشوي حلمي، راعي كنيسة الأنبا أنطونيوس للأقباط الأرثوذكس بشبرا مصر، ووكيل الكلية الإكليريكية بالقاهرة،  على عكس البابا شنودة الثالث والذي فضل أن تكون العلاقة بالكنئس الأخرى في محبة وود وتفاهم، ولكن لم تكن هناك فاعليات كثيرة تجمعهم.
 
انتخاب واختيار بابا الكنيسة
كان البابا تواضروس الثاني، أكثر مرونة من البابا شنودة الثالث، في عدة أمور كنسية، أولها لائحة انتخاب البابا الذي رفض البابا شنودة تعديلها حيث أكد مصدر  كنسي لـ"الفجر" أن البابا شنودة كان له تصريح شهير قال خلاله: "مش هخلي شوية عيال ينتخبوا البطريرك.. البابا اللي يجي بعدي يبقى يعدل اللايحة".. وبالفعل حرص البابا تواضروس الثاني على تعديل لائحة انتخاب البطريرك حيث وسع قاعدة الناخبين عن السابقة ليعطي مساحة اكبر للأقباط الأرثوذكس في اختيار راعيهم.
 
مشاكل الأحوال الشخصية
في ذلك الموقف أيضًا أثبت البابا تواضروس الثاني، أنه أكثر مرونة عن البابا شنودة الذي ظل طيلة الأربعين عامًا، الذي جلس فيها على كرسي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، متمسكًا بعدم وجود اي داعي للانفصال بين الزوجين القبطيين الأرثوذكسيين، إلا علة الزنا المثبتة، وتغيير الدين، حيث عدل البابا تواضروس الثاني، لائحة الأحوال الشخصي، حيث تمت اضافة طرق اثبات الزنا كالزنا الحكمي المتمثل في الرسائل النصية والشات والمكالمات الجنسية المسجلة، واضافة اسباب اخرى تسمح بالانفصال كاشذوذ الجنسي والالحاد والهجر بين الزوجين لمدة 5سنوات متصلة، كما قام البابا تواضروس بتقسيم المجالس المجالية الى 6 مجالس تحكم بين الأقباط وتبت في قاضياهم بدلًا من زيادة الحمل على مجلس واحد رأسه الأنبا بولا أسقف طنكا طيلة 25 عامًا بمفرده.
 
رجال الدين
اولى البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، اهتمامًا خاص برجل الدين، حيث تم  عمل كورسات خاصة برجال الدين فقط، وكذلك كورسات خاصة بزوجاتهم، الأمر الذي لم يكن في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من قبل، حيث كن يشترط فقط في عهد البابا الراحل شنودة الثالث أن كون الكاهن كامل الأهلية ومشهود له بحسن السيرة وحاصل على مؤهل عالي ويحبذ ان يكون حاصلا على درجة البكالريوس في العلوم الدينية، وان يكون متزوجًا.
 
التكنولوجيا
التعامل مع التكنولوجيا كان مشهدًا جديدًا على بابا الكنيسة، رأه المصريون في عهد البابا حالي تواضروس الثاني، الذي استخدم جهاز التابلت في القاء عظته الأسبوعية، وايضًا في الرد على رسائل ابناؤه من خلال برنامج "الفايبر" الخاص بالأجهزة التي تعمل بنظام الأندرويد فقط، بينما لم يكن ذلك المشهد مألوفًا في عصر البابا الراحل شنودة الثالث، والذي لم يكن معروفًا عنه مالإلمام بوسائل التكنولوجيا العصرية.
 
المهجر
مع تقدم البابا شنودة الثالث  في السن، لم يعد يحتمل السفر المتواصل مثل بوادر عهده، فأصبح يوكل الأساقفة للاهتمام بالرعايا الاقباط الأرثوذكس بالخارج، كالانبا كيرلس اسقف ميلانو والانبا مايكل اسقف فيرجينيا والانبا سيرابيون مطران لوس انجلوس والانبا دانييل اسقف سيدني وغيرهم، وكان يتابع من خلال التقارير، الا ان البابا تواضروس اولى اهتماما خاصًا بالمهجر حيث سافر الى عدة دول ودشن عدة كنائس وعمد الأطفال والقى العظات فيما يقرب من 12 دولة أوروبية وعربية.