مى سمير تكتب: إبراهيم رئيسى على خطى المرشد
ترامب فرض عليه عقوبات عام ٢٠١٩
متشدد ومنتقد قوى للغرب، لكن ليس من المتوقع أن يغير بشكل جذرى سياسة إيران تجاه الولايات المتحدة، إنه مخلص للمرشد الأعلى لكنه قد يحل محله قريباً، والمؤكد أنه سوف يستخدم سلطاته الرئاسية من أجل تقديم كل الدعم للمرشد الأعلى الإيرانى إلى أن يحل محله. هذا ما يمكن أن يتوقعه العالم من الرئيس الإيرانى الجديد إبراهيم رئيسى، الذى فاز فى الانتخابات الرئاسية يوم الجمعة- فى مسابقة تم تزويرها بشدة لصالح رئيسى - مع نسبة تصويت منخفضة للغاية، كما أشارت أغلب التقارير الغربية.
1- رئيس السلطة القضائية
رئيسى هو قاض محافظ للغاية ويعمل حالياً رئيس للسلطة القضائية فى البلاد، ولطالما واجه مزاعم بالتورط فى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما فى ذلك الإعدام الجماعى لآلاف السجناء، ومعظمهم من المعارضين السياسيين والمتظاهرين - وهى الأنشطة التى كانت سبباً فى فرض إدارة ترامب عقوبات عليه فى عام ٢٠١٩.
كرئيس، سيواجه العديد من التحديات الكبيرة، وسيتعين عليه التفاوض بشأن عودة أمريكا إلى الاتفاق النووى الموقع عام ٢٠١٥، كما يتعين عليه معالجة كل من الانكماش الاقتصادى الحاد ووباء فيروس كورونا المتفشى فى إيران، وقد يتعين عليه أيضاً الإشراف على خلافة المرشد الأعلى على خامنئى، البالغ من العمر ٨٢ عاماً، فى أول تغيير حقيقى للسلطة فى إيران منذ أكثر من ٣٠ عاماً.
ويقول الخبراء إن خامنئى دبر فوز رئيسى فى الانتخابات من خلال منع منافسين أقوياء من التنافس ضده، لضمان بقاء رؤية المرشد الأعلى لإيران أطول من حياته.
وحسب موقع فوكس، قال إيلان جولدنبرج، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط فى مركز أبحاث الأمن الأمريكى الجديد فى واشنطن العاصمة: «يريد خامنئى شخصا يرى العالم كما يرى هو العالم»، وبصفته طالبا سابقا لدى خامنئى تم تعيينه فى كل وظيفة رئيسية كان يشغلها من قبل معلمه، وبالتالى يعد رئيسى رهانا آمنا لتأكيد إرث المرشد الأعلى.
لكن لا تزال هناك أسئلة مفتوحة حول ما يعنيه صعود رئيسى إلى الرئاسة بالنسبة للمستقبل، الأول هو كيف سيحكم متشدد؟، خاصة بعد أن سيطر غيره من المتشددين على جميع الفروع الرئيسية فى الحكومة الإيرانية، ويتوقع الخبراء أن تصبح البلاد أكثر قمعا فى الداخل، وتواصل سياستها الخارجية القتالية.
وقالت هولى داجريس، الزميلة البريطانية فى المجلس الأطلسى، وهو مركز أبحاث فى واشنطن قريب من البنتاجون: «إنهم ما زالوا لا يثقون بالولايات المتحدة».
والسؤال الآخر الذى يمكن القول إنه السؤال الأكبر هو: هل صعود رئيسى إلى الرئاسة يجعله المرشح الأوفر حظاً ليحل محل خامنئى عندما يموت الزعيم المسن؟ إذا كان هذا هو الحال فكيف يمكن تصور مستقبل إيران فى العقود القادمة فى ظل إدارة إبراهيم رئيسى البالغ من العمر ٦٠ عاماً، سواء كرئيس أو كمرشد؟، إن رهان رئيسى كما يؤكد تقرير فوكس هو السير على خطى معلمه، وقال على فايز، مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية: «رئيسى مدين بكل ما لديه لخامنئئ».
2- من هو إبراهيم رئيسى؟
قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية فى ١٨ يونيو، كان من الواضح أن القيادة الإيرانية تريد فوز رئيسى، ويسمح النظام فقط لأولئك الذين يُعتبرون مخلصين بدرجة كافية للمرشد الأعلى بالترشح للرئاسة مع الحرص على أن يتم ذلك فى إطار مشهد ديمقراطى، وتؤكد الصحافة الغربية أنه مشهد صورى لا يعكس ديمقراطية حقيقية.
هذه المرة قام خامنئى ومجلس صيانة الدستور المكون من ١٢ شخصاً والمسئول عن الموافقة على المرشحين، بإزالة هذه القشرة على نحو علنى حسب تقرير للجارديان، لقد استبعدوا أى شخص يمكن أن يتحدى رئيسى، مما يضمن فوزه بشكل حاسم، وحسب موقع فوكس كانت هذه الإجراءات بمثابة خطوة ضرورية بعد خسارة رئيسى بشكل مفاجئ فى عام ٢٠١٧ أمام الرئيس الحالى حسن روحانى.
