د. رشا سمير تكتب: المجتمع من التيك توك إلى الفتاوى!

مقالات الرأي




انتشر منذ فترة طويلة البرنامج المسمى بالتيك توك.. وهو عبارة عن برنامج يسمح لكل من يحمل موبايل بكاميرا أن يقوم بتحميل فيديو له وهو يغنى أو يرقص أو حتى يقوم بإبداء وجهة نظره (التى قد لا يكون لها صلة أو أهمية أو حتى مبنية على خلفية معرفية سليمة) ويبثها على المواطنين بكل ثبات وثقة.. واللطيف هى أن أصحاب هذه الفيديوهات تحولوا بقدرة قادر إلى نجوم..

مع مرور الوقت تحول الأمر إلى دخل مادى له علاقة بكم اللايكات والمشاهدات مثله مثل كل من استطاع شراء متابعين على الإنستجرام والفيسبوك إلخ.. إلخ..

أثيرت قضايا لها علاقة ببعض الفتيات على التيك توك والفيديوهات التى وُصف بعضها بالخادش للحياء وبعضها تم رفع دعوات قضائية ضد أصحابه للخروج عن الآداب العامة، وعلى الرغم من هذا وذاك بقى التيك توك مادة مربحة وسلم لشهرة غير مبررة.

فى الآونة الأخيرة خرج علينا قصة استغلال الأطفال فى هذه المادة السخيفة.. فرأيت عن طريق الصدفة البحتة الطفلة التى استضافتها إحدى المذيعات هى وأخوها فى حوار من أغرب ما يكون تلاعبت فيه الطفلة البريئة بالعين والحاجب وتم تسليط الضوء عليها وكأنها نجمة، فدعانى الفضول إلى مشاهدة المحتوى الذى تقدمه هذه الفتاة ومجموعة شبان من أقاربها فكانت النتيجة (بصوت هنيدى فى فيلم رمضان مبروك أبو العلمين حمودة.. صفر!).. نعم.. صفر صحيح!.

بالمصادفة أيضا رأيت فيديو آخر لأخين إحداهما شاب والآخر أخيه وهو طفل صغير برىء، وهما يقومان بعمل فيديوهات يوميا، فى محاولة لإضحاك المشاهد، تسريحة شعر الطفل الصغير عجيبة ومخارج الحروف لديه أغرب لتؤكد أنه لا يتلقى تعليم مضبوط، يثرثر بهُراء لا قيمة له ومواقف عجيبة من سخرية وألفاظ خارجة وسيناريوهات تنتهى دائما بجملة توجه للمشاهدين هى: «لا تنسوا تفعيل الجرس والاشتراك فى القناة»!.. وهذه هى الحكاية كلها.. اللايكات!.

المفاجأة أن عدد اللايكات والمتابعين لهذه السطحية يتراوح ما بين الـ300 ألف متابع وإلى مليون..

إذن ظاهر الأمر، لقطات ساخرة وباطنة (child abuse) أو بالعربى إساءة نفسية للأطفال..

هكذا يتم التعامل مع هؤلاء الأطفال على أنهم سلعة، ومع الوقت يشعر الطفل بالتميز والتفرد فى مما يسبب مشاكل نفسية لديه ولدى أصدقائه، فى العالم كله بعض أهل الفن المحترمين يمنعون أطفالهم من الظهور فى الميديا ويمنعون الكاميرات من التقاط الصور لهم لمجرد حجبهم عن عالم الشهرة الزائف الذى يولد لدى أبناء المشاهير نوعًا من التعالى ويفرض عليهم أخلاقًا وتصرفات لا تمت للطفولة بصلة، وهذا شىء يدعو للاحترام، أما أن البعض الآخر يزج بالأبناء أمام الكاميرات لنيل لايكات ومتابعين فهذه أصبحت ظاهرة مؤسفة، ولكنها موجودة وبكثرة.

وصل موضوع تسليط الضوء إلى المرحلة التى جعلت بعض هؤلاء من استغلال مناسبات خاصة فى الحصول على بعض اللايكات وزيادة عدد المتابعين.. حتى وصل الأمر باستغلال الجنازات والحزن لظهور فيديوهات يتم تداولها على السوشيال ميديا..

لم يعد الإعلام منبرا للكلمة الرصينة بل أصبح منبرًا فى كثير من الأوقات للتفاهات والزيف.

بالتوازى لازلت أرى أن فكرة إعطاء مساحة لكل من هب ودب للتحدث والفتوة فى الدين وقوانين الأسرة والمجتمع شئ خطير ويجب أن يتوقف فورا، ومبدأ أن نسمح للدعاة أو الداعيات التابعين لوزارة الأوقاف أو الحاصلين على إجازة أو شهادة بالخروج على المشاهد بتصريحات استفزازية وأحيانا لا أساس لها من الصحة ظاهرة يجب العمل على القضاء عليها.. كيف؟ بمتابعة هؤلاء الدعاة فى جميع البرامج وحسابهم على تصريحات من الفضاء الخارجى يسير خلفها شباب وكبار قد تضللهم لأنها بلا سند حقيقى.

ليس كل من يحمل كارنيه تابع لمؤسسة دينية قادر على إعطاء فتوى دقيقة سليمة..

النصيحة لا يجب أن تأتى إلا من أهل النصيحة، ومحاولات بعض المذيعات على إشعال فتيل فى الاستديو لانتشار فيديوهات البرنامج بإطلاق أسئلة مثل (شرعية ضرب الزوجة) و(ما ملكت أيمانكم) (وتعدد الزوجات فى الإسلام) وغيرها من المواضيع المثيرة للجدل، ثم ينقسم النقاش إلى فريقين وشجار وتطاول.. صورة لا تليق ولا تصح.. صورة يجب أن تتوقف.

ضيوف البرامج يستحقون وقفة.. المذيعات الاستفزازيات يستحقن وقفة.. استخدام الأطفال فى برامج التيك توك يستحق وقفة.

وقفة يا ولاد الحلال.. لعل وعسى!.