منال لاشين تكتب: جمهورية جديدة ومواطن قديم

مقالات الرأي




أتابع عن كثب ما يكتب أو يعرض من مشروعات قومية كبرى ومتعددة وعلى رأسها العاصمة الإدارية التى ستصبح المركز الجديد للجمهورية الجديدة، ولكن أهم شرط لانطلاق الجمهوريات أو المجتمعات الجديدة لا أجد له صدى فى كل الكلام عن الجمهورية الجديدة، وأعنى الطبقة المتوسطة عماد المجتمع وسر قوته وانطلاقه واستقراره.

ولمن لا يعرف فإن تحضر وتقدم الأمم الجديدة والقديمة يقاس بنسبة الطبقة المتوسطة فى المجتمع، فكلما زادت نسبة الطبقة المتوسطة ارتفع معدل هذا المجتمع تصاعديا نحو التحضر والمستقبل الأمن، فالطبقة المتوسطة هم الأطباء والمهندسين والتجار وأساتذة الجامعات والموظفين فى القطاعين الخاص والحكومى،

الطبقة المتوسطة هى راعية القيم فى المجتمع، وهى التى تحسم توجهات المجتمع وشكله، وهى التى تفرض الجمال والانضباط على سلوك المجتمع

ولذلك لا يتصور الحديث أو بناء جمهورية جديدة مع تجاهل تغيير قيم الطبقة المتوسطة لتلائم المجتمع أو بالأحرى الجمهورية الجديدة، بحيث ندعم القيم الإيجابية، ونحاول تغيير أو تعديل القيم السلبية فى المجتمع.

ولكن قبل هذا وذاك أعتقد أننا كدولة وحكومة ومجتمع مدعون إلى مهمة عاجلة للحفاظ وإنقاذ الطبقة المتوسطة المصرية من الانهيار والسوس الذى ينخر بقوة مستمرة ومؤلمة وصادمة وطاردة للنخب فى الطبقة المتوسطة.

فلا يمكن تجاهل أن أفضل عناصر وشباب هذه الطبقة تهاجر إلى خارج مصر بحثا عن فرصة معيشة أفضل وفرص تشغيل أكثر كفاءة وعدالة.

ولا يمكن تجاهل أن الطبقة المتوسطة تتحمل تقريبا كل دفع كل فواتير احتياجاتها،، من أول ولادة الأطفال فى مستشفى خاص وشراء اللبن غير المدعم، إلى الطبيب والمستشفى الخاص إلى المدرسة والجامعة الخاصة، وبالطبع تسكن هذه الطبقة فى شقق لم تدعمها الحكومة بجنيه، كما أن هذه الطبقة تدفع فواتير الكهرباء والبنزين والمياه غير مدعمة، ثم تدفع الضرائب.

ولا يمكن إنكار أن هذه الطبقة تحملت فاتورة الإصلاح الاقتصاى كاملة، وذلك من خلال ارتفاع جنونى ومتكرر ومستمر فى أسعار السلع والخدمات فى مصر.

كما أن هذه الطبقة لا تجد من يقدم لها فنا أو إبداعا يلائم قيمها وظروفها الاقتصادى، فالنوادى أسعارها أصحبت خارج مقدرة الطبقة المتوسطة، وفرص الترفيه محصورة فى مطاعم وكافيهات ومولات تقدم الخدمة بأسعار لا تناسب أبناء هذه الطبقة.

وفضلا عن كل ذلك فإن الانتماء لهذه الطبقة لم يعد يثير فى النفس سوى الشفقة أو السخرية، ولذلك فقدت الطبقة المتوسطة أو ما بقى منها سحر وفخر الانتماء لها. ولذلك يجب أن نعيد التعامل مع الطبقة المتوسطة لنجدد دماءها وتستعيد مكانتها ورونقها وسيطرتها على حركة ومسار المجتمع الجديد فى الجمهورية الجديدة، فالجمهورية الجديدة لا غنى عنها عن طبقة متوسطة متعافية قوية قائدة للمجتمع، وبدون خطة إصلاح عاجلة لأحوال الطبقة المتوسطة فإن أى حديث عن الجمهورية الجديدة ينقصه القوة البشرية القادرة والقائدة فى هذه الجمهورية، وما أشبه هذا التناول الناقص ببناء بديع ورائع ولكنه يقوم بدون أعمدة تواجهة الصدمات والعواصف.

نحن لا نريد جمهورية جديدة ومجتمع قديم.
 
نحن نريد جمهورية جديدة بمشروعات عملاقة جديدة ومدن جديدة وطبقة متوسطة جديدة تقود المجتمع نحو المستقبل.