وحسب البى بى سى، فإن والد زوجة رئيسى، آية الله أحمد علم الهدى، هو ممثل المرشد الأعلى وخطيب الجمعة فى مدينة مشهد، وساوى علم الهدى بين مقاطعة الانتخابات وترك الإسلام عندما قال : «إن مقاطعة الانتخابات فى إيران بمثابة ترك الإسلام، والذين يقولون إننا لن نشارك فى الانتخابات ليسوا مسلمين».
إن إلقاء نظرة على ماضى رئيسى يوضح لماذا أراد النظام الحالى الدفع به فى منصب الرئيس، وهو ولد فى مدينة مشهد فى شمال شرق إيران، المدينة نفسها التى ينحدر منها خامنئى، ولد لعائلة من رجال الدين وتلقى تعليما دينيا وحصل على مرتبة رجل دين منخفض المستوى، لكنه لم يصل أبداً إلى مرتبة آية الله، وهى أعلى رتبة من رجال الدين الشيعة الإثنا عشرية فى إيران.
وبدلاً من ذلك انضم رئيسى إلى القضاء الإيرانى فى عام ١٩٨١، وبعد أربع سنوات فقط أصبح نائب المدعى العام فى العاصمة طهران، وخلال هذا الدور فى عام ١٩٨٨ قرب نهاية الحرب العراقية الإيرانية، تزعم منظمة العفو الدولية أن رئيسى كان مرتبطا بعمليات القتل خارج نطاق القضاء للسجناء السياسيين، وكتبت منظمة حقوق الإنسان فى عام ٢٠١٣: «قُتل ما بين ٤٥٠٠ و٥٠٠٠ رجل وامرأة وطفل فى صيف عام ١٩٨٨ فى السجون فى جميع أنحاء إيران». جدير بالذكر أن المدافعين عن رئيسى ينفون بشكل كامل تورطه فى عمليات القتل هذه.
وواصل رئيسى صعود سلم السلطة فى إيران، وساعده إلى حد كبير تعيين خامنئى فى عام ١٩٨٩ كمرشد أعلى، ومن بين المناصب الأخرى توليه منصب المدعى العام فى طهران عام ١٩٨٩، والنائب الأول لرئيس المحكمة العليا فى إيران فى عام ٢٠٠٤، والنائب العام للبلاد فى عام ٢٠١٤.
وفى السنوات الخمس الماضية أصبح رئيسى أحد الشخصيات البارزة فى النظام فى البلاد، وفى عام ٢٠١٦ عينه خامنئى رئيس مؤسسة آستان قدس رضوى القوية، وهى مجموعة خيرية مفترضة تدير ضريح الإمام الرضا ومؤسسات أخرى. (عاقبت إدارة ترامب المؤسسة فى يناير بسبب ثروتها الهائلة وعلاقاتها الوثيقة بالمرشد الأعلى).
ثم فى عام ٢٠١٩ عين خامنئى رئيسى فى منصب رئيس السلطة القضائية فى إيران، حيث أعلن أنه سوف يستخدم موقعه لمعالجة الفساد، على الرغم من أن البعض يقول إنه استهدف بشكل أساسى خصومه السياسيين، وفى نفس العام تم انتخاب رئيسى نائباً لرئيس مجلس الخبراء الإيرانى، والذى - بشكل مثير للاهتمام - سيختار المرشد الأعلى التالى بعد وفاة خامنئى.
هذا المشوار السياسى الطموح والسريع كان من الطبيعى أن يسفر فى النهاية عن فوزه بمنصب الرئيس، الأمر الذى سيجعله على الأرجح ثانى أقوى مسئول فى إيران بعد خامنئى نفسه، لكن ما سيفعله بالضبط بهذه القوة ليس واضحاً تماماً حتى الآن.
3- الاتفاق النووى
لم يفصح رئيسى عن الكثير من تفاصيل برنامجه الرئاسى خلال مرحلة الانتخابات، لكن الخبراء يشيرون إلى أنه كان منذ فترة طويلة متحفظاً للغاية بشأن القضايا الداخلية، مثل القضاء على المعارضة السياسية وحقوق المرأة، وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية فإنه لا يزال ينتقد الغرب بشدة.
ومع ذلك فإن الأخبار السارة المحتملة لإدارة بايدن هى أن رئيسى أظهر استعدادا للالتزام ببنود الاتفاق النووى لعام ٢٠١٥، الذى ربط الحد من أنشطة البرنامج النووى الإيرانى برفع العقوبات، قال خلال مناظرة فى ١٢ يونيو: «سنلتزم بالتأكيد بالاتفاقية بالصيغة التى وافق عليها المرشد الأعلى بتسعة بنود، باعتبارها عقدا والتزاما يجب على الحكومات الالتزام به»، وعلى الرغم من حرص رئيسى على مهاجمة الغرب باستمرار إلا أنه يريد أيضا أن يستمر الاتفاق النووى، لكن الخبراء يقولون إن موقف رجل الدين منطقى، فقد سمح خامنئى بالاتفاق الأولى أن يحدث، حيث يساعد رفع العقوبات عن الاقتصاد الإيرانى المتعثر بشكل كبير.