منال لاشين تكتب: ورطة الحكومة فى أزمة أحمد هيكل
منعه من السفر أفسد نتائج مؤتمر شرم الشيخ للترويج للاستثمار
ملياردير عربى تعرض لنفس الموقف بسبب قضية لا يعلم عنها شيئًا
لا تخلو قائمة أقوى رجال الأعمال العرب أو أهمهم من اسم رجل الأعمال المصرى الدكتور أحمد هيكل، سواء كانت هذه القوائم من إعداد الأجانب أو العرب فإن أحمد هيكل يحل ضيفا دائما على هذه القوائم.. وهناك بالطبع ما يبرر هذه الضيافة الممتدة، فشركة القلعة التى يرأسها هيكل حققت إيرادات العام الماضى ٣٤ مليار جنيه، ولها أكثر من ٣٠ شركة فى مصر ودول عربية من بينها السودان.
وأحمد هيكل يمثل نموذجًا للرأسمالى الكبير، ومع أنى ضد الرأسمالية كفكر اقتصادى، إلا أننا رضينا فى مصر أن نعيش فى عباءة هذا الفكر.. ونفتح الأبواب أمام أهل البيزنس، ولذلك فإن ما حدث مع أحمد هيكل يوم الأحد الماضى يجب أن يطير النوم من عين كل المسئولين عن الاستثمار وجذب المستثمرين، ويجعلنا نعيد النظر فى بعض الإجراءات
1- منع سرى
لمن لا يعرف أحمد هيكل فهو رئيس شركة القلعة القابضة للاستثمار، تشارك الشركة وتدير أكثر من ٣٠ شركة، وحققت القلعة فى العام الماضى إيرادات بنحو ٣٨ مليار جنيه، وشركاتها موزعة فى مصر وبعض الدول العربية.
ويوم الاثنين الماضى ارتدى أحمد هيكل ملابسه وذهب للمطار ليأخذ طائرة خاصة للسودان لحضور اجتماع مجلس إدارة شركة أسمنت تشارك فيها القلعة بنسبة ٥٠٪ والشركة حققت العام الماضى مبيعات بنحو ١١٠ ملايين دولار.
ولكن هيكل عاد لبيته بعد أن أبلغ أنه ممنوع من السفر، وبعد البحث عرف رجل الأعمال أن سبب المنع هو صدور حكم غيابى ابتدائى فى قضية شيك بدون رصيد بـ ٤ ملايين دولار.. وبالطبع هذا المبلغ يمثل ثروة لأمثالنا، ولكن لا يمثل مشكلة بالنسبة لأمثال أحمد هيكل، فإذا كانت إحدى شركات المجموعة حققت إيراد فى عام ١١٠ ملايين دولار، فإن الـ٤ ملايين دولار تعد «فكة» بالنسبة لشركة بهذا الحجم ومع المنع قامت الدنيا، كل وكالات الأنباء العربية والأجنبية المهتمة بالاقتصاد نشرت الخبر، وعرف كل مستثمر عربى أو أجنبى الحكاية.
أما داخل مصر فقد انخفض سهم القلعة بأسرع وتيرة هبوط خلال شهرين، والسهم فى البورصة ملك لناس عادية سمعت كلام الحكومة ودخلت البورصة بفلوسها القليلة سعيا لربح مشروع.
الأسوأ من ذلك أن خبر منع أحمد هيكل من السفر غطى مع شديد الأسف على أعمال ختام مؤتمر وكالات الترويج للاستثمار فى إفريقيا الذى انعقد فى مصر بمدينة شرم الشيخ.
