د. رشا سمير تكتب: أدب أمريكا اللاتينية بين قسوة التجربة وسحر الواقعية

مقالات الرأي




من رحم الظلم يولد الإبداع ومن عتمة الأقدار تولد الحياة ومن باطن الديكتاتورية والقهر تولد الحركات السياسية والثورات..هكذا ولدت الكلمة فى أمريكا اللاتينية لتصبح طلقة حبر تسكن قلب حكام ظلموا واستبدوا طويلا، فمنعوا الشمس من السطوع وأخفوا ضوء القمر فى أكمامهم.

هكذا علمنا التاريخ وهكذا ظهر المبدعون واعتلوا منابر التميز.

من داخل الخنادق ومن أمام فوهة البنادق ولد الأدب اللاتيني، أدب أقلامه هم أبناء الدول التى توارت عنها الحرية طويلا، أدب تشكل من ظلم الحكام وقسوة الديكتاتورية والمعتقلات فى أمريكا اللاتينية..

زمان الاستعمار:

بدأت الفترة الاستعمارية بالاكتشافات الإسبانية والبرتغالية الأولى للعالم الجديد فى أواخر القرن الخامس عشر، وانتهت بحروب الاستقلال بعد أكثر من ٣٠٠ سنة، ومن صور للتعذيب والقهر والتهجير ولد الأدب المبكر لهذه الفترة وهى فترة الاستعمار، إذن كان بكل بساطة رد فعل أو نتاجًا ثريًا لكُتب التاريخ والقصص التى كتبها الجنود والمنصرون الذين وصفوا ما شاهدوه من مناظر طبيعية جديدة وحضارات مختلفة، فمزج المؤلفون الخيال الشديد بالواقع فى وصفهم لواقع عاشه آباؤهم وعاشوه هم بشكل أو بآخر.

بدأت معظم مستعمرات أمريكا اللاتينية القتال من أجل استقلالها عن إسبانيا والبرتغال فى أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، وقد أدىّ العداء ضد القوى الاستعمارية إلى ما يسمى بحروب الاستقلال التى بدأت عام ١٨١٠م واستمرت لمدة ستة عشر عامًا، فألهمت الشعراء، فنظموا الشعر وفن القصة القصيرة والرواية الذى انتقد وبشكل واضح القوى الاستعمارية، وربما كانت رواية الببغاء الغاضب (١٨١٦م) للكاتب خوزيه خواكين فيرناندز دولزاردى أول رواية صدرت عن أمريكا اللاتينية.

2- الواقعية السحرية:

ظهرت أساليب كتابة عديدة منذ القرن الثامن عشر، وظهرت الواقعية كحركة أدبية تطورت فى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، حيث حاول الكتاب فيها تصوير الواقع الظاهرى بطريقة مفصّلة وموضوعية، وتُظهر أعمالهم أثر البيئة الاجتماعية فى الناس، ولقد استعمل بعض الكتاب شكلاً من الواقعية أشد صرامة وتشاؤما عُرف باسم الطبيعية.

ومن قادة الحركة الواقعية فى أدب أمريكا اللاتينية الروائيون ألبرتو بلَسْت غانا وبَلْدوميرو ليلو من تشيلي، وكلورنداماتّو دو تيرنر من بيرو، ويوجنيو كامباسيريس من الأرجنتين.

3- الحداثة

تعدُّ الحداثة التى دامت من نحو ١٨٨٨م حتى عام ١٩١٠م واحدة من أبرز الفترات الأدبية فى أدب أمريكا اللاتينية، وكان الشعراء هم أهم الكتاب فى تلك الفترة، أصبحت أبيات الشعر هى المحرك والمعبر الرئيسى عن أوجاع وأحلام شعوب ذاقت القهر.

تطور الأدب الأمريكى اللاتينى منذ الخمسينيات من القرن العشرين وهو كان بداية الاهتمام العالمى بالروائيين بشكل عام، أمر ربما لم يسبق له مثيل فى فترات سابقة، حيث أُطلقت كلمة «ازدهار» على العدد الكبير من الروايات المهمة التى أنتجها هؤلاء الكتاب.

أصبح هذا هو أهمُّ تطور فى الأدب الأمريكى اللاتينى ومع الوقت أصبح هو البصمة الحقيقية التى صنعها كتاب تلك الدول لأنفسهم، منذ الخمسينيات من بداية القرن العشرين هى فكرة الاهتمام بالروى والحكى أى الاهتمام بالرواية، وهو ما لم يكن موضع اهتمام بشكل كبير قبلا.

خلف ظاهرة «ازدهار» روائيين كثر هم كارلوس فونتيس من المكسيك، وخوليوكورتازار من الأرجنتين، وماريو فارغاس يوسا من بيرو، وجابرييل جارسيا ماركيز من كولومبيا..

لجأ هؤلاء المبدعون إلى الرمزية والاختراع الأدبى فى طريقة الحكى ليعبروا بكل قوة عن تراثهم الثقافى وهويتهم وليقدموا حكايا من تلك الثقافات البعيدة إلى بشر لم يسمعوا عنها من قبل. كما مزجوا الخيال الجامح بالحقيقة الواقعية مستعملين الأزمنة والأمكنة بين صفحات الرواية، أدى الازدهار إلى أسلوب يُعرف بالواقعية السحّرية وفيه تمتزج الأحلام والسحر بالواقع اليومي، وهو ما اشتهر به المبدع جابريل جارسيا..ومن بعده الكثيرون..

يتوج اليوم الأدب اللاتينى بمبدعين متفردين مثل باولو كويلو وإيزابيل الليندى وغيرهما.

