عمرو المنير يكتب: فى النظم الضريبية العالمية.. للعدالة وجه آخر!

مقالات الرأي

بوابة الفجر



يرى كثيرون أن نظام الضرائب فى مصر غير عادل، وينظرون للنظم الضريبية الغربية بانبهار وكأنها صُممت بلا أخطاء، دعونى هنا أعرض لكم وجها آخر لهذه النظم التى يتباهون بعدالتها.

فبينما يعيش معظم الأمريكان على طريقة Paycheck to Paycheck أو (اليوم بيومه)، فإن هناك على الجانب الآخر فى نفس البلد من يجمعون الثروات ويضاعفون أموالهم التى تصل لأضعاف موازنات دول، ولكن أغلب أصحاب هذه الثروات الضخمة لا يدفعون ما يجب أن يدفعوه من ضرائب.. كيف؟

البداية كانت من مجلة ProPublica الأمريكية حيث كشفت فى تقرير لها بناء على البيانات التى حصلت عليها عن الإقرارات الضريبية للأشخاص الأكثر ثراءً فى البلاد عبر أكثر من ١٥ عامًا.

وكانت المفاجأة أن أباطرة الاقتصاد الأمريكى مثل: وارن بافيت، وجيف بيزوس، وبيل جيتس، ومارك زوكربيرج لا يدفعون ضرائب تذكر، وتُظهر سجلات مصلحة الضرائب الأمريكية أن هؤلاء الأغنياء يمكنهم - بشكل قانونى تمامًا - دفع ضرائب دخل لا تمثل سوى جزء ضئيل من مئات الملايين، إن لم يكن المليارات، التى تزيد بها ثرواتهم كل عام!

فمثلا «جيف بيزوس» مؤسس شركة أمازون - وأغنى رجل فى العالم حاليا - لم يدفع فى عام ٢٠٠٧ سنتًا واحدًا من ضرائب الدخل للحكومة الفيدرالية رغم أن ثروته نمت فى ذلك العام بـ ٣.٨ مليار دولار. وفى عام ٢٠١١، وهو العام الذى بلغت فيه ثروته تقريبًا ١٨ مليار دولار، قدم بيزوس إقرارًا ضريبيًا متضمنا خسائر ضريبية حتى أنه حصل على ائتمان ضريبى من الحكومة لصالح أطفاله بقيمة ٤٠٠٠ دولار.

وارن بافيت -سادس أغنى رجل فى العالم- والذى للمفارقة يدعم مجموعة تدعو لفرض ضرائب أعلى على الأثرياء الأمريكيين، لم يدفع سوى ٢٤ مليون دولار ضرائب خلال الفترة بين عامى ٢٠١٤ و٢٠١٨ والتى زادت فيها ثروته بمقدار ٢٥ مليار دولار، أى بمعدل ضريبة أقل من واحد فى الألف.

ولم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لـ«ايلون ماسك» مؤسس شركة تيسلا وثانى أغنى شخص فى العالم، كما لم يدفع «جورج سوروس» ضريبة الدخل الفيدرالية لثلاث سنوات متتالية.

ولأننى أرى علامات التعجب على الوجوه فسوف أشرح لكم كيف يتجنب هؤلاء دفع الضرائب.

ففى هذه النظم يستفيد المليارديرات فى أمريكا من استراتيجيات التجنب الضريبى على عكس الناس العاديين حيث تنمو ثرواتهم نتيجة الارتفاع الصاروخى فى قيمة أصولهم الرأسمالية، ولأنها ثروة مُجمدة فى صورة أسهم وسندات وأصول عقارية، فإن قوانين الولايات المتحدة لاتعتبر هذه المكاسب دخلا خاضعا للضريبة طالما لم يقم هؤلاء المليارديرات ببيعها.

ووفقًا لمجلة Forbes، فإن أغنى ٢٥ شخصًا شهدوا ارتفاعًا جماعيًا لثرواتهم بقيمة ٤٠١ مليار دولار من ٢٠١٤ إلى ٢٠١٨، بينما دفعوا ما مجموعه ١٣.٦ مليار دولار من ضرائب الدخل الفيدرالية فى تلك السنوات الخمس، أى بما يمثل معدل ضرائب حقيقى يبلغ ٣.٤٪ فقط!! بينما تدفع الأسرة المتوسطة فى أمريكا والتى يبلغ دخلها ٧٠ ألف دولار سنويًا ضرائب بمتوسط ١٤٪.

بهذا تنهدم الأسطورة التى تم تصديرها للعالم والتى تقول: أن نظام الضرائب الأمريكى يقوم على أساس أن الأمريكيين الأكثر ثراء يدفعون أكثر.

لذلك تدور المناقشات حاليًا حول ضرورة وجود حل لكى يدفع الأغنياء فى أمريكا نصيبهم العادل من الضريبة بعد عقود من تراكم الثروة، والمقترح المعروض على الكونجرس هو فرض «ضرائب على الأرباح غير المحققة» بما يمنح الحكومة الأمريكية فرصة للحصول على جزء من الزيادة فى حجم الثروة والأصول الأخرى التى يراكمها أغنى الأمريكيين على مدار حياتهم.

أرجو أن أكون قد استطعت فى هذه المساحة تسليط الضوء على بعض مايحدث فى العالم، ومايحاولون الوصول إليه من حلول قد نرغب يوما ما فى الاسترشاد بها والتعلم منها.

نائب وزير المالية السابق وخبير الضرائب الدولية