عادل حمودة يكتب: إثيوبيا تنفجر من الداخل.. مبادرة أمريكية بضمانات قانونية تحفظ حقوق مصر والسودان المائية بمراقبة الاتحاد الأوروبى

مقالات الرأي



المبعوث الأمريكى: ربط الوطنية الإثيوبية بالسد تسبب فى حرب أهلية وتمرد جنود الجيش واحتجاج البطريرك وتغير الحدود الداخلية والخارجية

كانت لحظة تاريخية فى حياتى المهنية.

شهدت السفن العسكرية الأمريكية تدخل رصيف ميناء بربرة بينما تبتعد شبيهاتها السوفيتية عائدة إلى بلادها بعد أن انتقل الصومال من التحالف مع موسكو إلى التحالف مع واشنطن فى صيف ١٩٧٩.

بربرة مدينة استراتيجية.. تقع على الساحل الجنوبى من خليج عدن.. تربط القرن الإفريقى بالشرق الأوسط.. وتجعل منهما منطقة سياسية واحدة ولو بدا غير ذلك.

اكتشف هذه الحقيقة إبراهيم باشا عندما وصل بقواته إلى قلب الأوجادين أو الصومال الغربى فى عام ١٨٢١ فلم يتردد فى مد سحارات المياه النقية إلى بربرة وصلت إليها من العاصمة هارجسيا قبل ٣٢ سنة كان أهلها يشربون منها.

بعد قرنين من الزمن اعترف بهذه الحقيقة جيفرى فيلتمان مبعوث الولايات المتحدة لحل مشكلة سد النهضة.

قبل أن يقرر الرئيس الأمريكى جوزيف بايدن يوم ٢٣ أبريل الماضى اختياره لتنفيذ المهمة الصعبة نشر مقالا فى يوم ١٣ يناير السابق بعنوان: الأزمة فى إثيوبيا تهدد إفريقيا والشرق الأوسط معا.

بالقطع سهل المقال اختياره وإن كان فى الحقيقة يمتلك خبرات عملية وتصورات أكاديمية جعلت منه بارعا وباحثا دبلوماسيا محنكا يعرف ما يقول ويقدر على الدفاع عنه بأسانيد قاطعة وينجح فى حل المشاكل السياسية المعقدة.

ولد فى عام ١٩٥٩ عمره ٦٢ سنة.. حاصل على ماجستير فى التفاوض.. ينتمى إلى عدة مراكز بحثية مثل معهد بروكينجز ومؤسسة كيسنجر وجماعة خبراء البحر الأحمر.. خدم فى بغداد وأربيل وتونس وعمان والقدس وبيروت وبودابست.

فى المجر تعلم اللغة المجرية وفى الأردن تعلم اللغة العربية وعندما قضى فى باريس إجازة تعلم الفرنسية فهل سيتعلم اللغة الأمهرية فى إثيوبيا؟.

اعترف بأن مصر والإمارات والسعودية لديها الرؤية نفسها التى تربط بين القرن الإفريقى والشرق الأوسط مؤكدا أن إثيوبيا نفسها جزء من المشهد الأمنى للخليج وباب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس.

واعترف بأن هذه الرؤية كانت غائبة عن الاستراتيجية الأمريكية حتى أنها فصلت بين قيادة قواتها العسكرية فى المنطقة المركزية سنتكوم التى يقع الشرق الأوسط فى مسرح عملياتها وقواتها العسكرية فى إفريقيا أفريكوم التى ترتبط بمعاهدات دفاعية مع ٥٣ دولة إفريقية ليس بينها مصر.

إن النار التى تشتعل فى إثيوبيا جنون حكومتها بسد النهضة لن تكتفى بحرقها وإنما ستمتد ألسنتها إلى بربرة ومنها إلى عدن حيث يسهل تجدد الصراعات التى هدأت.