الأمثلة كثيرة، والإبداع لا ينقطع، ولكن دعونا نسلط الضوء على البعض عل النور يصل للجميع.

4- جوليان فوكس:

فوكس كاتب برازيلى ولد فى ساو باولو ثم هاجر مع أبويه إلى الأرجنتين عقب ما عانوه من ديكتاتورية عسكرية.

تنتمى كتاباته إلى فئة الواقعية السحرية التى اشتهر بها الكاتب الشهير جابريل جارسيا ماركيز.

عمل فوكس فى بداية حياته فى صحيفة فولها دى ساو باولو، ثم صدر كتابه الأول عام ٢٠٠٤. أصدر منذ ذلك الحين العديد من الكتب وفاز بعدد من الجوائز الأدبية. روايته «مقاومة» التى صدرت عام ٢٠١٥ فاز فيها بجائزة جابوتى لكتاب العام (٢٠١٦)، وجائزة خوسيه ساراماغو الأدبية (٢٠١٧) وجائزة آنا سيغيرز (٢٠١٨)..كما تمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية بواسطة دانيال هان، ومن ثم ترجمتها إلى العديد من اللغات منها العربية الصادرة عن (دار مصر العربية للنشر والتوزيع) عام ٢٠١٩ فى ٢٠٤ صفحات وقام بترجمتها إلى العربية د.سيد واصل.

أشهر رواياته هى مقاومة التى تدور حول مفهوم التبنى ونظرة المجتمع لأخيه بالتبنى وكيف عانى هذا الإنسان من عقبات نفسية، وبالتوازى تظهر قصة الأب والأم اللذين هاجرا من الأرجنتين إلى البرازيل فى معاناة حقيقية ضد ديكتاتورية واستبداد.

إيزابيل الليندى:

إيزابيل الليندى كاتبة وصحفية، ألّفت عشرين كتاباً تُرجمت أغلبها إلى العديد من اللغات وبيع منها ما يقارب الخمسة وستين مليون نسخةً حول العالم.

تعتبر واحدة من أهم كاتبات أمريكا اللاتينية بل ومن أهم الكاتبات على مستوى العالم.

تقع كتاباتها فى إطار الواقعية السحرية التى تجمع بين الواقع وعناصر مفاجئة من الخيال، أصبحت إيزابيل ناشطة فى مساعدة ضحايا نظام القمع والكبت الذى مارسه الجنرال أوغستو بينوشيه على شعب تشيلي، تقول إيزابيل عن نفسها: «بدأت الكتابة فى سن تتجه فيها النساء التشيليات عادة إلى حياكة الجوارب لأحفادهن».

من أشهر أعمال الليندى (بيت الأرواح- ابنة الحظ- صورة عنيفة- الجزيرة تحت الماء- مدينة البهائم- دفتر مايا- الخطة اللانهائية- الحب والظلال- أفروديت- مملكة التنين الذهبى).

من أجمل أقوال إيزابيل هى تلك المقولة التى تلخص استبداد الحكام:

«ما لا يمكن غفرانه هو أن الأمهات بالذات هن اللواتى يعززن النظام ويمنحنه الديمومة بتربيتهن أبناء متعجرفين وبنات مستعبدات؛ ولو أنهن اتفقن فيما بينهنعلى عمل ذلك بطريقة أخرى لاستطعن القضاء على تسلط الذكور خلال جيل واحد».

5- لاورا إسكيبيل:

تعتبر الكاتبة المكسيكية لاورا إسكيبيل ضمن قائمة الكاتبات البارزات فى أدب أمريكا اللاتينية، تحديدا بعد صدور روايتها (كالماء للشيكولاتة)

استخدمت الكاتبة لورا إسكيبيل فى كثير من أعمالها حركتين أدبيتين مهمتين وهما الواقعية السحرية والحركة النسوية.

كما حصلت على العديد من الجوائز أهمها جائزة كتاب العام لبائع الكتاب الأمريكى ABBY، والتى منحت لأول مرة لكاتبة غير أمريكية وحصلت عليها فى عام ١٩٩٤ فى الاتحاد الأمريكي، وجائزة أفضل رواية مترجمة إلى البرتغالية.

وحصدت بالإجماع عن لقب امرأة العام من قبل الصحافة الوطنية للمكسيك فى عام ٢٠٠٦ فى مهرجان السنيما

6- ماريو فارغاس:

كاتب من بيرو وحاصل على جائزة نوبل فى الأدب لعام ٢٠١٠، معروف بمكانته فى حركة «ازدهار» فى أمريكا اللاتينية، كما أنه سياسى وصحفى وبروفيسور جامعى، يُعد بارغاس يوسا واحدًا من أهم روائيى أمريكا اللاتينية وصحفييها، وأحد رواد كتّاب جيله.

صدرت أولى رواياته فى عام ١٩٦٣، وهى رواية تستند بجدارة إلى تجاربه فى مدرسة عسكرية فى ليما، حيث تمت الإشادة بها إشادة واسعة النطاق بما فى ذلك حصوله المستحق على جائزة أدبية إسبانية.

فى عام ١٩٨١، حازت رواية فارغاس يوسا الأولى «حرب نهاية العالم» على اعتبارها من أكثر أعماله طموحًا ونجاحًا.

وفى عام ٢٠٠٠، حاز فيلمه السياسى «عيد الماعز» على استحسان النقاد والمشاهدين لكونه فيلما مختلفا أضاف إلى دوره الإبداعى.

من أشهر رواياته (حفلة التيس) (امتداح الخالة)، (قصة مايتا).