عائشة نصار تكتب: داعش «الإفريقى» .. الوحش القادم

مقالات الرأي




 دعاية داعش تروج لتوسعاته بالقارة السمراء تعويضًا لسقوط «دولة الخلافة» بسوريا والعراق  

التنظيم فى غرب إفريقيا يربح الجولة ضد «بوكو حرام» باصطياد أبوبكر شيكاو

يعيش تنظيم داعش بوسط وغرب إفريقيا «إيسواب» أحد أهم انتصاراته فى المرحلة الحالية، والتى تنذر بمزيد من سيطرة وتمدد نفوذ التنظيم الإرهابى فى القارة السمراء، خاصة بعد أن نجح مؤخرًا فى اصطياد غريمه زعيم تنظيم «بوكو حرام» الوحشى أبوبكر شيكاو، فى مواجهة مسلحة بين التنظيمين شمال شرق نيجيريا.

ولتصبح لداعش بذلك اليد العليا فى المناطق التى كان يسيطر عليها «بوكو حرام»، مع اعتماد التنظيم سياسية التوسع فى منطقة الساحل وجنوب الصحراء، بما يمهد لتحوله إلى مركز قوة إرهابى متصاعد، وشديد الخطورة بإفريقيا، بعد انهيار دولة الخلافة الداعشية فى المعاقل المركزية بسوريا والعراق، فتؤكد مصادر استخباراتية غربية إلى أن «داعش هو الحصان الأقوى الآن» فى إفريقيا، وهو الخطر الذى يهدد دول المنطقة بأكملها.

وكان داعش «الإفريقى» قد أعلن فى تسجيل صوتى منسوب لزعيمه أبو مصعب البرناوى، عن مقتل شيكاو منتحرًا وتفجير نفسه للحيلولة دون وقوعه حيًا فى قبضة داعش، فقال البرناوى: «فضل شيكاو أن يهان فى الآخرة على أن يهان فى الأرض.. لقد قتل نفسه على الفور بتفجير عبوة ناسفة».

الأغرب من ذلك والمفارقة المثيرة للسخرية أيضًا، هى أن وحشية ودموية شيكاو كانت سببًا فى تعقيب أبومصعب البرناوى زعيم تنظيم داعش وسط وغرب إفريقيا «الإرهابى» على مقتله قائلاً: «نحن مسرورون للغاية، لقد ارتكب أعمالاً إرهابية وفظائع لا يمكن تصورها».

ولم تكن هذه المرة الأولى التى يتم الإعلان عن مقتل أبوبكر شيكاو زعيم تنظيم بوكو حرام، غير أن الخبر أصبح باتًا هذه المرة بعد خروج التنظيم بعد أيام يعلن مقتل شيكاو على لسان خليفته على رأس التنظيم.

لتطوى بذلك صفحة أبوبكر شيكاو أبرز زعماء التنظيمات الإرهابية وحشية، بعد أن تسبب فى مقتل مايزيد على ٤٠ ألف قتيل ونزوح ٢ مليون شخص من مناطقهم الأصلية، وأثار رعب العالم باختطاف ٢٧٦ تلميذة فى شيبوك فى عام ٢٠١٤، فيما لا يزال ١١٢ من الفتيات فى عداد المفقودين حتى الآن، واشتهر باستغلال الأطفال فى العمليات الانتحارية للتنظيم تحت تأثير المخدرات.

وكان تنظيم بوكو حرام بزعامة أبوبكر شيكاو قد أعلن مبايعته لأبوبكر البغدادى عام ٢٠١٥، إلا أن العلاقة سرعان ما ساءت بين شيكاو ومركز «الخلافة»، نظرًا للوحشية و»الغلو» الشديد من طرف شيكاو، إلى الحد الذى طال قيادات داعش نفسه، وقتل من بينهم اثنان أثناء أدائهما صلاة عيد الفطر، ماترتب عليه قرار البغدادى بالإطاحة بشيكاو من رأس التنظيم.

