سارة جمال تكتب : نوستالجيا

ركن القراء

سارة جمال
سارة جمال


حينما نمرر شريط الذكريات فتدمع العين بشوق ربما لحنينا لتفاصيل صغيرة مازالت محفورة بالقلب والذاكرة؛ فمنا من يحن لإنسان قاسمة لحن الحياة بتفاصيلها سواء بحزن أو ألم؛ فقد أو اشتياق أو غربة فكان له الوطن والسند والصديق والحبيب؛ ومنا من يحن لبسمة أمل وفرح وتفاؤل لأرواح رائعة تقاسم معها أجمل سنوات عمره وطفولته. وبين هذا وذاك تستمر الحياة ويستمر الأنين والحنين. بداخل كل واحد منا مكان في نفسه يحوي بين طياته الذكريات يتذكرها ويسرح بها من حين الى اخر ويحاور نفسه ما بين طنين العقل وأنين القلب.

تشرئب النستولوجيا بشكل مستشرٍ في حياتنا اليوم، وهي استعادة الأيام الخوالي، كشريط تقذفه الذاكرة بين الفينة والأخرى لنستذكر زمناً مضى، أو حياة تشرذمت بصمت مع تطور كل شيء، أو هوية ضلت الطريق نحو لا مكان، النستولوجيا القابعة في نفوسنا، تشبه التبتل العميق في صلاة أبدية، إنها انفصال مؤقت عن الواقع، كصراط يربط الأفول والاتقاد، الصمود والاستسلام، إنها الذكريات الصامدة في حاضر منخور بالظلال!

مع انتشار الكثير من القنوات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تحت مسمى «الزمن الجميل»، والتي تستهدف نشر الأغاني القديمة، أو المسلسلات التي رافقتنا أيام الطفولة، ويتابعها عشرات الألوف، ويعلق البعض على المنشورات ذاكراً أنه يتمنى العودة لذلك الزمن، زمن البراءة والجمال.. يُلح السؤال هنا: ألهذا الحد يشبه الماضي تلك الأوطان الغارقة في ذواتنا.. والتي لم نعثر عليها بعد..؟

الحنين شعور متأصّل في الذاكرة الإنسانيّة ومكمّل لها، وهو نافذة ضروريّة في جدار الحاضر المحيط بنا. وفي ظل المتغيّرات التي نعيشها اليوم، يبدو المجال خصبًا للنوستالجيا، لتهيمن أكثر على الإدراك الفرديّ والجمعيّ، ولتقدم له رحلة مجانيّة إلى مناطق وهميّة، يعيش فيها سعادة مشروطة، بالبقاء أطول مدّة ممكنة في حالة التخدير تلك، لأنّ أيّ استفاقة منها ستعيده إلى أرض الواقع، الذي يسقط يومًا بعد يوم في قبضة الانعزال، حيث تنحصر مفاهيم: السعادة، والبساطة، والجمال، في جرعات منشودة من النوستالجيا، قد تصبح يومًا ما مطلبًا عسير المنال.

سنظل نحمل تلك القِربَة المثقوبة معنا أينما حللنا وارتحلنا، لتترك في كل مرحلة أثراً لنتذكره، ورغم أننا نَقْطُن اليوم عوالمَ رقمية تسودها العزلة والفردانية، ويحجب أفقها العمل المتواتر والضياع وسط صخب السكون، إلا أن ذكرياتنا الأثيرة بقيت كأيقونة مصلوبة على وميض الأمس، نهرول إليها ونَنْدسُ بأحضانها ونشكو خيبات أيامنا هذه.