مي سمير تكتب: قصة برنامج الغطاء غير الرسمى فى المخابرات الأمريكية
الوكالة أنفقت ٣ مليارات دولار على تدريبهم بعد أحداث ١١ سبتمبر
ضباط الـ «CIA» يقدمون أنفسهم كموظفين فى شركات دولية أو علماء
تحت عنوان «الخدمة السرية الجديدة: حالة التدمير الإبداعى» نشر مركز أبحاث السياسة العام فى جامعة ستانفورد، معهد هوفر، تقريرا خاصا عن كواليس عالم المخابرات المركزية الأمريكية، لافتا النظر إلى ما يعرف باسم برنامج الغطاء غير الرسمى فى المخابرات الأمريكية. كاتب الدراسة هو رويل مارك جيريخت، كاتب أمريكى ومحلل سياسى يركز على الشرق الأوسط، فى دراسته كتب «جيريخت» أن المحطات والقواعد التقليدية للمخابرات المركزية الأمريكية التى تتواجد عادة داخل المنشآت الرسمية الأمريكية - أى العملاء الذين يعملون كدبلوماسيين مزيفين- هى المسئولة عن معظم أعمال «الشارع».
حسب «جيريخت»، فى دول مثل مصر حيث يوجد أجهزة أمن داخلية مختصة، تصبح أى محاولة للتواصل مع النشطاء الإسلاميين شبه مستحيلة على حد وصف الدراسة التى اهتمت بمكافحة المخابرات الأمريكية للأنشطة الإرهابية، ويعترف الكاتب أن مصر وفرنسا والأردن، التى تمتلك أجهزة مخابرات ومكافحة تجسس قوية تجعل من الصعب على المخابرات المركزية الأمريكية العمل بحرية فى الشارع.
كما تتناول الدراسة الصعوبات التى تواجه عملاء المخابرات الأمريكية الذين يعملون تحت غطاء رسمى، فهذه الصعوبات كانت سببا رئيسيا وراء ما يعرف فى عالم المخابرات باسم (الغطاء غير الرسمى) أو(نوك).
1- نوك
يعمل ما يصل إلى ثلث موظفى وكالة المخابرات المركزية البالغ عددهم حوالى ٢٠ ألف موظف تحت غطاء أو عملوا بهذه الصفة فى مرحلة ما من حياتهم المهنية، وفقا لمسئولين سابقين فى وكالة المخابرات المركزية، ويقوم هؤلاء العملاء بتجنيد الجواسيس، وتعقب الإرهابيين وتنفيذ مهام سرية مصممة للتأثير على الأحداث أو حتى الإطاحة بالحكومات.
الغالبية العظمى من ضباط المخابرات الأمريكية بالخارج يعملون تحت ما يعرف باسم «الغطاء الرسمى»، مما يعنى أنهم يعملون كموظفين فى وكالة حكومية أخرى،
فئة الوظائف النادرة والأكثر خطورة هى التى تعمل تحت «الغطاء غير الرسمى» أو «نوك» التى تعنى بالإنجليزية الضربة القاضية - حيث يتظاهر ضباط وكالة المخابرات المركزية بأنهم موظفون فى الشركات الدولية، أو كعلماء أو كأعضاء فى مهن أخرى، تميل هذه الأغطية إلى توفير سبب معقول للعمل لفترات طويلة فى الخارج والتواصل مع الرعايا الأجانب الذين تريد الوكالة توظيفهم، فالعملاء الذين يعملون تحت الغطاء غير الرسمى هم عملاء ليس لديهم روابط رسمية بالحكومة التى يعملون فيها ويمارسون أدواراً سرية لصالح أجهزة المخابرات، يتناقض هذا مع عميل يتمتع بغطاء رسمى والذى يتولى منصباً فى حكومته، مثل السلك الدبلوماسى، الذى يُمنح حصانة دبلوماسية إذا تم اكتشاف أنشطته التجسسية.
