د.نصار عبدالله يكتب: خريجو كلية الاقتصاد والعلوم السياسية

مقالات الرأي




ما أسرع ما تمر الأيام!....هانحن الآن فى شهر مايو 2021، أى أنه قد انقضى خمسة وخمسون عاما على تخرجى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى التحقت بها فى عام1962وتخرجت فيها عام 1966، ولم يكن التحاقى بكلية الاقتصاد حينذاك مستمدا من حبى لدراسة العلوم الاقتصادية أو السياسية ولكنه كان فى المقام الأول راجعا إلى أن كلية الاقتصاد كانت فى ذلك الوقت هى أولى كليات القمة فى مصر لا تنازعها فى تلك المرتبة سوى الكلية الفنية العسكرية.. وعموما فقد كانت مراتب الكليات فى تلك الحقبة كما يأتى بالنسبة لطلاب القسم العلمى: أولا كليتا الاقتصاد والكلية الفنية العسكرية وكلتهما تقبل بنفس المجموع أى أنهما معا يشغلان: المركز الأول، والأول مكرر، وبعدهما تأتى كليات الهندسة ثم بعدذلك كليات الطب!، وقد يستغرب القارئ حاليا من أن كليات الطب كانت فى المركز الرابع وأنها تسبقها فى ذلك كليات الهندسة، بما فى ذلك الكلية الفنية العسكرية التى ما هى أيضا وفى جوهرها إلا كلية للهندسة وإن كانت تخرج ضباطا مهندسين، لكن العجب سوف يزول عندما نأخذ فى اعتبارنا أن مصر فى تلك الحقبة كانت دولة آخذة فى التصنيع ومقبلة على عدد من المشاريع الصناعية الكبرى، وبالتالى كانت حاجتها إلى المهندسين تفوق حاجتها إلى أى تخصص آخر، ومن ثم فقد كان تعيين الخريج المهندس سريعا ومضمونا، أما كون كلية الاقتصاد فى مقدمة كليات القمة فقد كان راجعا إلى الاعتقاد بأنها تهيئ خريجيها لكى يكونوا أعضاء فى السلك الدبلوماسى فى المستقبل (وهو اعتقاد تبين فيما بعد أنه بعيد عن الحقيقة تماما) فقد كانت الكلية تقبل الحاصلين على الثانوية العامة من القسمين : العلمى والأدبى، وكانت السنة الأولى عامة بينما تتشعب الكلية ابتداء من السنة الثانية إلى ثلاث شعب هى الاقتصاد، العلوم السياسية والإحصاء، وهذا القسم الأخير كان ينفر منه طلاب القسم الأدبى (رغم أنهم جميعا كانوا من أوائل الثانوية العامة لكن الدراسة فيه تعتمد اعتمادا كبيرا على الرياضيات التى ينفر أغلبهم منها، ومن ثم فقد كانوا عادة يفضلون اختيار قسم العلوم السياسية، المفارقة هنا تكمن فى أن أكثر الأقسام ضمانا للتعيين كان هو أقل الأقسام إقبالا على الالتحاق به وأعنى به قسم الإحصاء الذى كان الملتحقون به يضمنون وظيفتهم بل ويختارونها حتى قبل أن يتخرجوا!! وليس هذا من قبيل المبالغة فقد كانت بعض الجهات ترسل إلى كلية الاقتصاد بيانا بأعداد الذين تحتاج إليهم من المتخصصين فى الإحصاء، وكانت تلك الاحتياجات تفوق عددالملتحقين بالقسم فعلا، لهذا كانت الكلية تعرض على طلاب الفرقة الرابعة أن يفاضلوا بين الوظائف المطلوبة وأن يختاروا ما يرغبون التعيين فيه إذا ما قدر لهم النجاح والحصول على البكالوريوس!!، أما خريجو العلوم السياسية فقد كانوا يتقدمون كغيرهم إلى المسابقة السنوية التى تعلن عنها وزارة الخارجية متنافسين فى ذلك مع سائر الحاصلين على درجة البكالوريوس أو الليسانس من سائر الجامعات المصرية، وربما يوفق واحد منهم أو أكثر فى اجتياز الاختبارات التى تجريها الوزارة، أما باقى الدفعة فقد كانوا يتقدمون إلى مسابقات أخرى ربما يوفق فيها عدد ضئيل منهم، وأما باقى الدفعة فقدكانوا ينتظرون التعيين عن طريق مكتب التنسيق، وغالبا ما كانوا يعينون فى وظائف أبعدما تكون عن تخصصهم!!.. بالنسبة لى فقد قررت أن ألتحق بالقسم الوسط سواء من حيث الإقبال أو من حيث فرص التعيين وأعنى به قسم الاقتصاد الذى يجمع بين دراسة الرياضيات وقد كنت أحبها وأعشقها، وبين دراسة بعض العلوم الإنسانية التى كنت فى ذلك الوقت لا أعشقها ولكنى فى الوقت ذاته لم أكن أنفر من دراستها ومن بينها العلوم الاقتصادية ذاتها! ما يعنينى هنا أن أشير إلى أن الحياة فى كلية الاقتصاد لم تكن فى تلك السنوات دراسة أكاديمية فحسب، ولكنها كانت نشاطا ثقافيا وفنيا ورياضيا حافلا، وقد وجدت فيه من الإشباع النفسى والروحى أكثر مما وجدته فى الحياة الدراسية الخالصة، فقد كانت هناك مثلا جماعة للشعرتقيم ندوات شعرية منتظمة تدعو إليها كبار الشعراء فى مصر لكى يبدوا آراءهم فى شعراء الكلية، وكانت هناك جماعة للتمثيل تقدم عروضا رفيعة المستوى، وكانت هناك جماعة للتذوق الموسيقى أنشأها الدكتور عزالدين فودة حيث تطوع الأستاذ سليمان جميل لكى يلقى فيها محاضرات أسبوعية، كما كانت هناك جماعة للصحافة تصدر مجلة حائط أسبوعية، ومجلة مطبوعة بالرونيو نصف سنوية، وكانت كلتا المجلتين ناجحتين جدا، ولأول مرة، وربما لآخر مرة فى حياتى الجامعية أرى الحائط مزدحما جدا والطلاب يتدافعون عند صدور العدد الجديد من مجلة النصر، (فيما بعد أصبح الزميل محمد أبو الحديد الذى كان يشارك فى تحريرها رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية، أما الزميل عبدالعال الباقورى فقد أصبح رئيسا لتحرير الأهالى)، وإلى جانب هذين الوجهين اللامعين فى عالم الصحافة،فقد قدمت الكلية وجوها أخرى كثيرة لامعة فى عالم السياسة والرياضة والفن والإعلام وأصبح الكثيرون من خريجيها فيما بعد نجوما معروفين وللحديث بقية.