د. رشا سمير تكتب: الأسطورة الزائفة والحقيقة الراسخة

مقالات الرأي




نحن كمصريين شعب عريق عظيم نعتز بمصريتنا وهويتنا..ونشعر على كل أرض نذهب إليها بالمسئولية تجاه وطن استحق منا أن نرفع اسمه عاليا.. فمصر بحق وطن يعيش فينا وليس مجرد وطن نعيش فيه..

يكفى أن تذهب إلى أى دولة وتقول أنك مصرى، فتنال قدرا من الاحترام والمحبة ما يوازى حضارة ومكانة مصر العالية الغالية فى قلوب الجميع..

من المؤكد أن واجهة أى دولة وثروتها الحقيقية هى شعبها..ثقافته، مظهره الحضارى، تاريخه وانتماؤه لوطنه.

ربما تبدو هذه المقدمة غريبة بعض الشىء إلا أنها ضرورية لما أريد أن ألقى عليه الضوء فى السطور القادمة.

البشر فى مصر نوعان..نوع لا يهمه سوى أحلامه وطموحاته وما سوف يستفيده من الدولة..ونوع هو واجهة الدولة فى كل المناسبات ولا يعمل سوى لرفعتها دون أن يكون له مطمع فى منصب سياسى أو أدبى، فعشقه لتراب هذا الوطن يدفعه للعمل دون انتظار لمكافأة رد الجميل..

طالما استوقفنى نموذج نجم الكرة محمد صلاح الشاب البسيط الذى بدأ حياته من قرية نجريج التابعة لمدينة بسيون، شاب لديه حُلم وطموح، عاندته الدنيا وتمسك بحلمه، تنقل بين الأندية، رفضه من رفضه وكسره من كسره وهمشه من همشه..وبقى الحُلم..

بقى بداخله حلم واحد أن يصبح أسطورة كرة القدم..تعلم لغات وقضى ساعات فى التمارين ولم ينس أن الله يراقبه يوما..فأكرمه الله بدرجة لم يحلم بها ونجاح لم يطمح إليه، ومنحه قبولا عند الناس ومحبة عند الأهل واحتراما بين الكبار.

عندما وصل صلاح إلى القمة، أصر على أن القمة مازالت أعلى، ومازال حتى اليوم يجتهد ويحلم ويسعى لقمة بعد قمة..لم يتاجر يوما بما يملك ولم يتعال على مخلوق وظلت تلك الابتسامة الطفولية على وجهه هى عنوان نجاحه ومحبة البشر.. لم ينس أبدا أهله وأصدقاءه، لم يتنكر يوما للحوارى والأزقة بل كان يصطحب ابنته إلى مسقط رأسه كلما جاء إلى القاهرة مفتخرا بأصله.

أصبح محمد صلاح مع الوقت سفيرا لمصر فى الخارج، شاب أجبر أكبر دولة عنصرية فى العالم على احترام الدين الإسلامى وعلى احترام زوجته المحجبة وعلى التصفيق له وهو يرتدى علم مصر عقب كل تتويج.. أراه فى كل مكان بمصر يلتقط الصور أمام الهرم وفى الأماكن السياحية وينشرها على حسابه مفتخرا بوطنه وهذا ما يؤكد على محبته لوطن لم يكن له يد فى وصوله للعالمية..الحقيقة أن محمد صلاح وصل إلى ما وصل إليه بمجهود فردى، وبالتالى فرد الجميل لمصر ينبع من أخلاقه ومحبته لبلدنا الغالى.

على الصعيد الآخر أجد الممثل الشاب الذى بدأ حياته من بيت متواضع فى الجيزة..وبدأ تقديم الأدوار الثانوية فى المسلسلات والأفلام، إلى أن ترعرت موهبته وأثبت أنه ممثل جيد يمتلك أدوات قد تمنحه مقعدا بجوار الفنانين الكبار فقط إذا استطاع أن يقدم الأفضل.

حاول ووصل إلى قمة النجاح ولكن على عكس صلاح، تصور أن هذه القمة هى آخر المطاف فلم يسع وراء المزيد من القمم بل بات يبحث عن الدولارات والسيارات والمنظرة الفارغة.. أصابته الآفة التى لا علاج لها.. الغرور!.

ومن الكبر ما قتل..فحين تتكبر النفوس وتنهزم الأخلاق يسقط البشر بنفس السرعة التى صعدوا بها.. تحولت فيديوهاته وأغانيه إلى محاولة للتباهى، وتحول لهاثه وراء الحفلات والدولارات هدفًا أوحد حتى لو كانت الدعوة وراءها عدو صهيونى اغتصب الأراضى والأعراض.

للأسف لقطة يكررها كل يوم، عنوانها (الجنيه غلب الكارنيه)!.

هكذا تحول كل الحب فى قلوب البشر من ناحيته إلى ذم وسب، وأصبح واجهة لا يتشرف بها وطن كبير عظيم مثل مصر..

نعم..تعمدت ألا أذكر اسمه، لأن أدوات التعريف فى اللغة العربية هى تعريف للأشياء والأشخاص للدلالة عن أهمية الشىء، وترك الأشياء دون أداة تعريف تجعلها مجرد اسم «نكرة»!.

كلاهما ناجح..وكلاهما يمتلك المال..وكلاهما يشار له بالبنان، ولكن هما وجهان لعملتين وليس لعملة واحدة..لأن عملة الاحترام والأخلاق عملة نادرة لم يعد لها وجود..

واجهة مصر وسفراؤها فى الداخل والخارج هم صورة لرُقى الدولة، فأرجوكم لا تجعلوا الواجهة هشة حتى لا يتم هدمها بالحجارة!.