الدكتور عيد رشاد عبدالقادر يكتب: ثورة يوليو والعلاقة بالمنظمات الاقتصادية الدولية.. أزمة تمويل السد العالي

مقالات الرأي

بوابة الفجر


لم تكن العلاقة بين الرئيس جمال عبد الناصر والغرب على ما يرام، بل كانت الخلافات تزداد بينهما يوماً بعد يوم خاصة بعد توقيع اتفاقية الجلاء في 16 أكتوبر 1954. 

وقد بدأ التفكير في إنشاء السد العالي نهاية عام 1952 على يد المهندس اليوناني المصري دانينيوس، وفي هذا الجو الملبد بالغيوم بدأ بحث تمويل السد العالي بعد أن أقر الخبراء جدواه الاقتصادية. وكان مقدراً للسد أن يتكلف 200 مليون جنيه، وكان لابد من تمويل هذا السد من الخارج.

بدأت المفاوضات للتمويل مبشرة بالخير، فوجد عبد الناصر تشجيعاً من الولايات المتحدة والبنك الدولي، بل إن بريطانيا عرضت أن تساهم بـ 5 مليون جنيه بشرط الموافقة على القرض الأمريكي. وقد جرت المحادثات بين الحكومة الامريكية ومندوب الحكومة البريطانية ومندوب البنك الدولي في ديسمبر 1955، وفي نهايتها وضعت اقتراحات من البنك الدولي في صورة جواب أرسله إلى عبد الناصر، تضمن أن البنك مستعد أن يشترك في تمويل السد العالي، وقد تضمن العرض الشروط التالية:

1- أن تركز مصر برنامجها التنموي على السد العالي بتحويل ثلث دخلها القومي ولمدة عشر سنوات لهذا المشروع مع فرض رقابة على المشروعات الاقتصادية الأخرى.

2- وضع ضوابط على الانفاق الحكومي والاتفاقيات والقروض الأجنبية وألا تقبل مصر قروضاً أخرى إلا بعد موافقة البنك الدولي.

3- الاحتفاظ بحق إعادة النظر في سياسة التمويل في حالات الضرورة.

وقد حضر إلى مصر يوجين بلاك رئيس البنك الدولي آنذاك في فبراير 1956 وبدأت المفاوضات معه، وقد أوضح له الرئيس عبد الناصر أن مصر احتلت بسبب القروض والفوائد وأننا لدينا عقدة من القروض ولا نستطيع أن ننسى، وهذا التاريخ عالق في ذهننا ولا يمكن أن نقبل أي مادة تمس سيادتنا، خاصة وان تقرير البنك الدولي حول الاقتصاد المصري يشير أن الاقتصاد المصري سليم ويستطيع أن يتحمل نصيبه من نفقات المشروع.

وفي 20 يوليو 1956 أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من تمويل مشروع السد العالي، وتلاها في اليوم التالي انسحاب بريطانيا أيضاً ثم البنك الدولي في اليوم الثالث، وتم تعليل ذلك بأن نفقات انشاء السد كبيرة وتقدر بحوالي 1300 مليون دولار وان اتمامه سوف يستغرق ما بين 12 – 16 سنة ثم تحدثوا عن حقوق دول أخرى في مياه النيل مثل السودان وإثيوبيا. 

وقد علم عبد الناصر برفض الولايات المتحدة وهو في المطار قادما من يوغسلافيا بصحبة الرئيس نهرو.

ومن ثم جاء قرار ناصر بتأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956 ردا على رفض الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي تمويل السد العالي، حيث كان دخل القناة حينها 60 مليون جنيه ونصيب مصر منها مليون جنيه فقط، ومن ثم قال ناصر أننا نستطيع أن نأخذ منهم 59 مليون جنيه كانت تذهب للشركة الإنجليزية الفرنسية. 

وقد جاء العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر 1956 رداً على قرارا التأميم.

ومن هنا فإننا نستطيع القول أن الفترة الناصرية كانت عدائية مع الغرب، ومن ثم لم تكن هناك علاقة قوية بالمنظمات الاقتصادية الدولية كالبنك الدول وصندوق النقد الدولي وغيرها، نظراً لأنه كان يتم النظر آنذاك لهذه المنظمات على أنها أداة من أدوات الاستعمار الجديد وهو الاستعمار الاقتصادي. 

المراجع
1) هدى جمال عبد الناصر (2015) ، 60 عاماً على ثورة يوليو: جمال عبد الناصر: الأوراق الخاصة، الجزء الثالث. القاهرة: الهيئة العامة المصرية للكتاب.
٢) سامي شرف (2014) ، سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر: شهادة سامي شرف، الكتاب الأول. القاهرة: المكتب المصري الحديث.

دكتور عيد رشاد عبد القادر – مدرس الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس
ورئيس شعبة الدراسات الاقتصادية بمركز بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية