محمود محيي الدين.. والجائزة متأخرة

العدد الأسبوعي

محمود محيي الدين
محمود محيي الدين


لم يصل لا مصرى ولا عربى لمنصب النائب لرئيس البنك الدولى قبل الدكتور محمود محيى الدين ابن كفر شكر وأبرز شباب العائلة الشهيرة (محيى الدين)، وعلى الرغم أن المنصب جاله فى سن مبكرة بالنسبة لنا كعرب، فلم يكن الدكتور محمود قد بلغ الخمسين عاما، وعلى الرغم أن المنصب وصل إليه قبل ثورة 25 يناير بأشهر قليلة فحماه من شبح الحبس والبهدلة بوصفه من وزراء مبارك، رغم هذا وذلك فإنى أظن أنه بالنسبة لمحمود محيى الدين نفسه، فإن هذا المنصب الذى يعد مكافأة العمر والعمل والدراسة كانت جائزة متأخرة بالنسبة لأحلامه فى سن المراهقة والشباب.

إن محمود محيى الدين لمن لايعرفه يبدو شاب مولود وفى فمه معلقة من ذهب، إنه ابن عائلة ثرية ومؤثرة سياسيا، ولذلك يتوقع الكثيرون أن حياته كشاب وطالب كانت خالية من التعقيدات.

ولكن عرف اليتم فى وقت شديد الحساسية مات والده الطبيب والذى كان مثله الأعلى فجأة وهو فى بداية دراسته الثانوية، ولم ينقذه من الإحساس المروع بفقد الأب إلا عمه الدكتور، رئيس الوزراء فى ذلك الوقت الدكتور فؤاد محيى الدين الذى ضمه إلى قلبه وبيته ورعاه، ولكن الشاب كان على موعد جديد من الأحزان، ففجأة توفى الدكتور فؤاد فى مكتبه إثر أزمة قلبية، فأصبح يشعر بوحدة ما رغم امتلاء حياته بآلاف الأشخاص.

لكن أكثر ما ميز شبابه وربما طفولته هى البحث عن مجد ما أو عمل فريد يميزه، كلنا كانت لدينا هذه الأحلام، ولكن أحلام محمود محيى الدين كانت صعبة، فليس أمامه طريقا لم يبرع فيه أفراد عائلته، وبلغة سينمائية لم يكن هناك أرض أو سلام لم يسبقه إليها عائلته، بماذا يحلم؟ أن يكون وزيرا أو رئيس وزراء أو سفيرا أو أستاذا جامعيا أو نائبا لرئيس الجمهورية أو مؤسسا لمؤسسات كبرى، وماهو الجديد فى كل ذلك، فأعمامه كانوا وزراء ومحافظين ونوابا وأستاذة جامعات ورئيس حكومة ونائب رئيس دولة، هل يكون معارضا، وما الجديد فعمه رئيس حزب معارض، هل يتجنن ويقوم بثورة، وماذا أيضا فى ذلك فاثنان من أعمامه شاركا فى ثورة يوليو، وعمه زكريا محيى الدين لم يكتف بالمشاركة فى الثورة ولكنه الأب الروحى والمؤسس لعدد من أهم مؤسسات الدولة مثل الجهاز المركزى للمحاسبات والأمن الوطنى.

ولذلك لم يتوقع الأعمام من جيل الأبناء نبوغا أو مجدا جديدا للعائلة، بما فى ذلك الشاب محمود الذى نصحه عمه زكريا بكلية الزراعة حتى يرعى أرض أسرته،ولكن عم آخر هو الدكتور عمرو محيى الدين أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية نصحه بالالتحاق بالكلية التى كانت لا تزال تعد جديدة، ورغم اعتزازه بعائلته بحث الشاب الجامعى فى كل التيارات السياسية فى المجمتع، واستكمل عشقه للقراءة فى كل المجالات من الشعر للاقتصاد، ومن تاريخ أوروبا لتاريخ مصر الفرعونية، وتفوق وكان من أوائل دفعته وعين معيدا ثم أستاذا.

وحين اختير وزيرا لم ينأ بنفسه عن المشاكل فأعاد وزارة الاستثمار التى أنشأها عمه فؤاد، وضم لوزارته ملف الخصخصة، فاكتسب عداء الشارع ونسى الكثير أنه أعاد بناء المؤسسات الحكومية الاقتصادية ودفع بالاهتمام بالجنوب سواء الصعيد أو إفريقيا.

حتى حلمه الأثير بأن يصبح نائبا فى مجلس الشعب لم يستطع تحقيقه لأن عمه المناضل خالد محيى الدين أصر على معاودة الترشح على نفس المقعد البرلمانى، وفجأة ووسط مناخ مضطرب تعيشه مصر ومستقبل غامض حصل محمود على جائزته الكبرى، منصب دولى رفيع لم يصل إليه ليس أحد من عائلته فقط، بل لم يصل إليه عربى من قبل.

أصبح ابن كفر شكر اقتصاديا عالميا تمطره المؤسسات الاقتصادية العالمية بالدعوات لمؤتمراتها وتنتظر أبحاثه وتعرض عليه مناصب رفيعة.

صار صوتا مصريا فى كل المنتديات الاقتصادية العالمية.