مرصد الأزهر يحلل الفروق بين الجماعات المتطرفة
قال مرصد الأزهر في مقال له إن من أهم هذه المشتركات بين الجماعات المتطرفة هو الحرص على استقطاب الشباب وخداع عقولهم وتشويه فكرهم بالدعاية الضالة والمضللة، وتكوين بؤر فكرية للتجنيد والاستقطاب. فكل فصيلٍ متطرف له فكر معين، ومنظرون ودعاة وظيفتهم التحريض والتبرير وإضفاء المشروعية على الأعمال الوحشية التي يقوم بها التنظيم، ولا يتقبلها الإنسان السوي صاحب الفطرة السليمة والسلوك القويم.
كذلك من المشتركات بين جميع التنظيمات المتطرفة فكريًا ارتباط أعضاء التنظيم بالفكرة أكثر من ارتباطهم بزعيم التنظيم. فليس في أدبيات هذه الجماعات أن يسلموا أنفسهم لشخصٍ أو أن يكون انتماؤهم للتنظيم بسبب شخص ما أيًا كانت شخصيته أو الكاريزما التي يمتلكها.
ولعل هذا واضح تمام الوضوح في بقاء تنظيم القاعدة بعد مقتل "بن لادن" وبقاء تنظيم "داعش" بعد مقتل "أبو بكر البغدادي"، ومن قبله "أبو عمر البغدادي"، و"أبو حمزة المهاجر".
ورغم الروابط والصلات العميقة التي جمعت بين تنظيمي داعش والقاعدة منذ عهد "أسامة بن لادن" و"أبو مصعب الزرقاوي"، فإن هناك تباينات وفوارق كبيرة لم تطف على السطح بقوة إلا خلال السنوات الأخيرة.
هذه التباينات أدت إلى الاختلاف والتراشق بين التنظيمين على الأبواق الإعلامية لكل تنظيم، ووصل الشقاق والانفصال بين التنظيمين إلى ذروته في أبريل 2013 بإعلان "أبو بكر البغدادي" قيام دولته المزعومة، وصارت "جبهة النصرة" ممثلًا لتنظيم القاعدة في سوريا، ولم تعترف بتنظيم داعش الإرهابي الذي رفض دعوة القاعدة بالتراجع عن إعلان الدولة المزعومة، بل واتهم القاعدة وزعيمها بالعمالة لأجهزة مخابرات دولية، والسعي للقضاء على حلم خلافتهم.
وفي تسجيل صوتي عام 2015، رفض "أيمن الظواهري" الاعتراف بداعش، ودعاهم إلى عدم النكس بالبيعة على حد تعبيره، ووصفها بأنها إمارة استيلاء بلا شورى. ورد عليه تنظيم داعش الإرهابي بتسجيل آخر لمتحدثه "أبو محمد العدناني" الذي قُتل عام 2016، والذي وصف القاعدة بأنها لم تعد قاعدة الجهاد على حد وصفه، مستدلًا على ذلك بأنها تنال المدح من الأعداء والأراذل وفقًا لتعبيره.
والفوارق بين تنظيمي داعش والقاعدة كثيرة، ويمكن إجمالها من خلال عدة جوانب سوف نتناولها في بعض المقالات التي سوف ننشرها تباعًا. وسوف نبدأ هذا المقال بجانب الاستقطاب والتجنيد.
وتابع المرصد أن تنظيم القاعدة يضع شروطًا لمن يريدون أن ينضموا إلى صفوفه، ويُخضعهم لبعض الاختبارات الفكرية التي يحدد من خلالها مدى ولاء الفرد وانتمائه ومدى حبه لزعيم التنظيم "أسامة بن لادن"، ومدى قدرته على تنفيذ مبدأ السمع والطاعة لقيادة التنظيم. فمبدأ السمع والطاعة دون إعمال عقل أو إمعان نظرٍ مهم جدًا عند تنظيم القاعدة.
على الجانب الآخر، فتح تنظيم داعش الإرهابي أبوابه على مصارعها أمام كل من يريد الانضمام إليه. والفيصلُ عند هذا التنظيم هو مبايعة زعيمه المزعوم، سواء كان "البغدادي" في السابق أم "أبو إبراهيم الصلبي" في الوقت الحالي. ونتيجة لذلك، ضم التنظيم بين صفوفه مجرمين وتجار مخدرات ولصوص وقطاع طريق بايعوا زعيم التنظيم ليستفيدوا من أسلحته، ويعملوا تحت حمايته في معاقله الرئيسة.
