ياسر رافع يكتب : الأصابع على الزناد .. صراع سياسى وإستراتيجى ، لمن الحسم ؟

ركن القراء

حسن نصر الله
حسن نصر الله


بعد إندلاع الثورة اللبنانيه فى العام 2019 أتهم حزب الله من قبل الجماهير اللبنانيه بالوقوف فى وجه الثورة من أجل أهداف سياسية داخليه وخارجيه ، مدعومه بقوى سياسيه لبنانيه ، الأمر الذى جعل الأمين العام لحزب الله ، السيد " حسن نصر الله " يخرج عن صمته ويدافع عن نفسه والحزب ، وفى معرض حديثه وجه تلميحا مثيرا لكل القوى السياسيه اللبنانيه حيث قال أن كل القوى السياسيه اللبنانيه مارست فعل السياسه والحكم وجميعها فشلت وعندما جاء الدورعلى القوى السياسيه الشيعيه لتمارس دورها يحاول الجميع الوقوف فى وجهها ونزع سلاحها المقاوم .
وفى كتابه " الأصابع على الزناد " يطرح ويحلل الدكتور اللواء المصرى" سيد غنيم " الأستاذ الزائر فى مجال الأمن الدولى فى حلف الناتو ، الوضع السياسى والإستراتيجى فى المنطقه من خلال عدة محاور ، وقد خلص إلى نتيجه غايه فى الأهمية ربما لا يتقبلها كثير من الساسه ولكنها بالقطع ستكون محل إعتبار كبير لدى العسكريين وصناع القرار ، حيث يقول " فلسطين ، وتحديدا ( فضلا عن الضفه الشرقيه ) غزة ، الذى يجب أن يتحول إلى ما يمكن إعتبارة العمق الإستراتيجى الشرقى القريب بدلا من كونه إتجاه يحمل حزمة من التهديدات عبر سيناء " .
ما بين دفاع السيد " حسن نصر الله " عن حزبه وأحقيتة فى القيادة التى آلت له بعد فشل الأحزاب اللبنانيه ، وبين إعتبار اللواء : سيد غنيم " أنه يجب أن يأخذ فى الإعتبار أهمية قطاع غزة كبعد إستراتيجى مباشر وخط دفاع عن مصر ، هنا يتجلى التساؤل كيف نوظف ما بين السياسى والإستراتيجى وصولا لحماية الأمن القومى العربى ؟
.....................................................................................
بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، وصعود تيار القوميه العربيه أخذت القضيه الفلسطينيه بعدا مركزيا فى صلب القضية العربيه ، وقد تجلى ذلك الإهتمام بإعتراف الدول العربيه فى مؤتمر القمة فى العام 1964 بمنظمة التحرير الفلسطينيه كممثل شرعى ووحيد للشعب الفلسطينى تنضوى تحتها كل الفصائل الفلسطينيه المسلحة وتكون وجها سياسيا أمام العالم ، ومنذ تلك اللحظة بدأ العمل الفلسطينى السياسى والمقاوم ضد الإحتلال الإسرائيلى حتى نكسة 1967 وخروج المنظمة إلى دول الطوق ( الأردن وسوريا ولبنان ) ومن هنا بدأ السلاح الفلسطينى يظهر كلغة وحيدة فى وجه إسرائيل من أجل سماع الصوت الفلسطينى وتحرير الأرض ، وقد قامت الفصائل الفلسطينيه المسلحة بكامل طيفها السياسى والأيديولوجى ببطولات كبيرة أثارت التعاطف العربى والإسلامى وكل الدول التى تساند الحق الفلسطينى وأصبحت الكوفية الفلسطينيه رمزا ثوريا يعبرعن الحق يرتديها كل الأحرار والثوار حول العالم .
وككل المنظمات التى تتخذ من مقاومتها المسلحة أرضا غير أرضها ، الأمر الذى جعلها تدخل مبكرا على خط الخلافات العربيه – العربيه  وأصبحت لغة الموائمات السياسيه منهجا لمنظمة التحرير الفلسطينيه الأمر الذى جعلها ترتكب حماقات كبيرة منها دخولها فى إقتتال مسلح مع النظام الأردني فيما عرف بأحداث آيلول الأسود التى إنتهت برحيل الفصائل الفلسطينيه المسلحه إلى لبنان ، وساد الإعتقاد بأن قيادة المنظمة قد تعلمت الدرس ولكنها تورطت فى الشأن اللبنانى والحرب الأهليه ، مما أدى إلى رحيلها إلى تونس .
