"دورنا نفس اللي بيضرب النار".. الصحفيون الفلسطينيون يحصدون تضامن العالم بمقاومة ترسانة إسرائيل الإعلامية

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


ضرِيت الحرب في قطاع غزة، عشية ليلة عيد الفطر، وتوالتْ الشائِعات عن استهداف القوات الإسرائيلية برج "الشروق"، الذي يضُم مكاتب العديد من المؤسسات الإعلامية، واحترز الصحفيين وقاموا بنقل بعض المعدات على عجلٍ لمكان آخر، تفاديًا لصحة ما يدار، همَّ الجميع، تأهبًا لتهديد المُحتل، حتى جزمَ حارس العقار، أنه سيتم قصفه بالطائرات الحربية وتدميره بالكامل، وبشكل لا إراديّ اِرتحل محمد البحيصي للمكان، اِغتم وظل جالسًا على الأرض لمدة أربعين دقيقة، قاوم حزنه بالعمل على توثيق جرائم المستوطنين "دورنا الصحفي نفس اللي يضرب النار.. بكاميرتنا بلش العالم العربي والدولي يتضامن معنا رغم محاولة طمس إسرائيل الحقيقة وترسيخ ترسانتها الإعلامية لتشويه المسلمين.. لهيك نحن أهم أولوياته لأننا انتصرنا بالصورة"، لاسيما عقب منع دخول الصحافة الأجنبية فلسطين عبر معبر إيرز.







ارتَطمت الأوضاع على البرديسور، في شبكة فلسطين للإنتاج الإعلامي، مع انفِلاق الصباح، بعد حديث مع نجله حمزة، الذي أصر على رؤيته أول أيام العيد "بابا تعال وين انتا مسافر لي ما تيجي.. زمان ما جبتلنا عصير وحاجات"، ليؤكد الأب على زيارتهم بعد عمله، ولكن استمر التصعيد على القطاع، وظل الشاب العشريني في مكان عمله حتى اليوم الثامن من العدوان. تشابكت الأفكار في ذهنه، خوفًا على أبنائه ووطنه، شعور طاغٍ سيطر عليه، خاصة بعد مرور ليلة الجمعة المنصرمة، والذي وصفاها بالأصعب في التصعيد "الحزام الناري  كان الضرب في كل مكان والناس طلعت من بيوتها على مدارس وكالة الأونروا..  ماحدا كان فاهم شو بيصير..بس طلع الضو سجدنا أه لسا عايشين".






ألمع البحيصي، في حديثه إلى أصعب المشاهد، خلال تصوير بعض المقابلات التليفزيونية، مع أحد العائلات التي قصف منزلها، الأحد الفائت، بعد إطلاق طائرات الاحتلال سلسلة غارات عنيفة على قاع غزة بينها عدة بنايات سكنية في شارع الوحدة بحي الرمال غرب المدينة بدون سابق إنذار، ودمرتها على رؤوس ساكنيها العزل- أسفرت عن 33 شهيدًا و50 إصابة بجراح مختلفة معظمهم من الأطفال والسيدات- "كان الأطفال تعبانين من المشهد وإلهم قرايب بالبيت المقصوف استشهدوا.. فجأة بنت عمرها عشر سنوات وصلها خبر أنه صحابها الأطفال الثلاثة استشهدوا.. وأختها الكبيرة وصلها خبر بنفس الوقت أنه صحبيتها برضه استشهدت.. ما قدرت أصور أو أسالهم اشي.. كانت الصورة لحالها بتحكي.. تعبت وقعدت وبكيت".






لاَ يتأفف البحيصي، من شىء طيلة عمله، برغم من المخاطر التي واجهها وكان أبرزها قصف أحد الوحدات السكنية في عمارة "كنا موجودين تحت بس ربنا سترنا". توارد أفكار أخذت الشاب الفلسطيني، إلى عامين عامين مضوا -بعد تصعيد الاحتلال جرائمها على غزة حينئذ- "خفنا كتير ينزل البرج وكان الوضع سىء استأجرنا بناية كاملة ونقلنا مكاتبنا عليها قعدنا هناك سنتين وتاركين ورانا خمس شقق ملك.. قررنا نرجع لأنه الوضع رايق.. رجعنا وجهزنا المكاتب من جديد ما فرحنا لسا عالمكاتب الجديدة دمرت بعد رجوعنا من 3 شهور".