لا يمتلك العميل تحت الغطاء غير الرسمى «شبكة الأمان» التى يتمتع بها غيره من العملاء، وإذا تم القبض عليه يتعرض لعقوبات جنائية صارمة، تصل إلى الإعدام، وعادة ما يتم تدريب الذين يعملون تحت غطاء غير رسمى على إنكار أى صلة بجهاز المخابرات وبالتالى حرمانهم من أى أمل فى المساعدة القانونية الدبلوماسية، أو الاعتراف الرسمى بخدمتهم.
قد يعمل العميل الذى يتم إرساله للتجسس على دولة أجنبية، على سبيل المثال، كرجل أعمال أو عامل فى منظمة غير ربحية (مثل مجموعة إنسانية) أو أكاديمى، بعض الدول لديها لوائح تتعلق باستخدام غطاء غير رسمي: على سبيل المثال، تم منع وكالة المخابرات المركزية فى بعض الأحيان من استخدام غطاء العمل فى منظمات مساعدة معينة، أو العمل كأعضاء فى مؤسسات دينية.
تختلف درجة التطور فى قصص الغطاء غير الرسمية بشكل كبير، فى بعض الأحيان، يتم تعيين عميل ببساطة فى منصب فى شركة راسخة يمكن أن توفر الفرص المناسبة للتجسس، فى أحيان أخرى، يتم تأسيس شركات كاملة كواجهة لعمل المخابرات، الأمثلة تشمل شركة Air America، التى استخدمتها وكالة المخابرات المركزية خلال حرب فيتنام، ولكن الشركة الأشهر هى شركة Brewster Jennings & Associates وهى شركة مزيفة تم إنشاؤها فى عام ١٩٩٤ من قبل وكالة الاستخبارات المركزية كغطاء لضباطها، أشهر العملاء الذين ارتبطوا بهذه الشركة فاليرى بليم، الموظفة السرية فى وكالة المخابرات المركزية، والتى تم الكشف عنها فى تحقيق صحفى بقلم روبرت نوفاك فى ١٤ يوليو ٢٠٠٣.
كما تلجأ المخابرات الأمريكية إلى وسائل الإعلام كغطاء مناسب لعملائها السريين، فى عام ٢٠٠٣، كشف الصحفى أودو أولفكوت، الذى كان يعمل فى صحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج الألمانية، أنه كان يعمل لصالح وكالة المخابرات المركزية ضمن برنامج الغطاء غير الرسمى.
2- العميل السري
فى تحقيق لصحيفة لوس أنجلوس تايمز بتاريخ ٢٠٠٥، وصف جيمس مارسينكوفسكى، ضابط سابق فى وكالة المخابرات المركزية، برنامج الغطاء غير الرسمى قائلا: «الغطاء عبارة عن فسيفساء، إنه لغز».
حسب تقرير لوس أنجلوس تايمز، يشير مصطلح الغطاء إلى مزيج من الأكاذيب والدعائم، من الأسماء المزيفة إلى الشركات الوهمية الزائفة، التى تخفى الهوية الحقيقية للجاسوس والغرض منه.
هناك فئات مميزة من الغطاءات التى يستخدمها عملاء وكالة المخابرات المركزية، وقائمة لا نهاية لها من المكونات، بعض الأغطية رقيقة الأنسجة ويمكن التخلص منها سريعا، الترتيبات الأخرى متعددة الطبقات وعميقة تغطى على نحو كبير كل جانب من جوانب حياة العميل السرى،على سبيل المثال غطاء فاليرى بليم، الذى تظاهرت فيه على أنها مستشارة طاقة خاصة أثناء عملها فى وكالة المخابرات المركزية لتتبع انتشار الأسلحة، كان فى مكان ما فى المنتصف.