ومع نهاية الثمانينيات من القرن العشرين سقط الإتحاد السوفيتى ومعها لم يتخيل " ياسر عرفات " أن قواعد اللعبة الدوليه قد تغيرت ، وأصر على طريقته فى قيادة منظمة التحرير حتى إرتكب حماقة كبيرة عندما أيد الغزو العراقى لدولة الكويت ، هنا خسرت المنظمة كثيرا من التعاطف العربى والإسلامى ومعها التمويل المالى الذى تدنى إلى حدوده الدنيا ، وهنا وجد " ياسر عرفات " أنه لا سبيل لإسترجاع الأرض بعدما تساقط الحلفاء والداعمين الواحد تلو الآخر بسبب سياساته المتأرجحه مع وضد الدول العربيه إلا أن يقوم بصلح منفرد على شاكلة الرئيس " السادات " وهو ما رفضه سابقا ، فكانت إتفاقية " غزة-أريحا أولا " مع إسرائيل ، ومع حصول "عرفات " على ما يشبه الحكم الذاتى فى الضفه الغربيه وقطاع غزة وفوقهم جائزة نوبل للسلام ، خسر البندقيه وأصبح الضغط على الزناد مرهون بسياسته مع الداخل الفلسطينى – الإسرائيلى ، ولكن " ياسر عرفات " ظن " أنه الأذكى " طبقا لتعبير " هنرى كيسنجر " وحاول أن يستثمر القوة الوليدة للتيار الإسلامى فى غزة من أجل بث روح جديدة للمنظمة وإعادة الكفاح المسلح ، هنا كان قرار التخلص الإسرائيلى بالقتل من " ياسر عرفات " ، وأنتهى فصل مهم من فصول المقاومة الفلسطينيه بقيادة حركة فتح .
من هنا كانت بداية تسليم وتسلم البندقيه الفلسطينيه ، وأصبح قرار الضغط على الزناد مرهونا بيد حركة المقاومة الإسلامية " حماس " ، فهل نجحت ؟
...............................................................................
مع نهاية سبعينيات القرن العشرين فقد بدا أن صعودا قويا للشعور الدينى يجتاح العالم وفى القلب العالم العربى الذى فوجئ بقيام الثورة الإسلامية فى إيران ، وإندلاع الحرب فى أفغانستان الأمر الذى جعل من تعاون حكومات الدول العربيه مع التنظيمات الإسلامية الداخليه أمرا لابد منه فى محاولة لإستثمار الأوضاع العالميه خصوصا مع بداية إرسال الشباب العربى للجهاد فى أفغانستان ، وقد كان المستفيد الأكبر من ذلك الوضع هو جماعة " الإخوان المسلمين " ، التى إنتشرت تحت سمع وبصر وفى حالات كثيرة بتعاون من حكومات بعض الدول العربيه لأسباب داخليه وخارجيه مختلفه ، حتى قامت الإنتفاضه الفلسطينيه فى العام 1987 والتى عرفت بإنتفاضه " الحجارة " والتى جعلت من التعاطف الدولى مع القضيه الفلسطينيه يصل إلى مستويات عاليه ، ولكن مع إنتهاء الإنتفاضه يبدوا أن وليدا جديدا قد تشكل من رحمها ، فقد أعلن عن تشكيل حركة المقاومة الإسلامية " حماس " كرد فعل واقعى ممتد لتيار الإسلام السياسى ( الإخوان المسلمين ) والمفاجأة أن إسرائيل كانت تنظر " لحماس " على أنها عدو طبيعى مختلف إيدولوجيا مع حركة " فتح " وأنهما معا سنهيان بعضهما البعض ، ولكن خلافا ذلك جرت محاولة للتقارب بين فتح وحماس وهنا تم قتل ياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين وعبد العزيزالرنتيسى أهم ثلاث قيادات فى المنظمتين .
وكما فعل " ياسرعرفات " من فعل الموائمات السياسيه التى أدخلته وحركته إلى القبر ، سرعان ما دخلت " حماس " إلى نفس المعترك السياسى ودخلت فى صراع مع حركة " فتح " إنتهى بحكمها لقطاع غزة منفردة ، وجعلت من الصراع الإقليمي طريقه لكسب التعاطف السياسى والتمويل المالى لها ، ولهذا على الرغم من النجاحات الكبيرة التى حققتها حركة حماس ضد إسرائيل إلا أنها كما " فتح " فى السابق إرتكبت حماقات جعلت من التعاطف معها يأخذ منحى سياسى مضاد ، فتحالف الحركة مع إيران أزعج الدول العربيه التى تنظر لإيران على أنها عدو مع العلم أن إيران دوله شيعيه وحماس حركة سنيه ، وكذلك تدخلها فى الصراع السورى بعد أحدث الثورة السوريه مما أدى ألى طردها ، وكذلك تدخلها فى الشأن المصرى بعد أحداث ثورة 25 يناير دعما للحركة الأم " جماعة الإخوان المسلمين " مما جعلها مصدر للعداء مع النظام المصرى بعد ثورة 30 يونيو ، وأصبحت خريطة التحالفات السياسيه تضمحل بعد تراجع الإخوان المسلمين على كامل الخريطه العربيه ، ولم يتبقى لدى حماس إلا الضغط على زناد البندقيه للمقاومة  لإعادة ترتيب أوضاعها .
