عبد الله عبد السلام.. الأسطورة الطائرة

الفجر الرياضي

بوابة الفجر


 

لا تُصنع الأسطورة من فراغ، صحيح تتعدد أشكالها، تختلف طرق التعامل معها، يُختلف على إنجازاتها، لكن في النهاية هناك اتفاق أنها أسطورة، وأنها لا تنشأ من فراغ وإنها طالما خرجت من قلوب الجماهير فهي صادقة، ومن حسن الحظ أن هذا اللقب بالتحديد لا يخرج إلا من قلوب الناس، فالأساطير لا تُصنع بأوامر.

الأسطورة أيضًا ليس لها عمر، محطة وقوف لا تسير بعدها، بل هي متجددة ومنُجزة في كل موضع وأسطورة في كل قرار، لذلك فحين أعلن عبد الله عبد السلام أسطورة القلعة الحمراء والمنتخب الوطني للكرة الطائرة، إنه اعتزل اللعب الدولي، لم يكن القرار أكثر من محطة استراحة لصنع تاريخ آخر بعد تلك الخطوة.

ورغم حزن جماهير الأحمر التي رأت في أسطورتهم الطائرة ملاذ آمن وقائد حكيم داخل الملعب، لكنها أدركت أن ما اتخذه اللاعب البالغ من العمر 38 عامًا هو قرار صحيح وربما الخطوات المقبلة تشهد إسهام أكبر للكرة الطائرة في مواقع أخرى غير اللاعب الدولي.

لكن كيف بدأت الأسطورة، وكُتبت سطورها الأولى، بالعودة إلى بداية الصفحة التي يُدون فيها أن هناك طفل وُلد عام 1983، ومنذ صغره تميز بطول مناسب وجسد متناسق لكن الطفل الصغير هوى كرة القدم، تشكل وعيه على الشبكة والخطيب الذي يخطف قلوب الجماهير، وعلى الركض بقدميه لا بيديه، فلم يكن من سبيل لوالده سوى أن يذهب بالولد الصغير صاحب العشر سنوات إلى بوابة التتش لعله يجد ما يريد.

العائلة الأهلاوية التي نشأ فيها "عبد الله" كانت السبب في اختياره الأهلي دون شك، لكن تلك العائلة ايضًا لم تستطع أن تفعل شيء حين أخفق الولد الصغير في اختبارات كرة القدم بالنادي الذي لا يعترف إلا بالمهارة والقدرة،ولكن لإن الأسطورة يجب أن تحظو بلعبة قدرية لا دخل فيها لأحد، كان الوقت الذي يفشل فيه عبد الله في كرة القدم، هو نفس الوقت الذي تراه عين كابتن "شطة" الذي أدرك أن هناك خامة جيدة لكرة الطائرة فسرعان ما عرضه على مدرب الكرة الطائرة أحمد رجب وقتها، ومنذ عام 1993 انضم الولد الصغير صاحب الـ11 عام إلى فريق النادي ليبدأ اللعب، يعلق هو بعد سنين طويلة، لم يكن يهمني قدم أم طائرة المهم أن ارتدي القميص الأحمر.

بعد 8 سنوات وفي 2001، كان عبد الله عبد السلام قد أدرك اللعب وأثبت إنه بجوار لعبه الجيد، يمتلك موهبة أخرى وهي القيادة، وليس هذا فقط بل القيادة بهدوء وحكمة، وسرعان ما تحول إلى قبلة زملاؤه في الملعب رغم إنه ليس أكبرهم سنًا ولم يرتدي في هذا الوقت حتى شارة القيادة، لكنه فعليًا القائد في الملعب، ويتذكر هو أن في هذا العام حصل على أول راتب من اللعبة، مبلغ 20 جنيها وفي نفس العام تم انضمامه للمنتخب الوطني لكرة الطائرة.

