«يديعوت أحرونوت» العبرية فى تقرير مفصل.. لماذا تفوق شعبية وخبرة وزراء خارجية أمريكا رؤساء الدولة؟

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر



ما السر وراء إيداع الملفات السياسية المهمة والحساسة فى أيدى من يشغل منصب وزير الخارجية الأمريكية؟.. هذا السؤال تناولته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية فى تقرير مفصل فى محاولة لكشف النقاب عن هذا المنصب الرفيع والغامض فى الإدارة الأمريكية، والذى لعب بعض من شغلوه دوراً بالغ الأهمية فى تشكيل سياسة الشرق الأوسط والعالم لسنوات طويلة وربما لعقود، فى الوقت الذى عجز فيه رؤساء الولايات المتحدة عن حل أبسط الأزمات التى واجهتهم طوال فترة ولايتهم.

التقرير بدأ بالإشارة إلى وزير الخارجية الأمريكى الحالى «أنطونى بلينكين»، وأوضح أن ذكاء وحكمة وخبرة وزير الخارجية الأمريكى ليست محل شك على الإطلاق، ومن المحتمل أن يتم امتداحه وتحويله إلى أسطورة أمريكية فجأة بين يوم وليلة، لكنه على الرغم من ذلك ليس من طينة وزراء الخارجية الكبار، وربما يرجع ذلك إلى ضعف ثقله السياسى.

وهناك على ما يبدو سبب وجيه فى إيداع الولايات المتحدة منذ أكثر من ٢٣٠ عاماً، ملف شئونها الخارجية فى يد وزير الخارجية، فصاحب هذا المنصب كان ومازال أكبر من مجرد وزير خارجية، ومن المفترض أن يكون أكبر مسئول بين أعضاء المجلس الوزارى المصغر، ولم يكن من قبيل المصادفة أن خمسة من أصل الثمانية رؤساء الأوائل للولايات المتحدة شغلوا منصب وزير الخارجية فى الإدارات السابقة، وعدد كبير ممن وزراء الخارجية بعد ذلك سعوا لأن يتم انتخابهم ليصبحوا رؤساء فيما بعد، وتم اعتبارهم ضمن أعظم رجال السياسة فى عصرهم.

وعندما كان يرغب رؤساء الدولة فى تعيين وزراء خارجية لإداراتهم، كانوا يجدون دائما ضالتهم فى السيناتورات وعُمد الولايات الأمريكية، وليس من بين أعضاء السلك الدبلوماسى المخضرمين.

بدأ الامر يتغير بعض الشىء بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ربما بعد تفضيل رؤساء الولايات المتحدة إدارة السياسة الخارجية بأنفسهم، وعدم احتياجهم لوزراء خارجية أصحاب قوة مستقلة.

وخلال عهود الرؤساء ترومان وايزنهاور، وكيندى وجونسون، وكارتر، وكلينتون، وبوش الابن، بدأت تظهر وتتشكل الشخصية الدبلوماسية الأولى، وهى الشخصية أو العبارة التى تم صناعتها لوصف وزير الخارجية، وبدا هذا الأمر ذ قدر من الأهمية، لكن هذه الشخصية لم يكن لها تأثير يُذكر نظراً لافتقادها للثقل السياسى.

كان أكثر وزراء الخارجية الأمريكيين الذى تركوا بصمة واضحة فى عصرنا الحديث هما هنرى كيسنجر الذى شغل المنصب فى عهدى نيكسون وفورد من ١٩٧٣ وحتى ١٩٧٧، وجيمس بيكر الذى شغل المنصب ذاته خلال عهد جوروج بوش الأب فى الفترة من ١٩٨٩ حتى ١٩٩٢، كان كيسنجر باعث ومحرك للظروف والأسباب، ونجح بهذا الأسلوب فى إجبار إسرائيل ومصر وسوريا على التوقيع على اتفاقيات، وهناك شك فى إمكانية نجاح شخص غيره فى هذا الأمر.

أما جيمس بيكر فكان يتميز بنوع من الوعى والإدراك السياسى النادر، وهو الذى نجح فى جذب رئيس حكومة الليكود إسحاق شامير ووزير الدفاع موشيه أرنز لمؤتمر مدريد عام ١٩٩٠، وأجلسهم مع قادة منظمة التحرير الفلسطينية.

كان من الممكن أن تصل هيلارى كلينتون أيضا إلى درجة تميزهم نظراً لتمتعها بالثقل السياسى، علاوة على طموحاتها السياسية، إلا أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما حسم كل شىء عندما قرر أن يكون وزيراً للخارجية، ومستشاراً للأمن القومى فى الوقت نفسه، ولم يكن ذلك لمصلحه بلاده بالتأكيد.

أما مايك بومبيو فقد حمل معه الكثير من الخبرات السياسية منذ أن كان عضواً يمينيا بالكونجرس، لكنه كان يفتقد أيضا للثقل السياسى.

أما أنطونى بلينكين فقد جاء إلى البيت الأبيض بأيدى سياسية خاوية تقريباً، صحيح أن هناك علاقة من الثقة المتبادلة بينه وبين الرئيس الأمريكى الحالى، وهو أمر مهم بالطبع، لكنه لم يضف الثقل أو الكثافة، فقد كان كيسنجر مثلاً يمتلك وزن الكثافة فى عمله السياسى على الساحة الخارجية، وامتلك جيمس بيكر هذا الثقل على الساحة الداخلية، وكلاهما كان يحتاج إلى هذا الثقل الشديد لمساعدته على التخلص من الأزمات المتلاحقة والتغلب على الانتقادات التى توجه إليهما.

وبمرور الوقت عاد رؤساء الولايات المتحدة واعترفوا بضعف أداء «الدبلوماسيين الأوائل» أو الكبار وقاموا بتعيين مبعوثين خاصين من ذوى الثقل السياسى، فعلى سبيل المثال قام جيمى كارتر بإرسال سياسى يهودى متشدد من ولاية تكساس يدعى «روبرت ستراوس» لإحياء ما أطلقوا عليه وقتها «محادثات الحكم الذاتى» بين مصر وإسرائيل فى نهاية السبعينيات، وقام كلينتون هو الآخر بإرسال زعيم الكتلة الديمقراطية فى مجلس الشيوخ «جورج ميتشل» للسعى للسلام فى إيرلندا الشمالية، وبعد ١٣ عاماً قام باراك أوباما بإرسال ميتشل مرة ثانية فى محاولة لبعث اتفاقية أوسلو من جديد، وأدرك أوباما وقتها أن مهارة شخص دبلوماسى يمتلك الخبرات مثل دينيس روس، ليست كافية وأنه يحتاج إلى ثقل سياسى.

ويعتبر كيسنجر النموذج الذهبى للدبلوماسية فى الشرق الأوسط، ففى البداية كان كيسنجر مستشارا للأمن القومى فى عهد الرئيس نيكسون لفترة خمس سنوات تقريباً، قبل أن يضاف إليه منصب وزير الخارجية، وذلك قبل اندلاع حرب أكتوبر ٧٣ بأقل من شهر.

وخلال تلك الفترة قام بسحر المصريين وخاصة الرئيس السادات، وأصاب الإسرائيليين بالجنون والهوس بداية من جولدا مائير، ومن هم أقل منها، وربما كان نجاحه الأكبر فى المنطقة يتعلق بإذابة جبل الجليد حافظ الأسد، حيث قام بزيارة دمشق ١٥ مرة، وزار إسرائيل ١٦ مرة، وكان ينتقل بينهما وقطع مسافة ٣٨.٧٠٠ ألف كيلومتر ذهاباً وعودة.