حتى كانت الحرب الأخيرة والتى عرفت " بسيف القدس " والتى أعلنت عن إنتصار للمقاومة الفلسطينيه إجمالا ، حيث صرح " إسماعيل هنية " أن " الفصائل الفلسطينيه إنتصرت بقيادة كتائب القسام " وهو تصريح ملفت لأنه لأول مرة حماس لا تعلن نفسها المنتصرة منفردة وبالتالى اصبحت البندقيه موزعه ومنقسمة سياسيا بين الفصائل لا تجعها موحده إلا هدف واحد وهو المقاومة وسط فشل سياسى فلسطينى فادح . ومع إنتهاء العمليات العسكرية صرح مسؤول لحماس لوكالة رويترز " المعركة لم تنتهى اليوم ولكن ما زالت أيدينا على الزناد " .
ولحقت حماس بفتح ، سريعا على منحنى الإنحدار السياسى وأصبح الضغط على الزناد هو الحل السحرى للخروج من أزمات الداخل الفلسطينى .
....................................................................................

لقد تغيرت السياسة وأصبح هناك صراع إستراتيجى شديد بعد ثورات الربيع العربى ، والتى أوجدت واقع جديد لم تتشكل ملامحة النهائيه بعد ، بين الدول العربيه وجوارها الإقليمى والدولى ، مع التأكيد على أنه أصبح من الواضح أن تيار الإسلام السياسى بشقيه السياسى والمقاوم أصبح له الصوت الأعلى الذى يحسب له داخل الدول العربيه وإمتدادته فى الخارج ، حيث أصبح وسيلة ضغط مع تحالفات خارجيه على الداخل ، ومصدر قلق على الداخل من إستخدام السلاح فى الصراع السياسى الداخلى ، مع التسليم من الجميع أن سلاح المقاومة هو عنصر مهم فى إنهاك وإضعاف إسرائيل .
لقد أثبت حزب الله أنه حركة مقاومة عظيمه لكن ولاءاته السياسيه مرهونه لدى إيران عدو إقليمى للجوار العربى ، وأستخدم سلاحه خارج إطار المقاومه فى سوريا ، وأستغل فرصته التاريخيه للهيمنه السياسيه فى لبنان لتعطيل كل مناحى الحياة فيها ، وظهر بالنهايه كفصيل نشك فى نواياه ، وكل ما عليه إلا رشقات صاروخيه لتجديد الثقه لدى الجماهير العربيه عندما تتدنى شعبيته .
وكذلك حماس التى أثبتت أنها مقاومه عظيمه ، لكن ولاءاتها السياسيه المتارجحه والموزعه بين الدول العربيه وإيران وتركيا جعل هناك قلق أمنى عربى من تدخلات إقليميه تضر بالأمن القومى العربى من خلال سياسات غير محسوبه تنظر لمكاسب سياسيه فى الداخل الفلسطينى فقط ،
لهذا على حركة المقاومة فى غزة أن تنحاز للسياسة العربية بعيدا عن الموائمات السياسيه الإقليميه وأن تجعل من سياستها بعدا مكملا لإستراتيجيه عربيه شاملة بعيدة عن البعد الإيديولوجى والمذهبى ، وأن الضغط على زناد البندقيه يجب أن يكون مصوبا بإتجاه وهدف المقاومه فقط مترفعا عن الصراعات داخل الدول العربيه
..................................................................................
مع سيولة الأحداث العربيه يبدوا أن التيارالإسلامى المقاوم سواء السنى فى غزة أو الشيعى فى لبنان ، لم يدركا بعد حجم اللحظه التاريخيه التى أوصلتهم سياسا إلى قمة الهرم ، ولم يستوعبا بعد أهمية وقدرة السلاح فى أيديهما ، والنتيجه فشل سياسى جعل المقاومة تبدوا كجيب محاصر فى جنوب لبنان وقطاع غزة .
لهذا أما آن الآوان لأن تتدارك المقاومة الفشل السياسى وتتجاوزة ، وتتماهى مع واقعها العربى وتصبح بسلاحها المقاوم عنصر ردع إستراتيجى يمنع التغلل من خارج الإقليم العربى ،
المقاومه  تستطيع أن تتجاوز الخلافات السياسيه العربيه وتنأى بنفسها وقوتها عن أى صراع عربى ، وأن أصابع المقاومة على الزناد متحفزة بإستمرار ضمان حقيقى لإنتصار إستراتيجى عربى فى المستقبل
................................................................................
الكرة فى ملعب المقاومة ، فهل تنفلت منها الفرصه التاريخيه لتحقيق نصرسياسى وإستراتيجى عربى ، تكون فيه عامل مهم وأساسى ؟ أم تنتظر مصيرها كغيرها من حركات مقاومه سبقتها فى التاريخ راحت ولم يبقى لها أثر ؟
إلى قادم الأيام