دكتور عيد رشاد عبد القادر يكتب: النمو السكاني مصر وتحديات النمو الاقتصادي خلال الأربعون عاماً الأخيرة (1979 – 2019)

مقالات الرأي

بوابة الفجر


تعد الزيادة السكانية في مصر من أسرع معدلات الزيادة السكانية في العالم، فقد بلغ معدل النمو السكاني في مصر خلال الأربعون عاماً الأخيرة (1979 – 2019) 2.25%، حيث زاد عدد السكان من 41.3 مليون نسمة عام 1979 إلى 100.4 عام 2019. وإذا استمر معدل النمو السكاني على هذا النحو، فإنه كفيل بأن يضاعف عدد السكان كل 30 عام، ومن ثم فيكون عدد السكان المتوقع في 2050 هو 200 مليون نسمة وفي عام 2100 سيصل إلى 500 مليون نسمة، مع افتراض ثبات معدل النمو عند 2.25%. في حين أن معدل النمو الاقتصادي في مصر بلغ متوسطه 5. % خلال نفس الفترة.

والزيادة السكانية في حد ذاتها ليست مشكلة، إذا كان هناك نمو اقتصادي يواكبها إلى جانب نظام تعليمي وسوق عمل تستوعب الكفاءات الشابة وتدفع بالاقتصاد إلى مزيد من النمو. وفي هذا السياق تفيد الدراسات أن النمو الاقتصادي ينبغي أن يكون ثلاثة أضعاف معدل النمو السكاني كي يكون قادراً على خلق الوظائف اللازمة للجيل الجديد. ومما يعنيه ذلك أن معدل نمو سكاني يبلغ 2.25% سنويا في مصر يحتاج إلى معدل نمو اقتصادي لا يقل عن 7% سنوياً للسيطرة على الوضع. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن نسبة النمو الفعلي ما تزال بعيدة عن النسبة المطلوبة.

ومن خلال تعريف النمو الاقتصادي بأنه الزيادة في دخل الفرد الحقيقي، فإن تحقيق هذا النمو يتطلب تحقيق زيادة في معدل النمو الاقتصادي تفوق معدل النمو السكاني حتى يرتفع دخل الفرد. وقد نجحت الصين وكوريا الجنوبية في السيطرة على الزيادة السكانية وتحقيق نمو اقتصادي مرتفع، فقد بلغ معدل النمو السكاني في الصين خلال الفترة (1979 – 2019) 0.95% وفي كوريا الجنوبية 0.84%، أي أقل من 1% في الدولتين خلال أربعون عاماً. في حين حققت هاتين الدولتين معدل نمو اقتصادي بلغ متوسطه 9.44% في الصين، و6.3% في كوريا الجنوبية خلال نفس الفترة. أما في مصر فقد بلغ معدل النمو السكاني خلال نفس الفترة 2.25%، ومعدل النمو الاقتصادي 5%. ومن ثم فإن معدل النمو الاقتصادي في الصين خلال الأربعون عاماً الأخيرة كان يمثل نحو 10 أضعاف النمو السكاني، ونحو سبعة أضعاف ونصف في كوريا الجنوبية، في حين أنه في مصر كان 2.24 ضعف.

ونتيجة للنمو الاقتصادي المرتفع والنمو السكاني المنخفض في الدولتين محل المقارنة فقد حدثت زيادة كبيرة في متوسط دخل الفرد خلال نفس الفترة. فقد ارتفع متوسط دخل الفرد في الصين من 184 دولار عام 1979 إلى 10217 دولار أمريكي عام 2019 بمعدل نمو بلغ 10.6% خلال تلك الفترة (1979 – 2019). وفي كوريا الجنوبية ارتفع دخل الفرد من 1784 دولار عام 1979 إلى 31846 دولار عام 2019، بمعدل نمو سنوي بلغ 7.5%. أما في مصر فقد كانت الزيادة في دخل الفرد أقل مقارنة بالدولتين محل المقارنة، فقد ارتفع دخل الفرد في مصر من 426 دولار عام 1979 إلى 3019 دولار عام 2019، بمعدل نمو بلغ 5% سنوياً خلال الفترة المذكورة كما يتضح من الجدول.

