د.حماد عبدالله يكتب: رحم الله أيام "زمان" !!

مقالات الرأي

بوابة الفجر




إحساس غريب جداً ينتاب البعض ممن قضى من العمر أكثر من سبع عقود – الإحساس بإلحاح بالذهاب إلى مواقع وأماكن عاشوا فيها أطفالاً وشباباً – وقد حضرني هذا الإحساس – وربما في بعض الأحيان تقودني (قدماي) أو سيارتي إلى أحياء عشت فيها طفلاً – أتذكرها – مباني ضخمة – وحارات طويلة وعريضة – وواجهات محلات ومباني مميزة في ذاكرتي – إلا أنها اليوم حينما قمت بزيارتها – إنها تغيرت – أصبحت (قبيحة) – والحارات "ضيقة" وليست كما كنت أتذكرها نظيفة – وراقية – بل ضيقة جداً – ومتسخة – رغم أنها تتوسط مدينة القاهرة – وعلى سبيل المثال وليس الحصر – واجهة "الأمريكين" في شارع سليمان باشا ( طلعت حرب حالياً ) وفي شارع فؤاد -(26يوليو حالياً ) .
حيث كانت هذه الأماكن ملتقى الأصدقاء خاصة أيام الخميس بعد الظهر – حيث كنا نلتقي بأبهى ملابسنا – ونتطرق في أحاديثنا على كوب أيس كريم أو فنجان قهوة من (البن البرازيلي) – ثم ينتهي يومنا بعد دخول إحدى دور السينما الشهيرة وسط البلد مثل "مترو أو كايرو أو ريفولي أو ديانا أو الأوبرا" ( الله يرحمها ) !!
كانت تلك الدور – جميلة وتتميز بالرقي ( والأبهة ) – وكان روادها يتميزون بأناقة ملابسهم الكاملة – وكانت كل دار من تلك ( الدور ) تتميز بأفلامها ومصادرها – فسينما "مترو" تختص بأفلام (جولدن ماير) وسينما ( راديو ) تختص بالأفلام العربي (العرض الأول) – وغيرهم من دور – حيث يمكث فيلم لأكثر من عام مثل "أبي فوق الشجرة أو ذهب مع الريح أو سانجام "– وغيرها من الأفلام العالمية والمحلية – والتي كانت تتصدر إعلاناتها واجهات تلك الدور لأكثر من عام .
كما أن أيام الجمعة كانت الحفلات الصباحية – تهتم بأفلام الكارتون "ميكي ماوس " ، "توم وجيرى" !! والتي يذهب إليها أطفال المدارس في رحلات صباحية أيام الأجازات – وكان مسرح العرائس في العتبة – مقصد أيضاً لأطفال المدارس – بجانب المسرح المصري الذي كان يتنافس في سوقه – "اسماعيل يس , ومسرح نجيب الريحاني , والفنانين المحترمين (فؤاد المهندس و شويكار ) – ومسرح صبحي – والمسرح القومي وكانت القهاوي وسط البلد أيضاً – تتميز إحداهما بأغاني "أم كلثوم " التي تبث على الهواء ليلة الخميس الأول من كل شهر – وكذلك الإعادة طيلة أمسيات الشهر من التسجيلات على (الريكوردر) المسجلات والتي إشتهر منها نوع (جروندنج) – ذوي الشرائط الطويلة لأكثر من خمس ساعات وأكثر !!
وكانت في المقاهي تنتشر على الطاولات رقع الشطرنج – بجانب الطاولة – والدومينو – وأوراق اللعب (الكوتشينة) – كل هذا – ينكب عليه رواد المقهى مع الشاي والسحلب والينسون والحلبة والقهوة – ومن الملاحظ أن عدد من مدخني الشيشة – كانوا أقل من اليوم !!
أحاسيس غريبة تنتابنا بالحنين للماضي – حنين لحياة أكثر هدوءاً – وأكثر إستقراراً – وأقل ضوضاء – وأكثر نقاءاً – وصداقات أكثر حميمية صافية جميلة – رحم الله أيام زمان !!!!