2- دعاية مضادة
خبر منع هيكل من السفر بسبب قضية شيك لم يصدر فيها حكم نهائى، والحكم غيابى، وعدم معرفة رجل الأعمال بقرار المنع يعد مثلث دعاية مضادة لكل ما مثله مؤتمر شرم الشيخ، فالحكومة بلغت مجهودا كبيرا فى شرم للترويج للاستثمار بمصر، وإن مصر بوابة إفريقيا، وعقدت الحكومة الندوات ورتبت لقاءات بين رجال الأعمال المصريين ونظرائهم فى إفريقيا، ولكن قصة المنع التى طيرتها وكالات الأنباء صدمت الجميع، وأخذت الكثير من المجهود والنتائج لمؤتمر شرم الشيخ.
تخيل نفسك يا محترم رجل أعمال إفريقى أو عربى أو أجنبى، وتفكر فى تحمل نسبة من أموالك وأعمالك لمصر، فإذا بك تفاجأ بأنه يمكن أن تمنع من مغادرة مصر لمجرد قضية شيك بدون رصيد، وربما لا تعلم بأن هناك قضية ضدك من أساسه.. تخيل انك تستعد للعودة إلى بلدك أو السفر لبلد آخر، فإذ بك تعلم فى المطار بأنك ممنوع من السفر، هل ستظل على قناعة بأن الاستثمار فى مصر أفضل أم ستراجع نفسك مائة مرة قبل اتخاذ القرار.
إن جذب الاستثمارت الأجنبية لا يتوقف فقط على موقع مصر الجغرافى أو المزايا التى تقدمها الحكومة للاستثمار، وإنما يتطلب فى الأساس توفيرًا مناخًا آمنًا ومستقرًا لهذا الاستثمار.
3- إعادة نظر
اعتقد أن قضية رجل الأعمال أحمد هيكل يمكن أن تكون مدخلا مناسبا لإعادة النظر فى إجراءات وأسباب المنع من السفر.
مبدئيا لست ضد معاقبة أى رجل أعمال أو أى مواطن يخالف القانون، واللى يغلط نقطع رقبته، وما دون ذلك يجب أن نناقشه بهدوء وبعيدا عن التهويل أو التهوين، فأى مواطن معرض لهذا الموقف، وأن يكون طرفا فى قضية لا يعرف عنها شيئا ويصدر ضده حكم غيابى ويتم وضع اسمه فى قوائم المنع من السفر، ولا يعرف بالقرار إلا لحظة وصوله المطار، ويزداد الأمر تأثيرًا على الاقتصاد لو حدث هذا الأمر مع مستثمر عربى أو أجنبى، لأنه يمثل أسوأ دعاية للاستثمار فى مصر.
ولذلك أدعو أن نعيد النظر فى إجراءات وأسباب المنع من السفر خاصة فى الأحكام الغيابية وغير النهائية، وأرجو أن يجد القائمون على تنفيذ القانون وأهل العدالة آلية لإعلام الممنوعين من السفر، لأن معرفة المواطن بأنه ممنوع من السفر يمكن أن تنقذه فى الوقت المناسب وتوفر عليه الموقف المحرج فى المطار.
ولا يتعلق هذا الأمر برجال الأعمال أو المشاهير فقط فأى مواطن من حقه أن يعرف أنه سلب حقه الدستورى فى التنقل والسفر، ويمكن أن نعيد التفكير فى الإجراءات دون إخلال أو مساس بحق النيابة العام أو النائب العام باتخاذ قرارات المنع من السفر طبقا للقواعد القانونية.
ولو كنت مكان الحكومة والدكتور مصطفى مدبولى لخصصت جانبًا من أول اجتماع للحكومة لبحث هذه القضية، لأن الحكومة هى أكبر خاسر فى قصة منع رجل أعمال كبير من السفر بعد أقل من يوم من مؤتمر إقليمى للترويج للاستثمار فى مصر.
وأظن أن الدكتور مصطفى مدبولى لو سأل لعرف أن هذا الموقف تتكرر من قبل مع رجل أعمال عربى شهير جدا ومن وزن الملياردير وله مشروعات كبرى فى مصر، ولكن الحكاية مرت بسلام ودون أن تصل للإعلام.