جدول رقم (1) معدلات النمو الاقتصادي والنمو لسكاني في الصين وكوريا الجنوبية ومصر خلال الفترة (1979 – 2019)

 

الصين

كوريا الجنوبية

مصر

1979

2019

1979

2019

1979

2019

الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بالمليار دولار

178

14280

67

1650

18

303

عدد السكان بالمليون

956

1398

37

51.7

41.3

100.4

معدل النمو السكاني خلال الفترة

0.95%

0.84%

2.25%

متوسط دخل الفرد بالأسعار الجارية للدولار الأمريكي

184

10217

1784

31846

426

3019

معدل النمو في دخل الفرد

10.6%

7.5%

5%

المصدر: البنك الدولي، مؤشرات التنمية الدولية، ومعدلات النمو المركبة حسبت بواسطة الباحث.

من خلال مقارنة وضع النمو الاقتصادي والنمو السكاني في مصر بالصين وكوريا الجنوبية يتضح بما لا يدع مجالاً للشك، أن النمو السكاني في مصر يمثل تحدياً كبيراً أمام تحقيق النمو الاقتصادي، ومن ثم فإن تحقيق الانطلاق للاقتصاد المصري وإحداث طفرة كبيرة في دخل الفرد تتطلب وضع ضوابط للنمو السكاني. وإذا أضفنا لبعد النمو السكاني البعدين الخاصين بالتوزيع الجغرافي (المساحة المأهولة بالسكان أقل من 7% من مساحة مصر) والخصائص السكانية (ارتفاع نسبة الأمية والأمية الرقمية ونسبة الفقر التي وصلت 32.5% عام 2018 مقارنة بـ 16.7% عام 1999) تصبح المعضلة التي تواجه مصر أكثر وضوحاً.

وفي ظل تطبيق مصر لبرنامج طموح للإصلاح الاقتصادي بداية من عام 2016 وبدعم وإشادة المنظمات الدولية، لإصلاح الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري والتي على رأسها ضعف معدل النمو الاقتصادي، ارتفاع معدل البطالة، عجز الموازنة العامة، زيادة حجم الدين العام وعجز الميزان التجاري. وقد دخلت مصر حالياً مرحلة الإصلاحات الهيكلية وعلى رأس هذه الإصلاحات ضعف النمو الاقتصادي وهو ما يرتبط بالنمو السكاني. ومن ثم فإننا نرى أن استمرار هذه الإصلاحات يتطلب أولاً، تحقيق معدل نمو اقتصادي لا يقل عن 6% من الناتج، وتحقيق معدل نمو سكاني لا يزيد عن 1%، ويمكن تحقيق ذلك من خلال محورين:

المحور الأول: محور النمو الاقتصادي، يتطلب رفع معدل النمو الاقتصادي تحقيق زيادة حجم الموارد المتاحة من ناحية ورفع إنتاجيتها من ناحية أخرى، وفي مصر وبعد انتهاء الدولة من تركيز الاستثمارات على الطرق والبنية التحتية يجب توجيه الجهود نحو الأنشطة والقطاعات التي تحقق قيمة مضافة عالية والأنشطة المولدة لفرص العمل مثل القطاع الزراعي والقطاع الصناعي، وكذلك توجيه الاستثمار إلى رأس المالي البشري من خلال دعم قطاع التعليم وخاصة التعليم الفني والتكنولوجي، والاستمرار في دعم القطاع الصحي.

المحور الثاني: محور النمو السكاني، يجب أن تستهدف الدولة معدل للنمو السكاني لا يزيد عن 1% ويكن تحقيق ذلك من خلال التوعية بخطورة الزيادة السكانية، من خلال وسائل الإعلام المختلفة ويجب أن تلعب الجامعات دوراً كبير في هذه الناحية، لأن الجامعات تمتلئ بالشباب والشابات في سن (18 – 25) ومن ثم فإن هذه السن هي السنة المناسبة للتوعية بخطورة الزيادة السكانية، لأن هؤلاء الشباب سوف يقبلون على الزواج بعد تخرجهم من الجامعة، ويكون ذلك من خلال إدراج المشكلة السكانية ضمن المناهج في جميع الكليات، وفي المؤتمرات والندوات وورش العمل، ويجب أيضاً إدراج البعد الديني والطبي عند تناول هذه المشكلة. كذلك يجب التركيز على المناطق الريفية وخاصة في صعيد مصر حيث يعتبر الصعيد مسؤولاً عن 40% من الزيادة السكانية فين حين أنه يمثل نحو 25% من السكان.

إعداد: دكتور عيد رشاد عبد القادر

مدرس الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس ورئيس شعبة الدراسات الاقتصادية بمركز بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية