د. مصطفى السعداوي يكتب: السيد/ أبي أحمد.. لقد نفذ رصيدكم

ركن القراء

بوابة الفجر


ما شهد التاريخ يوما عن حالة واحدة كانت فيها مصر الطرف المعتدي. مصر واحة الامان لا تعرف إلا الدفاع عن حقوقها إذا تجاوز الاخرين اسرافا.. والتعنت الحاصل من المفاوض الاثيوبي بزعم الحق في التنمية لا يقبل ابتداءا أن يجئ علي حساب حق مصر في الحياة.. والتاريخ يشهد بعدالة موقف مصر وهو ما تنقله لكم من وقائع النزاع الحاصل بين هولندا وبلجيكا. 

ففي الثاني من مايو عام ١٨٦٣، أبرمت بلجيكا وهولندا معاهدة كان الغرض منها «التسوية الدائمة والنهائية للنظام الذي يحكم تحويلات المياه من نهر الميوز لتغذية قنوات الملاحة وقنوات الري، وعندما استلزم التطور الاقتصادي لمقاطعات ليمبورج البلجيكية والهولندية توسيع بعض القنوات وبناء أعمال جديدة، وقعت الدولتان في عام ١٩٢٥ اتفاقية جديدة تهدف إلى تسوية الخلافات التي نشأت فيما يتعلق ببرامج البناء ثم شرعت هولندا في بناء وإكمال قناة جوليانا وبدأت بلجيكا بناء قناة ألبرت، ونظرًا لعدم إمكانية إحراز أي تقدم في تسوية النقاط محل الخلاف بين الدولتين. 

بدأت هولندا إجراءات في المحكمة الدائمة للعدل الدولى عن طريق طلب من جانب واحد، استنادًا إلى الإعلانات الصادرة عن كل من هولندا وبلجيكا والتي قبلت فيها الدعوى الاختصاص الإجباري للمحكمة بموجب المادة ٣٦ (أ) من النظام الأساسي, والتي قابلت بلجيكا ذلك التحرك القضائي باقامة دعوى مضادة.

ارتكزت طلبات هولندا في دعواها امام محكمة العدل الدولية الدائمة بشكل أساسي أن تقرر وتعلن أن الأعمال التي نفذتها بلجيكا بالفعل تتعارض مع معاهدة عام ١٨٣٦، وأن الأعمال المقترحة ستتعارض معها، ومن ثم تأمر بلجيكا بوقف جميع الأعمال لاستعادة حالة التوافق مع معاهدة ١٨٣٦ لجميع الأعمال التي تم إنشاؤها بما يخالف تلك المعاهدة، ووقف أي تغذية تتعارض مع المعاهدة المذكورة , والامتناع عن أي مزيد من هذه التغذية , وعلى الجانب الأخر طلبت بلجيكا من المحكمة أن تعلن أن المذكرات التي قدمتها هولندا لا أساس لها من الصحة، وأن ما تم تشييده يخالف أحكام معاهدة 1863، وأن قناة جوليانا تخضع لأحكام المعاهدة، والاحتفاظ بالحقوق العائدة لبلجيكا من الانتهاكات التي تراها مخالفة للقانون الدولى .

ونشير الي أن نهر الميوز ينبع في شمال شرق فرنسا، ويتدفق عبر بلجيكا وهولندا إلى بحر الشمال، حيث يشكل دلتا مشتركة مع نهر الراين، وفي قضائها في موضوع النزاع خلصت المحكمة إلى مبدأ حاكم للانهار العابره مؤداه أنه على الرغم من أن الاتفاق المبرم بين الدولتين إلا أن ذلك لا يحول دون استغلال النهر استغلالا جيدا لكافة الأطراف وأن مصالح هولندا ومصالح بلجيكا يجب أن تُصان بشكل تام وحق كل دولة في الاستعمال المعقول والعادل للمياه، فضلا عن أن ممارسة هذا الحق مقيد بالواجب الدولى الأساسى وقوامه عدم الإضرار بالطرف الأخر. 

واصدرت محكمة العدل الدولية  حكمها في ٢٨ يونيو عام ١٩٣٧ وقد خلصت المحكمة الدائمة للعدل الدولى إلى وجود مبدأ يحرم قيام الدولة على أراضيها بإجراء تغيير أو تعديل مياه النهر إذا ترتب على ذلك أضرار جسيمة بدولة متشاطئة، وانتهت محكمة العدل الدولية في حكمها إلى حق الدول النهرية في استغلال مياه النهر مقيد بعدم إحداث ضرر للطرف الآخر . وتشهد سجلات المحكمة أن الحكم صدر من المحكمة بأغلبية عشرة أصوات للقضاة مقابل ثلاثة، انتهت المحكمة إلى رفض كل من الطلبات التي قدمتها هولندا والادعاءات الواردة في الدعوى المضادة البلجيكية مع تقرير مبدأ مهم أيضاً وهو أنه عن قيام دولة ما أي مشروع داخل أراضيها على النهر يمس حقوق دولة متشاطئة أخرى فيما يتعلق بحجم المياه فإنه يجب ألا يؤثر ذلك في حجم المياه التي يتم تصريفها من النهر.

ووضعت المحكمة المبدأ الحاكم في أي مشروع تقيمه دولة على النهر يمس دولة متشاطئة أخرى وهو أنه يجب ألا يؤثر ذلك في حجم المياه التي يتم تصريفها من النهر.

جملة المبادئ المستقرة في نطاق القضاء الدولي فيما يتعلق بالانهار العابرة، يكشف في غير ابهام أن الحق في الحياة يأتي أولا، ويبح كل صور الدفاع الحاصل عليه بقدر ما يشكل هذا الاعتداء من خطر، بقي اخيرا رسالتنا الي السيد/ ابي احمد ( لقد نفد رصيدكم).