تألق عبد الله عبد السلام في النادي الأهلي والمنتخب الوطني، لم يلفت نظر المصريين أن لديهم أسطورة تحت الإنشاء، ولاعب بدا الجميع يحفظ اسمه في وقت لم يكن كثيرون يلتفتون إلى الكرة الطائرة من الأساس، لكن لفت عبد الله نظر أندية أوروبا التي تسابقت عليه حتى استطاع نادي سيسلي تريفيزو الإيطالي أن يضمه في 2006 مقابل 200 ألف يورو في صفقة تاريخية جعلت عبد الله أغلى لاعب في تاريخ الكرة الطائرة المصرية في ذلك الوقت، واستطاع نجم الأهلي أن يحصد مع فريقه الإيطالي كأس إيطاليا كما حصل على لقب أفضل لاعب في البطولة وأفضل لاعب في المباراة النهائية، رغم أن زملاءه في نفس الفريق الذي يعد من أكبر الأندية الإيطالية في الكرة الطائرة، هم نجوم منتخب إيطاليا في الكرة الطائرة وعلى رأسهم النجم المخضرم صامويل بابي والعملاقين فاليريو فيرميجليو وإليساندر فاي.

مسيرة الاحتراف الناجحة والتي أعلنت أن أفضل لاعب كرة طائرة في إيطاليا هو حفيد الفراعنة، استمرت عدة سنوات قبل أن تقابل الاسطورة قدرها بمحن يُختبر بها قوة الإرادة، فأصيب عبد الله عبد السلام بإصابة قطع في وتر الكتف ما جعل مسيرة الاحتراف تتوقف وينتقبل بعدها إلى نادي جالطا سراي التركي مستعيدًا قدرته على تحقيق انجازات كبيرة ولامعة أيضًا لكن أزمة مالية ضربت كافة الأندية فكان مصيره انتهاء مشوار الاحتراف الأوروبي.

لكن بالتزامن مع ذلك حقق عبد الله عبد السلام الكثير من الألقاب مع المنتخب الوطني لكرة الطائرة، فبجانب إنه مثّل المنتخب الوطني في أولمبياد طوكيو 2008، يملك الأسطورة الطائرة 12 لقبًا مع المنتخب الوطني منهم 6 بطولات إفريقية وذهبية الألعاب الإفريقية مرتين وذهبية الألعاب العربية 3 مرات وذهبية البحر المتوسط مرة واحدة.

هكذا لم يمر عام دون إنجاز يتحقق أول بطولة تُضاف إلى مجده الشخصي، ورغم أن مسيرة الاحتراف انتهت لكنه عاد مرة أخرى من بوابة أكبر الأندية الإفريقية وناديه الرئيسي الأهلي في 2017 حين عاد للتي شيرت الأحمر الذي تربي عليه ولينطلق ليحقق مسيرات ناجحة ويُسكت كل صوت تردد أن اللاعب كبر وإنه لم يعد قادرًا على الضرب بقوة.

لكن أهم الأدور التي أداها عبد الله عبد السلام خلال السنوات الماضية مع الأهلي بجانب لعبه، كان قيادته لفريق الكرة الطائرة ومنحهم خبراته بل وتعزيز ثقة آخرين بأنفسهم، ولذلك لم يكن غريبًا أن يصبح أبرز أصدقاءه هو أحمد صلاح، لاعب الأهلي المعجزة في الكرة الطائرة، والذي يتحدث عن تأثير عبد الله عبد السلام عليه.

ولأن الأسطورة لا تقف عند حد، فرؤية عبد الله عبد السلام لمنظومة الكرة الطائرة صائبة بما لا يدع مجال للشك، فهو يرى أن رواتب لاعبي الطائرة منطقية بالنسبة للعبة شعبية من الدرجة الثالثة فهي ليست كرة قدم لها راعي، وبالتالي لا يعيش اللاعب بعقدة الاضطهاد.

مستقبله لم يحدده بعد، صحيح إنه يتمنى لعب الكرة الطائرة طوال العمر لكن هذا غير منطقي، يؤمن أن المقاعد ستتغير لكن الرؤى والعطاء ثابت، لهذا حين سُئل هل الأفضل كرسي في اتحاد الطائرة أم في مجلس إدارة نادي الأهلي اختار الأخير بلا تردد، ويضيف على الأقل سأكون مسئول عن جزء من المنظومة.

بجانب ذلك تجمع عبد الله عبد السلام علاقة زمالة جامعية  بحسام غالي عضو مجلس النواب الحالي، بجانب لاعبين مثل أحمد فتحي وسعد سمير.