وقد كشف أحد الضباط السابقين فى المخابرات الأمريكية، والذى غادر الوكالة قبل عدة سنوات، إنه قضى أكثر من عقد فى الخارج يجمع المعلومات الاستخبارية حول أهداف ذات أولوية عالية، طوال الوقت كان يتظاهر بأنه مسئول متوسط المستوى مع شركات متعددة الجنسيات معروفة.
قال الضابط السابق إنه عمل لعدة سنوات كمستشار أعمال قبل الانضمام إلى المخابرات، مما جعله مرشحاً مثالياً لبرنامج الغطاء غير الرسمى، كان كبار المسئولين التنفيذيين فى الشركات التى عمل بها على دراية بهويته الحقيقية، لكن موظفى الشركة الآخرين لم يكونوا على علم بذلك، خلال النهار، كان يؤدى الواجبات العادية لشخص يشغل منصباً فى شركة عادية، وحتى أنه ساعد صاحب العمل فى إحدى المناسبات فى الحصول على عقد بقيمة مليونى دولار، لكنه قال إنه كان يقضى ثلاث أو أربع ليالى كل أسبوع فى عقد اجتماعات سرية مع مصادر المعلومات.
3- الشرق الأوسط
فى عام ٢٠١٣، كشف الكاتب كين ديلانيان فى تقرير بصحيفة لوس أنجلوس تايمز بعنوان: «الفشل الهائل لجهود وكالة المخابرات المركزية لمكافحة الإرهاب»، عن تفاصيل متعلقة ببرنامج الغطاء غير الرسمى لعملاء المخابرات المركزية الأمريكية فى الشرق الأوسط.
حسب ديلانيان، بعد اثنى عشر عاما من بدء وكالة المخابرات المركزية حملة كبيرة لإخراج عملائها من مقصورات السفارات إلى الجامعات والشركات الأجنبية وغيرها من المؤسسات المدنية لجمع معلومات استخبارية عن الإرهابيين ودول الشرق الأوسط، كان هذا الجهد مخيباً للآمال، كما يقول مسئولون أمريكيون حاليون وسابقون، إلى جانب أجزاء أخرى من وكالة المخابرات المركزية، يتم الآن خفض ميزانية ما يسمى بمبادرة الانتشار العالمية، والتى تغطى برنامج الغطاء غير الرسمى.
«لقد كان إخفاقاً هائلاً»، هكذا وصف مسئول كبير سابق فى وكالة المخابرات المركزية مشاعر رددها العشرات من زملائه السابقين، تحدث معظمهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم.
بدافع من الكونجرس بعد هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، سارع قادة وكالة المخابرات المركزية إلى وضع أعينهم وآذانهم فى الشرق الأوسط على نحو واسع حيث يتواجد تنظيم القاعدة الذى كان يشكل خطراً كبيراً.
أنفقت وكالة المخابرات المركزية ما لا يقل عن ٣ مليارات دولار على البرنامج، وزاد عدد الجواسيس المدربين تدريباً خاصاً فى برنامج الغطاء غير الرسمى من العشرات إلى المئات، يُعتقد أن الخدمة السرية بأكملها تصل إلى حوالى ٥٠٠٠ شخص.
ولكن بسبب قلة الخبرة والعقبات البيروقراطية ونقص المهارات اللغوية وغيرها من المشاكل، لم يقم سوى عدد قليل من العملاء بتجنيد مصادر استخباراتية مفيدة، على حد قول العديد من الضباط السابقين.
قال جوزيف ويبل، الرئيس السابق لقسم أوروبا فى وكالة المخابرات المركزية، إن فى بعض الأحيان، لم ترسل وكالة المخابرات المركزية الأشخاص المناسبين الذين لديهم الغطاء المناسب، وأضاف إن آخرين تم نشرهم «على بعد آلاف الأميال من أهدافهم الرئيسية».
