بطرس دانيال يكتب: دع الخلق للخالق
يُعلّمنا السيد المسيح هكذا: «لا تَدِينوا لِئَلاّ تُدانوا، فكَما تَدينونَ تُدانون، ويُكالُ لكُم بِما تَكيلون» (متى ١:٧-٢). إنها آفة العصر: التطاول، مَن يتصفح ويتابع وسائل التواصل الاجتماعي؛ يشعر بمرارةٍ وحُرقة لِمَا يجده من تطاول وإهانة لرموزٍ كثيرة. فهناك جماعة أو فئة من السطحيين وأصحاب الذكاء المحدود، الذين لا تتسع عقولهم إلى استيعاب أكثر من التطاول على الغير، والابتذال فى الكلام ضد الجميع سواء الذين يقومون بأعمالٍ حسنة أم لا. كما أنهم يتبادلون فيما بينهم الإساءة والتجريح للغير، وإن وَجَدوا فضائح لأشخاصٍ يُسرعون إلى فضحها ونشرها عَبر وسائل التواصل الاجتماعى، ويعتبرون هذا ما يمنحهم بعض العزاء ويُخدّر تأنيب ضمائرهم، ويتلمّس لهم العذر أمام المجتمع لِمَا يفعلونه من مصائبٍ وفضائح فى حياتهم اليومية. كل هذا يذكّرنا بالقصة التى تحكى لنا أن سيداً متسلطاً، يظلم الناس ولا يحترم غيره، أمر أحد عبيده بأن يزرع الحقل الذى يمتلكه بشجر التفاح، ولكنه ذهب فزرعه بالبطاطس، وعندما حضر ذلك السيد فى وقت الحصاد رأى البطاطس تملأ الحقل، فسأله: «ألم آمرك بأن تزرع شجر التفاح فى هذه الأرض، فلماذا إذاً زرعت البطاطس؟» فأجابه: «يا سيدى لقد زرعتُ البطاطس، على أملٍ أن أحصد شجر التفاح!». فقال له سيده: «أنت مجنون وأحمق! هل سمعتَ طوال حياتك شيئاً من هذا القبيل؟» فأجابه: «نعم يا سيدى. فأنت نفسك تزرع دائماً بذور الشر فى كل مكانٍ وزمان، ومع ذلك تنتظر بكل أملٍ أن تحصد ثمار الخير والفضائل فى هذه الدُنيا والحياة الأبدية، فلذلك اعتقدتُ أنا أيضاً فى جنى التفاح نتيجةً لزراعتى البطاطس!». فخجل سيده للتو من هذا الجواب القاطع، حتى أنه أمر بإطلاق سراحه فى الحال ليعود لأسرته. كم من أمثال هذا السيد الذين يقومون بإهانة الكبير والصغير، القوى والضعيف، الصالح والطالح، حتى أن كثيرين ينساقون وراءهم بتعليقاتهم الجارحة ومجاملاتهم التى لا معنى لها؟ وما أكثر هؤلاء الذين يختلقون الفضائح على وسائل التواصل الاجتماعى، إن أعيتهم الحيلة فى العثور عليها فى عالم الواقع؟ كم من تعليقات وكتابات تخوض فى شتى الأحاديث التافهة، فلا هى تنضب، ولا هم منها يشبعون، ولا هدف منها سوى انتقاد هذا والسخرية من ذاك؟ ويعود السبب فى ذلك، هو أن الإنسان الضعيف والفاشل المجرّد من الأخلاق، يذمّ كل فضيلة، لأنه عاجزٌ عن اكتسابها أو القيام بعمل الخير، فيلجأ إلى حيلةٍ مخجلة وهى ذم أهل الفضل أو السخرية منهم، على أمل أن يتراجعوا عن سلوكهم الحسن ويصبحون مثله، وفى ذات الوقت يجد التعزيّة عن تقصيره. وكما نقرأ فى القول المأثور: «الإشاعة.. يؤلّفها الحاقد، وينشرها الأحمق، ويصدّقها الجاهل». لكن يجب علينا ألا نُعطى أهميةً أو اهتماماً لِما يقولونه، أى يجب ألا نُعيرهم انتباهاً، فالشخص الواثق من أعماله الحسنة، لا يهتم إلا بإرضاء ضميره، والتمسّك بما يمليه عليه الواجب، لأن الله يعلم ما بداخل الإنسان. نعلمُ جيداً بأن هناك أشخاصاً حكماءً يتمنّون لنا الخير، ولكنهم فى بعض الأحيان يوجّهون لنا بعض الانتقادات والملاحظات، فلا نتضايق منهم ولا نأخذ موقفاً تجاههم؛ بل نسعى لإصلاح أنفسنا، ولكن الحاقدين الذين يضيّعون وقتهم فى التجريح والسخرية من الجميع، فلا نُعيرهم انتباهاً، بل نتركهم للزمن لأنه كفيل بهم وسيُسقط حتماً القناع الكاذب الذى يرتدونه، حتى أنهم سيتعرّون أمام المخدوعين فيهم، ولا ننسى قول السيد المسيح: «الوَيلُ لكُم إذا مَدَحَكم جَميعُ النّاس» (لوقا ٢٦:٦). مما لا شك فيه أن المديح الصادق الذى نفتخر به، يأتينا من أهل الفضل والنفوس الشريفة، فهم يمدحوننا لخيرٍ أتيناه حقاً، بهدف تشجيعنا على الاستمرار فيه. كما أننا نصطدم فى حياتنا بأشخاصٍ يكيلون بمكيالين: واحداً لأنفسهم والثانى للآخرين، ويعتبرون كل ما يفعلونه هو حسنٌ، ولكن إن صدر نفس الشيء من غيرهم فهو شرٌ، فهذا دليل على قلبٍ فاسدٍ ونفسٍ ضعيفة، وهؤلاء مثل الحيّة التى لا تستطيع أن تحتفظ بشرّها وسمّها، فتلدغ من تصادفه لتفرغ فيه هذا السم؛ وكثيراً ما يكون أمثال هؤلاء كاذبين فى نقل الكلام، وهدفهم الأول والأخير تشويه صورة الآخرين وزرع الخصام والحقد بين الناس، والتفريق بين القلوب المُحِبّة، وهؤلاء لا هدف لهم فى الحياة غير التجوال هنا وهناك والثرثرة من غير طائل، وهذا دليل على فقرهم النفسانى وإفلاسهم الأخلاقى. ونختم بقول أحد المفكرين فى هؤلاء: «إن يعلموا الخير أخفوه، وإن علموا شراً أذاعوه، وإن لم يعلموا كذبوا».