زهران جلال يكتب: الجمهورية الجديدة في رسالة عمرو بن العاص

مقالات الرأي



أرسل  عمر بن الخطاب أمير المؤمنين لعمرو بن العاص عند فتح مصر  برسالة  يسأله عن أوضاع البلاد  قائلا:"أمَّا بعد يا عمرو. إذا أتاك كتابي فابعث إليَّ جوابه، تصف لي مصر ونيلها وأوضاعها، وما هي عليه حتَّى كأنني حاضرها".

فكتب عمرو بن العاص يشرح أحوال مصر : «أمَّا بعدُ، يا أمير المُؤمنين. فإنَّها تُربةٌ غبراء، وحشيشةٌ خضراء، بين جبلين، جبلُ رملٍ كأنَّهُ بطنٌ أقبّ وطهرٌ أجبّ. ورزقُها ما بين أسوان إلى منشأ من البر. يخطُّ وسطها نهرٌ مُبارك الغدوات، ميمونُ الروحات، يجري بالزيادةُ والنُقصان، كمجاري الشمس والقمر. لهُ أوان تظهر إليه عُيونُ الأرض ومنابعها، مُسخِّرةً له بذلك ومأمورةٌ له. حتَّى أطلخمَّ عجاجه، وقفطفطت أمواجُه، واغلولوت لُججه، لم يبقَ الخَلاصُ إلى القُرى بعضها إلى بعضٍ، إلَّا في خفاف القوارب، أو صغارُ المراكب، التي كأنَّها في الجبائل ورق الأبابيل. ثُمَّ أعاد بعد انتهاء أجله نكص على عقبه، كأوَّل ما بدا، في دربه وطما في سربه. ثُمَّ استبان مكنونها ومخزونها. ثُمَّ انتشرت بعد ذلك أُمَّةٌ مخفورة، وذمَّةٌ مغفورة لِغيرهم ما سعوا به من كدِّهم وما ينالوا بِجُهدهم، شعثوا بُطون الأرض وروابيها. ورموا فيها من الحبِّ ما يرجعون به من التمام من الربّ، حتَّى إذا أحدق فاستبق وأسبل قنواته. سقى الله من فوقه الندى، ورواه من تحت بالثرى. ورُبما كان سحابٌ مُكفهر ورُبَّما لم يكن.
وفي زماننا ذلك، يا أمير المُؤمنين، ما يُغنِّي ذُبابه ويُدبِّرُ حلابه. فبينما هي بريَّةٌ غبراء، إذ هي لُجَّةٌ زرقاء، إذ هي سُندُسيَّةٌ خضراء، إذ هي ديباجةٌ رقشاء، إذ هي دُرَّةٌ بيضاء، إذ هي حلَّةٌ سوداء. فتبارك الله أحسنُ الخالقين. والذي يُصلحُ هذه البلاد ويُقرُّ قاطنها فيها ثلاث أشياء: أوَّلها لا تقبل قول رئيسها على خسيسها، والثاني يؤخذ ثُلث ارتفاعها يُصرف في عمارة ترعها وجُسورها، والثالث لا يُستأدى خراج كُلُّ صنفٍ إلَّا منه عند استهلاله. فإذا تقرَّر الحال مع العُمَّال على هذه الأحوال تضاعف ارتقاعُ المال، واللهُ المُوفِّقُ إلى حُسن المآل.
حقيقة وصفها عمرو بن العاص منذ مئات السنين ، وتكشفت علي مر التاريخ المصري  حتي وقتنا هذا كما رصدها المؤرخون  في مراحل عدة فعلي سبيل المثال  لا الحصر . عندمابدأ قطز حكمه بمواجهة معضلة خطيرة  وهي صد التتار المتوحشين القادمين لغزو مصر بعدما أسقطوا الخلافة الإسلامية ، ودمَّروا بغداد، واجتاحوا الشام.. لم يكن قطز يستطيع صدَّ التتار بجيشٍ متشعب الولاءات بين الأمراء الذين يبحثون عن مصالحهم، ولا بشعب لاهٍ عن الجهاد وتبعاته؛ لذا بدأ بتنفيذ خطة محكمة؛ إذ بدأ بحشد جهود العلماء المخلصين ولم يكن للشعب أن يتبع خطوات العلماء ما لم يكن الحاكم نفسه يفعل ذلك، لذا لمّا أراد فرض ضريبة على الشعب لتجهيز الجيش، وأفتى العز بن عبد السلام بعدم الجواز إلا بعد أن يُخرِج الأمراء ما عندهم من أموالهم وأموال نسائهم وجواريهم؛ كان قطز أول مَن نفَّذ تلك الفتوى على نفسه، ثم طبقها على بقية الأمراء..
 كما حرص محمد علي، على التخلص من المماليك لما يمثلون له مشكلة صعبة بسبب سيطرتهم على إيرادات مصر بسبب نظام الالتزام، وليتجنب حدوث صداماً مباشراً معهم، ويعود تاريخ الإقطاع  لهذه الحقبة عندما أعاد محمد علي توزيع الأراضي الأميرية علي أقاربه وكبار الأعيان وغيرهم من المقربين فوزع مئات وآلاف الأفدنة وأنشأ طبقة جديدة من النبلاء الإقطاعيين.