لطالما كان إخفاء الجواسيس كمهندسين أو استشاريين أو أصحاب مهن أخرى جزء من قواعد اللعبة التى تمارسها وكالة المخابرات المركزية، لكن هذه اللعبة اكتسبت أهمية جديدة بعد الهجمات الإرهابية عام ٢٠٠١ التى كشفت عن افتقار وكالة المخابرات المركزية إلى المخبرين داخل القاعدة والشبكات الإرهابية الأخرى.
لم يكن من المتوقع أن يتسلل ضباط وكالة المخابرات المركزية بشكل شخصى إلى تنظيم القاعدة، لكن العمل خارج السفارة قد يسهل تجنيد مصادر محلية يمكنها جمع معلومات استخبارية عن أموال الإرهابيين وأهدافهم ونواياهم.
فى عام ٢٠٠٤، أعلن بورتر جوس، مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك، عن محاولة جديدة لوضع المزيد من الضباط تحت غطاء عميق للحصول على ما أسماه «الوصول المباشر إلى خطط ونوايا» أعداء أمريكا، بعد فترة وجيزة، أقر الكونجرس تشريع يسمح لضباط وكالة المخابرات المركزية السريين الذين يخدمون فى الخارج بالحفاظ على رواتبهم من وظائفهم المستخدمة كغطاء لعملهم الاستخباراتى حتى لو تجاوزت رواتبهم الفيدرالية.
ضغط أعضاء لجنة المخابرات فى مجلس الشيوخ على وكالة المخابرات المركزية للذهاب إلى أبعد من ذلك، لقد أرفقوا بنداً إلى إجراء تفويض المخابرات لعام ٢٠٠٦ يتساءل عما إذا كانت خدمة التجسس «ملتزمة بفعل ما هو مطلوب لضمان نجاح عمليات برنامج الغطاء غير الرسمى».
فى هذا السياق، ضاعفت الوكالة من جهود برنامج الغطاء غير الرسمى، قال مسئولون سابقون إن عدداً متزايداً من المجندين فى منشأة التدريب التابعة لوكالة المخابرات المركزية فى كامب بيرى بولاية فرجينيا، والمعروفة باسم المزرعة - بما فى ذلك فصل عام ٢٠٠٨، الأكبر فى تاريخ وكالة المخابرات المركزية - كانوا عملاء فى برنامج الغطاء غير الرسمى.
على عكس زملائهم، مُنع المتدربين فى برنامج الغطاء غير الرسمى من إجراء مكالمات هاتفية أو استخدام الإنترنت لإخفاء أى علاقات مع وكالة المخابرات المركزية، فى وقت لاحق عمل الكثيرون بأسمائهم الخاصة، وشغلوا وظائف حقيقية لشركات متعددة الجنسيات فى جميع أنحاء العالم.
لكن عندما يتعلق الأمر باختراق الشبكات الإرهابية، عانى العملاء فى برنامج الغطاء غير الرسمى من نفس أوجه القصور التى يعانى منها ضباط المخابرات المركزية الآخرون، بما ذلك افتقار المهارات اللغوية أو الثقافية اللازمة لاختراق مجتمعات الشرق الأوسط، كما يقول ضباط سابقون فى وكالة المخابرات المركزية.
فى عام ٢٠٠٨، نُشرت مذكرات لعضو سابق فى وكالة المخابرات المركزية بعنوان «العامل البشرى»، يصف فيها ١٥ عاما قضاها فى الخارج فى استهداف الشبكات النووية والجماعات الإرهابية، وكتب أن وكالة المخابرات المركزية أنفقت ما لا يقل عن ٣ مليارات دولار منذ عام ٢٠٠١ على برنامج عملاء الغطاء غير الرسمى، ولكن تم نشر عدد قليل منهم بنجاح.
قال المؤلف، الذى يستخدم الاسم المستعار إسماعيل جونز، فى مقابلة هاتفية: «لم يكن هناك سوى عدد قليلة من عملاء الغطاء غير الرسمى المفيدين، وهذا لم يتغير».