يحدو العشريني الأمل، في مواصلة نشر رسالتهم، بعدما وصلت للعالم برمته، مشيدًا بدور المشاهير في دعمهم للقضية الفلسطينة، كذلك مواقف الشعوب العربية القوي من بينهم مصر "بعمرها ما خذلتنا ..المرة هادي مشكلتنا وصورتنا ورسالتنا واصلة للشعب المصري بشكل واضح وفاهمين كتير وبينقلو الرسالة بينهم وبين بعض نسيوا العيد وعاشوا مأستنا".






أوطَن الصحفي، نفسه على الوضع الراهن مواصلاً ليله بنهاره في عمله، حتى قرر زيارة أبنائه للاطمئنان عليهم، الاثنين الماضي "فرحة ما بتوصف لما شافوني ضليت بأواعيا على باب البيت ساعة وهما قاعدين بحضني .. بعد ساعة كنت بدي أمشي وشافني بغير أواعيا ابني حمزة بحكيلي وين رايح حكيتله على الشغل حكالي لا.. وصار يبكي خليك ساعة كمان ارتاح ونام عندنا اليوم.. خليك جمبي نايم عشان بخاف"، واستجاب الأب لرغبة  صغيره بعد الاستئذان من عمله، حتى عاد لعمله في صباح يوم الثلاثاء "هاي الليلة اللي تعبتني كتير لأنه طول الليل حاططهم بحضني وبحكي في أي لحظة هنتقصف وإذا وقع البيت بدي إياهم يكونوا بحضني بلاش يكون بدهم اشي وإحنا تحت الركام.. لحد ما طلع الضو".






لا يختلف الوضع كثيرًا، على الصحفي محمد نايف أبو ناموس-صحفي بجريدة الغد-، والذي أكد أن هذا القصف الأصعب عليه في حياته، من حيث عدد الصواريخ ونوعها وكثافتها، يضاف إلى تواصل عد احترام حقوق الصحفيين واستهداف أدواتهم بشكل واضح استهداف "أرى أن الاحتلال بدو يضل جرائمه خفية أمام العالم.. ولا يريد كشف حقيقته قدام الإعلام والأقلام.. يتعمد إعدام أكبر عدد منها ونشر الصور الممزيفة وأن الفلسطينيون لا يحبون السلام"، يصمت الصحفي الفلسطيني برهةٍ ثم ينقطع الاتصال بشبكة الإنترنت- جراء القصف الإسرائيلي الذي ألحق أضرارًا بالغة بشبكات الاتصال والإنترنت، ودمر معدات وأجهزة العديد من الشركات المزودة للإنترنت، ويصعب عمل الصحفيين، خاصة أن الحزم المقدمة عبر هذه الشبكات ضعيفة ومكلفة ماديا-.






بينما واجه المصور الصحفي محمود عجور، أزمة انتهاء عمله بأحد الوكالات بعد قصف مكتبها هو وزميل آخر له، مؤكدًا مواصلة عمله لنشر جرائم الاحتلال، مقارنًا بين تغطيته لحرب عام 2014 والأحداث الحالية والذي كان القصف فيها على المدنيين، ومليئة بالمشاهد المفجعة، كمنظر جثمان الشهيد. جفَّ كلام صاحب الـ(27 ربيعًا)، )، مُسترسِلاً حديثه، عن الخذلان الذي يعيشه عقب تعب سنوات في عمله "كل اشي تغير وراح.. أي نعم فقدت شغلي لكن بنفس الوقت ما بنكر أنه كانوا أصحاب الشغل سند اللي.. وبنفس الوقت الظروف اللي صارت هي اللي حكمت على أنوا شغلي يروح". أَلْزمَ نفسهُ بهمَّة وصول الصورة للعالم "هكمل مع نفسي".