نائب رئيس مجلس الدولة: سلطة مجلس الأمن للتسوية السلمية للسد الإثيوبي ليست مطلقة أو مانعة
استكمالا لدراسته عن "مسئولية الأمم المتحدة وحقوق مصر التاريخية فى مياه نهر النيل وعداون إثيوبيا على قواعد الأنهار"، أجرى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة بحثا مستجدًا عن "معايير مجلس الأمن فى الحل السلمى للسد الإثيوبى ونظرية المصالح المتضاربة"، ونعرض للجزء الأول عن سلطة مجلس الأمن للتسوية السلمية للسد الإثيوبى وفقًا للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة ليست مطلقة أو مانعة بل ملزم باحترام نصوص الميثاق، وأن مصر لجأت لمجلس الأمن لممارسة دوره فى حفظ السلم والأمن الدوليين فى منطقة الشرق الأوسط، وذلك على النحو التالى:
أولًا: مصر لجأت لمجلس الأمن لممارسة دوره فى حفظ السلم والأمن الدوليين فى منطقة الشرق الأوسط
إن تسوية النزاعات الدولية بالوسائل السلمية من الأهداف الرئيسية التي يرمى إليها ميثاق الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى أفضل الشروط المؤدية إلى السلام وإنهاء الصراع قبل أن يصل إلى حد التوتر أو التصدع أو الشقاق فقد نصت المادة (2) من الميثاق على أن "يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر".
كما تضمنت المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة فى فقرتها الأولى أنه على أطراف أى نزاع من شأن استمراره أن يعرض السلم والأمن الدولى للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذى بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التى يقع عليها اختيارها.وتضمن فى فقرتها الثانية أن يدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من النزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة لذلك.
ولا ريب فى أن لجوء مصر إلى مجلس الأمن بصدد مشكلة السد الإثيوبى هو تأكيد على قناعتها بمبدأ تسوية المنازعات بالوسائل السلمية من ناحية بحسبانه المبدأ الرئيسى اللازم للحياة الدولية، وكذلك لتفعيل دور مجلس الأمن فى حفظ السلم والأمن الدوليين من ناحية أخرى خاصة وأن هذا النزاع بين إثيوبيا ودولتى المصب مصر والسودان يؤدى إلى تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر، ومصر بذلك طبقت نظام الدبلوماسية الوقائية لايجاد حل فى النزاع الإثيوبى السودانى المصرى قبل نشوب أى خطر محتمل يستدعى الدفاع الشرعى عن حق الحياة للشعبين المصرى والسودانى على المستوى الدولى.
ثانيًا: سلطة مجلس الأمن فى التسوية السلمية للسد الإثيوبى وفقًا للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة:
سلطة مجلس الأمن فى التسوية السلمية لنزاع السد الإثيوبى وغيره من الأنزعة الدولية النظيرة نظمته أحكام الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة التى جاءت بعنوان "حل المنازعات حلًا سلميًا" إذ تضمنت المادة 33 فقرتها الأولى أنه يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها. كما تضمنت الفقرة الثانية من ذات المادة أن يدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من النزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة ذلك.
وقد منح ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن من تلقاء ذاته حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية ودون أن يطلب منه أحد من الدول فى الحالى التى يكون من شأن استمرار المنازعات فيها تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر وفقا للمادة (34) من ميثاق الأمم المتحدة حيث يكون لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي.وبالتالى فإنه يتوجب على مجلس الأمن البحث والتحرى لأى نزاع أو حتى موقف لا يرقى إلى درجة النزاع حتى يستطيع أن يصل إلى ما إذا كان هذا النزاع أو ذلك الموقف يمكنه التهديد بالإخلال بالسم والأمن الدوليين، بل أنه وفقا للمادة (99) من ذات الميثاق للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تعرض حفظ السلم والأمن الدولى للخطر.
كما أن المادة (35) من ميثاق الأمم المتحدة اباح للدول الأعضاء وغير الأعضاء أيضا القيام بتنبيه مجلس الأمن إذ يكون لكل عضو من الأمم المتحدة أن ينبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع أو موقف من النوع المشار إليه في المادة الرابعة والثلاثين. كما أنه لكل دولة ليست عضوًا في الأمم المتحدة أن تنبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع تكون طرفا فيه إذا كانت تقبل مقدمًا في خصوص هذا النزاع التزامات الحل السلمي المنصوص عليها في هذا الميثاق.
ولمجلس الأمن وفقا للمادة (36) من الميثاق في أية مرحلة من مراحل نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 أو موقف شبيه به أن يوصي بما يراه ملائمًا من الإجراءات وطرق التسوية. كما أوجب على مجلس الأمن أن يراعي ما اتخذه المتنازعون من إجراءات سابقة لحل النزاع القائم بينهم. وعلى مجلس الأمن وهو يقدم توصياته وفقا لهذه المادة أن يراعي أيضًا أن المنازعات القانونية يجب على أطراف النزاع - بصفة عامة - أن يعرضوها على محكمة العدل الدولية وفقًا لأحكام النظام الأساسي لهذه المحكمة.
أما إذا أخفقت الدول التي يقوم بينها نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 في حله بالوسائل المبينة في تلك المادة وجب عليها وفقا للمادة (37) من الميثاق أن تعرضه على مجلس الأمن. وإذا رأى مجلس الأمن أن استمرار هذا النزاع من شأنه في الواقع، أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي قرر ما إذا كان يقوم بعمل وفقًا للمادة (36) أو يوصي بما يراه ملائمًا من شروط حل النزاع.
وعلى النحو المتقدم فإن دور مجلس الأمن وواجبه دعوة الأطراف المتنازعة لحل منازعاتها بالطرق السلمية واخطار الأطراف بنتيجة الوسائل السلمية التى أوصى باتباعها فى هذا الشأن، وقد تضمنت المادة 37 حكمين الأول إذا أخفقت الدول التي يقوم بينها نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 في حله بالوسائل المبينة في تلك المادة وجب عليها أن تعرضه على مجلس الأمن.والثانى إذا رأى مجلس الأمن أن استمرار هذا النزاع من شأنه في الواقع، أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي قرر ما إذا كان يقوم بعمل وفقًا للمادة 36 أو يوصي بما يراه ملائمًا من شروط حل النزاع. ولمجلس الأمن وفقا للمادة (38) - إذا طلب إليه جميع المتنازعين ذلك - أن يقدم إليهم توصياته بقصد حل النزاع حلًا سلميًا، وذلك بدون إخلال بأحكام المواد من 33 إلى 37.
ثالثًا: سلطة مجلس الأمن التقديرية لإيجاد حل لتسوية نزاع السد الإثيوبى بالطرق السلمية ليست مطلقة أو مانعة فهو ملزم باحترام نصوص الميثاق:
إن مجلس الأمن الدولى وإن كان يتمتع بسلطات تقديرية بشأن ايجاد حل لتسوية نزاع السد الإثيوبى بالطرق السلمية لكنها ليست مطلقة أو مانعة فهو ملزم باحترام نصوص ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولى فى مجال الشرعية النهرية الدولية ومبادئ العدالة لا ينفك عنها حتى توصف قراراته بالمشروعية الدولية ولو خالفها تصبح دولتى المصب المضرورة مصر والسودان فى حل من الالتزام بها فيما لو خالفت تلك القواعد والمبادئ التى قيدها به ميثاق الأمم المتحدة ذاته فى أساس انشاء هذا المجلس الدولى.