حسب تقرير فيلتمان: تهدد إثيوبيا بما تفعل السلم والأمن الدوليين وتهدد المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط ومصالح حلفائها أيضا.

إن واشنطن تعتبر كلاً من مصر وإثيوبيا دولة حليفة يجب الحفاظ عليها ويجب إبعاد شبح القوة عن حل مشاكلهما معا مهما بلغت خطورتها.

وبتغير النظام فى السودان رفعت الحصار عنه وساندته ودعمته وشجعت علاقته بإسرائيل وحذرته من التنظيمات الإسلامية المسلحة وأعدت أكثر من خطة عسكرية للتدخل إذا لزم الأمر.

وفى مكالمة تكليفه سمع فيلتمان من بايدن التوجيه الرئيسى لمهمته: لا نريد خسارة دولة من الدول الثلاث.

ولتشجيع إثيوبيا على الوصول إلى حل يرضى جميع الأطراف فك بايدن الارتباط بين المعونات التى تقدمها بلاده ومشكلة سد النهضة بعد أن ربط بينهما ترامب.

لكن.. أهم من المعونات الخوف على تفكيك إثيوبيا وتقسيمها.. حسب رصد فيلتمان الذى اعتبر الثمن الذى تدفعه سياسيا وأمنيا وجغرافيا ثمنا غاليا.. يكفى أن حدودها الداخلية والخارجية تغيرت فى الفترة الأخيرة بشكل واضح.

وسبب ذلك فى رأيه ضعف الدولة المركزية بعد أن بدأت الصراعات العرقية تشتد وتتحول إلى حروب أهلية يؤثر فيها السودان وإرتيريا.

والحرب المشتعلة بشراسة فى إقليم تيجراى أكبر دليل على أزمة الوطنية الإثيوبية.

والمعروف أن إقليم تيجراى خرج منه كبار قادة الجيش والشرطة والمخابرات كما أن بطريرك المسيحيين ماتياس من هناك أيضا وكان منفيا فى الولايات المتحدة ثلاثين عاما لانتقاده الحكم الشيوعى فى سنوات حكم مانجستو هريماريم.

ووصف ماتياس ما يحدث فى تيجراى بأنه إبادة جماعية ولكنه عجز عن التنديد بما يحدث بعد أن وضع تحت إقامة جبرية ضاعفت من اشتعال النار.

وفى الوقت نفسه بدأ ١٢٠ جنديا إثيوبيا من قوات حفظ السلام فى الهرب من وحدتهم وانضموا إلى مئات من الجنود والضباط الفارين من الخدمة للمشاركة فى الحرب الأهلية إلى جانب ذويهم.

يضيف فيلتمان: ولو تصورت الحكومة الإثيوبية أن استخدام السد عنوانا للوطنية فإن هناك بالقطع أزمة فى الوطنية.

«ولو تصورت أن تعسفها فى التفاهم مع مصر والسودان دليل قوة فإنه فى الحقيقة دليل».

هل منع السد الحرب الأهلية التى قتل وشرد فيها أعداد هائلة من شعبها؟ ألم يشجع السد القوات السودانية على اختراق الحدود مطالبة باسترداد مساحات من أرضها؟ هل منع جماعات عرقية أخرى مثل الأرومو على التمرد ليكرروا مأساة التيجراى؟.

وبعبارات واضحة صريحة تخلو من الدبلوماسية يقول فيلتمان: إن سياسة حكومة آبى أحمد قسمت الإثيوبيين إلى فرق متعارضة سرعان ما تصبح متعاركة.

وسيكشف ذلك عن نفسه فى الانتخابات القادمة إذا لم تؤجل.. مهما كانت نتيجتها فإنها ستنتهى بحرب أهلية أوسع نطاقا وأشد ضراوة.. مما يعنى أن على واشنطن التدخل لإنقاذ آبى أحمد من نفسه وإنقاذ إثيوبيا من سياساته.