 وكانت هذه الطبقة قد ثبتت في نفوس الفلاحين أن ملكيتهم تعتبر حقاً ربانيا لا يجوز الاعتداء عليه وقد تبني هذه  العقيدة وروج لها الإخوان المسلمون الذين لم يطالبوا مطلقآ بتحديد الملكية وإنما طالبوا علي لسان مرشدهم حسن الهضيبي المشرف العام علي أطيان الملك قائلا "يجب أن لا يسمح لملاك الأرض بأن يؤجروا أراضيهم للفلاحيين نظير مبالغ ثابتة بحيث إذا طرأ ما يؤثر على  المحصول وقع الفلاحون في الدين، فيجب أن يتم  إيجار الأرض علي أساس نصيب غلتها وبهذا يحصل المستأجرين علي  جزء من جهودهم " وجاءت ثورة يوليو لتطيح بالاستبداد والظلم والمذلة وقطعت رقاب الطبقية والتمييز والعنصرية، وحققت العدالة الاجتماعية ، وبدات الجمهورية الأولي في وضع حجر الأساس  لها بتحقيق العدالة الاجتماعية وصدر قانون الإصلاح الزراعي لينتشل الفلاح من بئر الذل والهوان إلى قمة علياء رافعا رأسه يتساوى مع الإقطاعيين، وحرر الرئيس جمال عبدالناصر الفلاحيين والشعب المصري من الذل والاستعباد، وبعد نجاح ثورة 23 يوليو وتحقيق أهدافها وعلى رأس أولوياتها كانت تأسيس الجمهورية الأولي بأن يعم  الخير والتعمير والتوسع في  ارض مصرنا الغالية وانشاء المدن الجديدة والمصانع وتحرير الشركات وإسنادها لملاكها الاصليين  ودافع عبدالناصر على الفقراء إلى أن حصلوا حقوقهم كاملة وأباد أباطرة الإقطاع والفساد ، وأصبحت كرامة مصر والمصريين فوق الجميع محليا ودوليا ، لتمر السنين والأيام ليعود مماليك العصر الحديث وأباطرة الإقطاع الجدد الذي استباحوا قوت وأموال وأراضي الشعب المصري بمساعدة الفاسدين من أهل النفوس الضعيفة لينهبوا ويستولوا على أكثر من ثلاثة ملايين فدان ،  ويصل الإرهابيين بخداعهم للشعب المصري  في غفلة ليتاجروا بالدين  للقضاء علي الهوية المصرية ليصبح الوجه الثاني في صورة إرهاب الإخوان  والفساد الذي عم البلاد ، ولكن مشيئة الله  اكبر من كل خائن ومفسد وارهابي ليعيد  التاريخ  نفسه بعد أكثر من ستين عاما ليقود الرئيس عبدالفتاح السيسي بناء الجمهورية الثانية  بمبادرة حياة كريمة التي  يستفيد منها أكثر  من ٥٠ مليون مواطن في  قرى وريف مصر من جنوبها لشمالها، من خلال تنمية شاملة في وقت محدد يستفيد منها وبسواعد أبنائها أهالي القرى المحرومة  منذ زمن بعيد، وتهدف هذه المبادرة التي تعد المشروع القومي الكبير للرئيس عبدالفتاح السيسي لإنشاء وحدات صحية بالقري المحرومة ومدارس وإحلال وتجديد خطوط شبكات المياه، وصرف صحي وتبطين الترع والمصارف وتوفير كافة الخدمات من إنشاء وحدات إسعاف ومطافئ، وكهرباء وغاز طبيعي، وغير ذلك  الكثير.
لم تكن الجمهورية الثانية   التي يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسي متمثلة في هذه المبادرة فقط، بل شملت تطوير وتسليح للجيش  المصري ، ورفع قدرات وامكانيات الشرطة المدنية ،  واستطاعوا بالقضاء على  الإرهاب الغاشم  ، وسادت التنمية في سيناء الحبيبة ، واعاد مصر لمكانها الصحيح فلم تقتصر في منطقة الشرق الأوسط  بل في العالم اجمع ،  لم يقف لهذا ااحد بل تصدي لكل من تسول له نفسه  في نهب مقدرات الدولة والشعب ، واستطاع جهاز الرقابة الإدارية  في مكافحة جميع اوجه الفساد ، كما وجه الرئيس بإعادة الأراضي المنهوبة وإنفاذ القانون علي الجميع بدون استثناء، لينتصر للشعب المصري الذي يقف خلف قيادته ويدعمه بكل قوة ،وكأننا نعيش فرحة جديدة ونصر عظيم علي  الفاسدين والأباطرة من الإقطاعيين الجدد ،  كما رسم خارطة طريق  للنظام القضائي بقراراته التاريخية في تحقيق العدالة كما ينبغي بمنع الإزدواجية في التعيين  ، وتمكين المرأة  بالعمل في القضاء ، والمساواة بين أعضاء الجهات والهيئات القضائية  ماليا ،  وتنظيم الندب وعدم ندب القاضى لأكثر من جهة حتي يتفرغ القضاة  للفصل في القضايا وتحقيق العدالة الناجزة ، كما اسس لشبكة نقل حديثة سواء في الطرق والكباري ، وخطوط سكك حديد مصر الجديدة ، وإحلال وتجديد سكك حديد مصر القديمة بما يواكب التطور  التكنولوجي والرقمنة  .
 الجمهورية الجديدة  التي حققتها  التنمية الشاملة  في جميع القطاعات وعلي كل شبر علي ارض المحروسة،   من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية التي انطلقت منذ ان فكر ودبر  لها الرئيس عبدالفتاح السيسي عام ٢٠١٤  المتمثلة في حياة كريمة لتطوير الريف المصري،  والتي تعتبر إعادة لهندسة الثروة المصرية وتوزيعها على أبناء الوطن في الريف المصري  الذي عانى الحرمان من أنظمة فاسدة كان همها الأول والأخير أنفسهم، وشاءت  عدالة الله أن يجني المواطن المحروم ثمار تحمله ووقوفه خلف قيادته الحكيمة