وفى عام ٢٠١٦، انقسم تنظيم «بوكو حرام» على نفسه إلى قسمين أحدهما بزعامة أبوبكر شيكاو، والثانى بزعامة أبو مصعب البرناوى، نجل محمد يوسف مؤسس بوكو حرام، والذى أصبح يدين بالولاء لداعش وزعيمه أبوبكر البغدادى.

ونجح البرناوى فى إعادة هيكلة تنظيمه، وإقامة شبكة علاقات ممتدة مع الجماعات الإرهابية الأخرى فى موزمبيق والبحيرات العظمى الوسطى.

مصرع شيكاو إذن يمثل انتصارًا ساحقًا لتنظيم داعش الذى نجح فى القضاء على الزعيم الإفريقى الوحشى الذى طاردته القوات النيجيرية على مدار ١٢ عامًا كاملة دون جدوى، كما أنه ضربة لا يستهان بها لتنظيم «بوكو حرام» الذى من المتوقع أن يشهد حالة عدم التوازن عقب فقد زعيمه، وذلك بعد أن خسر فى الفترة الأخيرة عددا من مناطق نفوذه، وشهد موجة من الانشقاقات فى صفوف قياداته العليا لصالح تنظيم داعش، فضلًا عن أن بعض هذه القيادات تم توظيفها بالاستمرار داخل تنظيم «بوكو حرام» لتعمل على تزويد داعش بالمعلومات «الاستخبارية»، ومنها المعلومات التى قادت فى النهاية إلى الإيقاع بشيكاو نفسه.

وذلك فى الوقت الذى يمتد فيه نفوذ داعش «الإفريقى» للتنظيمات المحلية فى دول القارة، حيث تشير تقديرات استخباراتية وأمنية دولية متداولة أن مقتل شيكاو «رأس» بوكو حرام، قد يكون من شأنه تحول ولاء عدة تنظيمات فى ٥ دول إفريقية فى منطقة الساحل، ومنها موريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، إلى تنظيم داعش. خاصة أن تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية فى قارة إفريقيا، تعمل على العمل على استهداف المناطق الهشة أمنيًا واستغلال حالة الضعف وغياب قبضة الدولة لدى بعض البلدان الإفريقية.

كما يعتمد تنظيم داعش فى وسط وغرب إفريقيا «إيسواب» بزعامة أبو مصعب البرناوى سياسية فى التجنيد والجذب تناقض منهج أبوبكر شيكاو الذى كان ينفر السكان بعمليات الخطف وتفخيخ الأطفال لتفجير الأسواق والأماكن المزدحمة، فيعمل البرناوى على كسب «المجتمعات المحلية» واستمالة المدنيين المسلمين، واستهداف الجيش النيجيرى، فنجح فى تكثيف هجماته والاستيلاء على عدد من القواعد العسكرية، وتوفيرالمزيد من المال والسلاح.

يزداد الوضع سوءًا كذلك بالتزامن مع خطوة مفصلية فى ملف مكافحة التنظيمات الإرهابية فى إفريقيا، بإعلان فرنسا تعليق العمليات العسكرية المشتركة مع القيادة العسكرية التى تحكم مالى حاليًا، وتجميد مشاركتها من قوات برخان المكافحة للإرهاب بإفريقيا، ومنيت فرنسا بخسائر فى الأرواح وصلت إلى ٥٥ جنديل فرنسيا منذ عام ٢٠١٣، حيث أرسلت باريس قواتها إلى مالى التى سيطر الإرهابين على نصف أراضيها. فيما يمثل الوضع فى مالى ومنطقة الصحراء الكبرى خطرًا متصاعدًا، حيث ينجح تنظيما القاعدة، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين بقيادة إياد أخ غالى، فى توسيع نطاق عملياتهما عن أماكن نفوذهما المعتادة وتوثيق صلتهما مع التنظيمات المحلية، استثمارًا أيضًا للعلاقات الإثنية والقبلية، وكذلك الحال بالنسبة لتنظيم داعش فى الصحراء الكبرى صاحب النفوذ القوى والنشط فى مالى النيجر وبوركينا فاسو، بقيادة زعيمه عدنان أبوالوليد الصحراوى.