سبق فيلتمان فى الوصول إلى النتيجة نفسها السيناتور كريس كونز مبعوث بايدن إلى إثيوبيا لكنه حدد الحل فى التخلص من آبى أحمد بينما فيلتمان يرى الحل فى تقوية آبى أحمد وإن بدأت التقوية بحل مشكلة السد ليوفر على نفسه وعلى بلاده ما يصيبهما من اضطرابات متزايدة تحركها جماعات خارجية ووطنية.

بدأ فيلتمان جولته بالقاهرة ليعرف من المسئولين فيها الرئيس ووزيرى الرى والخارجية ما خفى عنه مثل: المأساة التى سيسببها السد لشعبى دولتى المصب وعدم القبول بنقص حصة مصر من المياه ولو أدى الأمر إلى اللجوء إلى القوة الخيار شمشون وآثار الفوضى السياسية والأمنية التى ستحدث فى منطقتى القرن الإفريقى والشرق الأوسط إذا ما واصلت إثيوبيا تعسفها.

سبق أن حذر الرئيس من النتائج الكارثية للسد قبل أن يلتقى فيلتمان ولكنه بعد أن التقاه وصف التفاوض بالعملية الشاقة التى تحتاج صبرا وفى الحالين كان مكان التصريحات واحدا هيئة قناة السويس وكأنه أراد أن يذكر العالم بالشلل الذى أصابه عندما تعطلت الملاحة فى القناة عدة أيام بسبب السفينة أيفرجيفن فكيف سيكون حاله لو اضطربت المنطقة بسبب السد الإثيوبى؟.

ومن القاهرة طار فيلتمان إلى الخرطوم قبل أن يصل إلى أديس أبابا مكتمل التصور قبل أن يقترح حلا يعيد الحقوق المائية إلى دولتى المصب ويحافظ على وحدة وتماسك واستقرار دولة المنبع مكرراً تحذير سلفه كريس كونز: إن إثيوبيا تنتظر مصيرا يبدو معه ما حدث فى سوريا لعب عيال.

والمؤكد أن إثيوبيا تراجعت كثيرا ولكن حفاظا على ماء وجهها طلبت من فيلتمان صياغة الحل الذى تريده مصر والسودان فى مبادرة تبدو وكأنها نابعة من الاتحاد الإفريقى وقبل أن يعود فيلتمان إلى واشنطن خرجت تصريحات مشجعة لأول مرة من مكتب آبى أحمد تدعو إلى إعادة التفاوض وتتعجب من مخاوف مصر والسودان رغم أن إثيوبيا لن تمس مصالحهما بسوء بل تدعو إلى تعاون معهما.

بدا الأمر غريبا هذه المرة فقد رفضت إثيوبيا فيما قبل تدخل الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبى وأكتفت بالاتحاد الإفريقى ولكن اجتماع وزراء الدول الثلاث مع رئيس الاتحاد الإفريقى رئيس الكونغو فيليكس تيسيكيدى لم يسفر إلا على مزيد من الفشل.

حسب ما تسرب إلى صحف أوروبية دى فيلت الألمانية وأمريكية نيويورك تايمز فإن المبادرة الجديدة ستقبل بمرجعية قانونية ضامنة للدول لحقوق الدول الثلاث وأن الاتحاد الإفريقى سيكون الراعى الدائم للمفاوضات وسيكون الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة مراقبين دائمين.

هل انتهت بتلك المبادرة أزمة سد النهضة؟.

ربما.

هل ستعود إثيوبيا إلى المناورة من جديد لو انتهت من الملء الثانى حتى بالشروط المصرية السودانية؟.

ربما.

فى هذه الحالة سيصبح السد أمرا واقعا يستحيل ضربه ومن ثم يكون السؤال: هل تضع مصر فى حساباتها الخيانة الإثيوبية؟.

أكيد.

من يلسع من الشوربة الإثيوبية ينفخ فى مياه النيل.