"سيناريوهات لم تكتمل ونزعة وطنية خلدت ذكرى الشهداء".. ما لا تعرفه عن ميدان محطة مصر بالإسكندرية

محافظات

بوابة الفجر


ميدان محطة مصر "ميدان الشهداء" يعتبر من أهم الميادين في مدينة الإسكندرية بعد ميدان المنشية والذي وضع به تمثال "محمد علي"، وترجع فكرة انشاء هذا الميدان لفترة العشرينات وذلك عندما بدأ التفكير في عمل محطة قطارات جديدة، وكانت محطة القطارات الرئيسية مكانها أمام الباب الجديد، ولكن عندما فكروا في فصل المحطتين عن خط القباري، تم انشاء محطة قطارات جديدة والموجودة حتى يومنا هذا والمعروفة بـ "محطة مصر" أو ميدان الشهداء.

وتعتبر واحدة من أهم المباني التراثية الموجودة في مدينة الإسكندرية، والذي افتتحها الملك فؤاد الأول عام 1927، وقد صمم الواجهه المهندس الإيطالي "لاشياك" بالتعاون مع شركة بلجيكية، واصبح هناك مساحة بين المحطة القديمة في الباب الجديد والمحطة الجديدة الحالية.

- ايجاد الميدان وتنظيمه.. وفكرة إنشاء المسرح البلدي

وقال الدكتور "إسلام عاصم" أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر والإرشاد السياحي، ونقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية "للفجر": أن التفكير بدأ مع حركة التطوير الجديدة التي قدمها مهندس البلديات "ماكلين"، وقام بعمل مخطط كامل لتصميم مدينة الإسكندرية، وكان هذا في بداية العشرينات 1922 مع بداية تكوين المملكة المصرية، والاستقلال الصوري الذي كان في تلك المرحلة.

وأضاف أن التخطيط الذي وضعه "ماكلين" كان على أساس أنه سيتم بناء محطة مصر جديدة، وكانت المحطة القديمة مكانها في "الباب الجديد"، لأنها كانت تربط قطارات البضائع مع قطارات الركاب فكان يجب أن تكون مربوطة بالجزء الموجود في القباري والمحمودية، وهذا بعد أن قرروا فصل هذا الجزء عن محطة مصر، والذي بدأ العمل عليها في العشرينات بعد عام 1922، وبناء على ذلك أصبح عند "بلدية إسكندرية" التحضيرات الذي أنشأها "ماكلين" بأن المساحة الموجودة ستكون أمام محطة القطار الجديدة.

فخطط "ماكلين" لعمل هذه المساحة بأن تكون "متنزة وحدائق"، ويكون في وسطها الجزء المخصص لدار التمثيل البلدي او مسرح للتمثيل يخص المجلس البلدي في مدينة الإسكندرية، وبعدها تم افتتاح محطة مصرعام 1927، وافتتحها الملك فؤاد، وصمم الواجهه الفنان الإيطالي "لاشياك".

وتابع "عاصم" كان هناك فكر واضح جدا وهو أن الأسكندرية كان بها مسرح يتبع لبلدية المحافظة، وهذا ما جعلهم يفكرون بتلك المساحة الفارغة، عند نزول الناس القادمين من محطة القاهرة فيقابلهم ميدان جميل وفي وسط الميدان مسرح البلدية، وكان هذا التفكير الأول لتصميم محطة مصر، وعند وضع الميدان سنة 1931 تم إعتماد 10 الاف جنيه لاعداد هذا الميدان وتنظيم المنطقة أمام محطة مصر.

- تنفيذ مشروع الميدان.. ومعوقات تمنع إنشاء المحطة

وقال الدكتور إسلام إن أهم المشكلات التي واجهتهم وقتها كان وجود قاعدة عسكرية بها القوات البريطانية المحتلة وهي "قاعدة كوم الدكة" العسكرية، وظلت حتى اكتشاف الآثار حولها وتحولت إلى منطقة أثرية، وكانوا يحتاجون للجزء القريب منها لفتح الشارع، وجزء آخرمن أملاك الحكومة الفعلية وكنا نريد وقتها أن تتنازل عنها لبلدية الإسكندرية لكي يمكن استغلالها، وكذلك تغييرخطوط ترام الأسكندرية والذي لن يكون إلا عن طريق إمتلاك كل الأراضي ونزع الملكيات، وكانت تلك المعوقات في بداية الثلاثينات.

وكانت الإسكندرية في حاجة شديدة وقتها للصرف في جهات أخرى بعيدًا عن عمل ميدان المحطة والمسرح البلدي في المدينة، وكان هذا السبب في تأخير عمل الميدان أمام محطة مصر، لذلك فتحويل هذا المكان إلى ميدان استغرق الكثير من الوقت، وكان يجب أن يكون هناك العديد من الموافقات بالإضافة إلى نزع الملكيات حتى يتسع المكان لعمل الميدان.


