د. محمد عبدالوهاب.. مزج الطب بالهندسة فأصبح رائد زراعة الكبد فى مصر

العدد الأسبوعي

د. محمد عبدالوهاب
د. محمد عبدالوهاب


البداية من المنصورة والنهاية هناك أيضا، عٌرف بشغفه للقراءة وقدرته على تغيير مساره والبدء فى خطى وأحلام جديدة، اتخذ قراره بدراسة الطب بدلا من الهندسة، ونجح فى تحويل حياته العملية إلى «هندسة الطب»، واستطاع أن يصل بالمفهوم الجديد إلى أرقام قياسية فى زراعة الكبد، هذا المجال الذى استطاع من خلاله كتابة اسمه بحروف من نور.

الدكتور محمد عبد الوهاب أستاذ جراحة الكبد والجهاز الهضمى بجامعة المنصورة، يعد أحد أهم أطباء زراعة الكبد فى العالم، وأبرز الوجوه التى تعكس قوى مصر الناعمة على المستوى الخارجى، «الفجر» ترصد رحلته فى السطور التالية.

ولد الدكتور محمد عبد الوهاب فى مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، كان واضحا منذ البداية أن هذا الطفل مختلف عن أقرانه، حيث غلب عليه طابع الجدية والانضباط، لدرجة أنه كان يحلم بأن يكون مهندسا فى المستقبل، نشأ فى أسرة متوسطة الحال فى مجتمع ريفى زراعى، داخل أسرة كبيرة من خمس بنات وأربعة أولاد، ورغم أن والده لم ينل حظا كبيرا من التعليم، إلا أنه كان صاحب رؤية، وفى سن الرابعة أتخذ الأب قراره بإلحاق طفله صاحب الأربعة أعوام بكتّاب القرية، كخطوة أولى فى بداية طريق الوصول إلى حلم شهادة الهندسة.

نظام التعليم وقت أن التحق بالمرحلة الابتدائية فى خمسينيات القرن الماضى عزز توسيع مداركه، فكانت المدارس من الصف الأول للسادس تعطى فرصة كبيرة لتنمية المواهب، فلا امتحانات ولا واجبات، ولا درجات، ولا رسوب، بل كان يتم تخصيص وقت كبير لممارسة الهوايات كالرياضة والرسم والموسيقى.

من الابتدائية انتقل إلى مدرسة ثمرة الحياه الإعدادية بالمنصورة، حيث تأثر بشخصية الناظر الذى وصفه فى العديد من اللقاءات برجل تربوى من المقام الرفيع وزرع فيهم حب العدل عندما أمر بعقاب ابنه أمامهم ذات يوم فى طابور الصباح، أثّر فيه أيضا ناظر مدرسة الملك كامل حينما بدأ مرحلة الدراسة الثانوية، فتعلم منه حسم الأمور .

تحول تفكيره من دراسة الهندسة إلى الطب لتنفيذ رغبة والده الذى تنبأ بشأن عظيم له فى ذلك المجال، لتكون أول حياته العملية بذرة لتكون مستقبله الحالى، فعندما حصل على شهادته استلم عمله كطبيب جراحة تحت رئاسة الدكتور فاروق عزت الذى كان سببا فى تشكيل مستقبل عبد الوهاب، بجانب إصرار الثانى على التفانى فى العمل.

توافق استلامه لوظيفته الأولى مع أول يوم رمضان ولم يحصل على إجازة إلا مع قدوم عيد الفطر، زرع الدكتور فاروق عزت فيه الاهتمام بالمرضى، فأحد المواقف التى يرويها حينما أمرهم بالبحث عن أحد المرضى الذى لم يأت للمتابعة فى قريته وعندما وصلوا إليه اعتذر لولادة زوجته فتحمل الدكتور عبد الوهاب مسئولية نقل زوجته للولادة بالمستشفى وحجزه لمتابعة حالته.

تحولت حياة الدكتور العملية عام 1992 بعد مؤتمر علمى حضره باليونان، هناك تغير تفكيره ليبدأ خطوته الأولى فى البحث العلمى حول الكبد وأمراضه، حدث ذلك بعدما قابل طبيبًا فرنسيًا والذى أشار إلى عدم وجود بحث علمى بمصر، وفاجأ «عبد الوهاب» الجميع فى نهاية العام ذاته، بنشر١٤٠ ورقة علمية حول الكبد والبنكرياس والزراعة، كانت حصيلتهم جوائز عديدة من ١٠ دول مختلفة.

شارك «عبد الوهاب» أستاذه الدكتور فاروق عزت فى تأسيس أول مركز لزراعة الكبد بالمنصورة، ولم يكتف بخطوة مشاركة أستاذه بل عمل بالوصية وذهب إلى إنجلترا على نفقته الخاصة للتدريب على جراحات زراعة الكبد، لتكون تلك الرحلة بداية لزراعة الكبد فى مركز أستاذه بالمنصورة عام ٢٠٠٤.

تلك الخطوة كانت السند عندما تعرض المركز للانهيار بعد وفاة أستاذه المؤسس وتوقف الزراعة لمدة ٦ أشهر، لغياب استشارى الزراعة الفرنسى وتولى «عبد الوهاب» مهمة الزراعة حتى حقق المركز رقمًا قياسيًا فى عمليات زراعة الكبد خلال عام ٢٠١٢.

وحاليا وصل مركز زراعة الكبد إلى العالمية بعد إجراء 90 حالة زراعة من متبرع حى خلال عام 2019 ليصل إجمالى ما تم إجراؤه من حالات زراعة كبد 730 حالة منذ عام 2004 خلال 14 عاماً منذ بدء العمل ببرنامج زراعة الكبد بالمركز.