وفي تقرير بعنوان "تحولات داعش من التكفير إلى التكفير الفائق" ذكر "أحمد سلطان" الباحث في شئون الجماعات الإرهابية أنه بدافع المصلحة التنظيمية البحتة، قَبِل تنظيم داعش الإرهابي عشرات المقاتلين الذين صُنفوا في ملفات انتسابهم له كـ «شرعيين» رغم أن اكثرهم لم يكن لديهم أي خبرة في العلوم الدينية، علاوة على كون بعضهم من مروجي المخدرات وغيرها من محظورات. واستشهد "سلطان" في ذلك بما ورد في رسالة وجهها الداعشي "أبو خباب"، إلى "أبي محمد الفرقان" الذي قتل عام 2016، وتحدث فيها عن مخالفات منهجية في المعاهد التعليمية للتنظيم بسبب أن القائمين على التدريس جهلاء وبعضهم منحل أخلاقيًا وبعضهم مختلس وبعضهم يتاجر في المواد المخدرة.
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن هذا الانحطاط العلمي والأخلاقي لم يُمكِّن تنظيم داعش الإرهابي من إصدار تنظيرات علمية قوية يؤصل من خلالها لفكره المتطرف ومواقفه السياسية والعقدية؛ ومن ثمَّ جاء خطابه المتطرف سطحيًا ويسهل الرد عليه.
كان التنظيم يعرف ذلك بدليل الخلافات التي كانت دائرة بين قياداته في موضوع طلبة العلم أو الشرعيين على حد وصفهم. ولذلك اهتم التنظيم بشكل الخطاب دون محتواه، وانتهج في خطابه نهجًا عاطفيًا يعتمد على الصورة والتقنية أكثر من اعتماده على المعلومة.
ويؤكد ذلك أيضًا الكاتب "نواف القديمي" في بحثٍ بعنوان "داعش: التشكل والدوافع"، ذكر فيه أن هذا التنظيم يخلو من الشخصيات الدينية المؤثرة، ويعتمد على شخصيات عسكرية تصدرت سلم القيادة فيه من أمثال "أبو مسلم التركماني، وأبو عبد الرحمن البيلاوي..." وغيرهم.
ومن أبرز الفوارق بين تنظيمي القاعدة وداعش أيضًا فكرة تأسيس الدولة، ففي حين كان تنظيم القاعدة الإرهابي يحل ضيفًا على بعض الدول، ويعيش في الجبال والكهوف في دول أخرى -ولم يثبت أن أعلن سيادته على دولة له أو اعتزامه الإعلان عن ذلك- فإن تنظيم داعش الإرهابي قد استطاع أن يستقطع مساحاتٍ شاسعة من سوريا والعراق ويعلن عليها قيام دولته المزعومة، في سابقة لم تُرى من قبل في تاريخ جماعات الإرهاب.
وقد عبر تنظيم "داعش" الإرهابي عن إستراتيجيته وخططه لإقامة دولته المزعومة بشكل واضح وصريح في الإصدار الأخير من مجلة "دابق" الصادرة باللغة الإنجليزية، والتي وصفت التنظيم في العدد سالف الذكر بأنه دولة قائمة على القوة العسكرية التي ستمكنه من تأسيس سيطرة مادية قبل تحقيق السلطة السياسية والدينية.
وقد انعكست فكرة الدولة على قادة التنظيمين وعلى خطابهم الإعلامي، ففي حين ظهر "أسامة بن لادن" في لقاءاته المتلفزة كفردٍ مقاتل، يحمل في يده سلاح ويهدد الغرب بعمليات إرهابية، ظهر "أبو بكر البغدادي" على منبر "مسجد النوري الكبير" في الموصل كرجل دولة مزعومة، يدعو الشباب إلى الهجرة وفقًا لمفهومه المغلوط، ويتحدث عن خلافته المزعومة، ودولته المقتطعة أراضيها من سوريا والعراق. وسوف نتحدث في المقال القادم إن شاء الله عن الخطاب الإعلامي للتنظيمين بصورة أكثر تفصيلًا.