- وفاة الملك فؤاد.. وقيام الحرب العاليمة الثانية

وتابع توفي الملك فؤاد الأول سنة 1936 وتولى الملك فاروق الوصاية بعد وفاته، وبدأت الأجزاء التابعة للبلدية التحول لحدائق صغيرة مع التفكير في عمل الميدان، وفي عام 1939 قامت الحرب العالمية الثانية فتوقف التخطيط تماما في الاسكندرية، بسبب الهجمات والغارات الجوية على المدينة وكان لا يوجد تخطيط واضح يمكن تنفيذه في هذه الفترة.

وفي عام 1944 بعد أن نهضت المدينة قليلا بعد فترة الحروب، قام أحد أعضاء المجلس البلدي "محمد شاكر" ويعلن أنه يريد تعديل اسم هذا الميدان لـ "ميدان فؤاد الأول" ونضع في وسطه تمثال أسوة بميدان "محمد علي" الذي وضع فيه تمثاله،وأسوة بالنصب التذكاري "للخديوي اسماعيل" المطل على البحر.

- التخطيط لعمل متنزه عام.. وتخصيص الأراضي والحصول على الموافقات

وأضاف الدكتور "إسلام" وفي عام 1945 قرروا عمل "منتزة عام" وبدأ الفكرة والمشاورات حتى سنة 1949، وبدأوا في تخصيص الأرض والحصول على جميع الموافقات وكان آخرها موافقة لوزير الداخلية في 7-9-1949، اننا سنقيم ميدان فؤاد الأول وبدأوا في شراء كل الأراضي، ونزعوا الملكيات واخذ الاذن من الحكومة من أجل التنازل للبلدية، وكانت قد استلمت مصر قاعدة كوم الدكة من الإنجليز عام 1947، وتم حل كل المشكلات كلها في 1949، ليكون جاهزا لعمل "ميدان الملك فؤاد"، وبدأوا العمل على وضع تمثال، وكان وقتها ستاد الإسكندرية يحمل اسم ستاد البلدية، عندما اقيمت دورة البحر المتوسط الاولى في سنة 1951 تم تغيير اسمه لإستاد "فؤاد الاول".


- تصميم التمثال ووقوع الإختيار على فنان مصري

ووقع الإختيار على الفنان "فتحي محمود" فنان مصري ليعمل على قاعدة التمثال عام 1949، وبدأ في نحت تمثال"الملك فؤاد"، وبدأ العمل على قاعدة الملك الخاصة بالتمثال بعد إعتماد المبالغ المطلوبة لكن تم عمل القاعدة من أغلى انواع الرخام، عن طريق ألواح برونزية ممتازة وكبيرة جدا، وهي واحدة من أعظم قواعد التماثيل في تلك الفترة في كل العالم، ولكن قامت ثورة 1952 ولم يتم وضع التمثال، وأهمل الميدان والقاعدة، حتى عام 1973.

وأضاف "عاصم" ومن هنا كان التحول نحو المصريين لأن قاعدة تمثال "محمد علي" كان مصممها فرنسي، وقاعدة تمثال الخديوي اسماعيل كانت للمصمم "روتشي" الإيطالي، اما تمثال الملك فؤاد كان المصمم مصري وذلك سبب النزعة المصرية بعد الاستقلال في 1921 – 1922، وهو فتحي محمود الذي صمم "تمثال الأشرعة" الموجود أمام مكتبة الإسكندرية.

- ميدان الشهداء والنصب التذكاري لشهداء حرب 1973

وتابع الدكتور "إسلام عاصم": أنهم بدأوا في اعادة التفكير واستغلال هذه القاعدة الجرانيتية، واستغلال الميدان ليطلق عليه اسم"ميدان الشهداء"، ويوضع عليه الآيات القرآنية، وتستغل هذه القاعدة لتكون النصب التذكاري للجندي المجهول في مدينة الإسكندرية، وهو يختلف عن النصب التذكاري "للجندي المجهول البحري" الموجود على البحر بالمنشية، ليحمل في النهاية اسم "ميدان محطة مصر" عام 1973، أو "ميدان الشهداء"، وهو النصب التذكاري لشهداء حرب 1973.

- الإحتفال بالجندي المجهول كل عام ووضع أكاليل الزهور

وأضاف كل عام نحتفل "بالجندي المجهول"، ويقوم محافظ الإسكندرية ورئيس المنطقة الشمالية العسكرية بوضع أكاليل الزهور تخليدًا لذكراه.

وتابع في عام 2017 و2018 كان هناك إهمال شديد أدى إلى سرقة أجزاء من الأعمدة البرونزية التي تزين قاعدة التمثال، مضيفًا أن الجميع في انتظار التطوير الذي ستشهدة محافظة الإسكندرية لإفتتاح المحطة الجديدة، ونتمنى أن يكون هناك تطور يجعلنا نفخر بواجهة محافظتنا، وتزال العشوائيات الموجدة حاليًا، لتستقبل المدينة زوارها بأبهى صورة وعلى أكمل وجه.