الدكتور عيد رشاد عبدالقادر يكتب: البنوك المركزية تتخلي عن الدولار في تكوين الاحتياطيات الأجنبية

مقالات الرأي

الدكتور عيد رشاد
الدكتور عيد رشاد



 انخفاض الاحتياطي من الدولار لدى البنوك المركزية العالمية إلى مستوى لم يشهده منذ 25 عاماً
تراجع الاحتياطي من الدولار لدى البنوك المركزية العالمية إلى مستوى لم يشهده منذ 25 عاماً، حيث انخفض إلى 59% خلال الربع الرابع من 2020، وذلك طبقاً للمسح الذي أجراه صندوق النقد الدولي عن تكوين احتياطيات العملات الأجنبية الرسمية (COFER). وتفيد بعض التحليلات بأن هذا يعكس جزئياً تراجُع دور الدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي، في مواجهة المنافسة من العملات الأخرى التي تستخدمها البنوك المركزية في إجراء المعاملات الدولية. 
وقد هبط نصيب الأصول المقومة بالدولار الأمريكي من احتياطيات البنوك المركزية بنسبة 12 نقطة مئوية من 71% عام 1999 (منذ إطلاق اليورو) إلى 59% في الربع الرابع من عام 2020. ويتوقع البعض أن يستمر انخفاض نصيب الدولار من الاحتياطيات العالمية مع سعي البنوك المركزية في اقتصاديات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية إلى مزيد من التنويع في تكوين احتياطي العملات لديها. وهناك بلدان مثل روسيا أعلنت بالفعل عن نيتها القيام بذلك.
وعلى الرغم من التحولات الهيكلية الكبرى في النظام النقدي الدولي الذي تم إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945، إلا أن الدولار مازال هو العملة المهيمنة على الاحتياطيات الدولية العالمية يليه اليورو بنسبة 80% من الاحتياطي العالمي للعملتين.
تطور النظام النقدي الدولي
هيمن الدولار الأمريكي على النظام النقدي الدولي منذ إنشائه عام 1945 بعد مؤتمر بريتون وودذ والتي تعهدت فيه الولايات المتحدة بتحويل الدولار إلى ذهب مقابل 35 دولار لأوقية الذهب، وكانت الولايات المتحدة آنذاك تمتلك ثلثي احتياطي الذهب في العالم، أما بقية دول العالم فقد ربطت عملاتها بالدولار ومن ثم كانت العملات الأخرى مرتبطة بالذهب بطريق غير مباشر عن طريق ارتباطها بالدولار. واستمر هذا النظام قرابة ربع قرن (1945 – 1970).
ولكن مع دخول عقد الستينات ودخول الولايات المتحدة حرب فيتنام وتحقيقها عجزا في الحساب الجاري، زاد طلب العالم على الذهب مقابل الدولار لأنهم أدركوا حينها أن الدولار مقوم بأعلى من قيمته، وفقدت الولايات المتحدة معظم احتياطاتها من الذهب، مما دعا الرئيس الأمريكي إلى الخروج في أغسطس 1970 وإعلانه تخلي الولايات المتحدة عن تحويل الدولار إلى الذهب ومن ثم انهار نظام بريتون وودذ وتحول العالم إلى نظام أسعار الصرف الحرة أو المعومة.
في عام 1976 أنشأ صندوق النقد الدولي أصل احتياطي دولي سماه حقوق السحب الخاصة SDR وهي عبارة عن عملة مركبة من أربع عملات رئيسية هي الدولار واليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني وقد أُضيف إليها عملة خامسة هي اليوان الصيني بداية من أكتوبر 2016. ولكل عملة وزن مرجح في السلة. ويشترط لإضافة العملة إلى سلة حقوق السحب الخاصة أن تكون الدولة صاحبة العملة من أكبر خمس دول مصدرة لمدة خمس سنوات قبل انضمام عملتها للسلة. وفي عام 1999 تم إطلاق اليورو وأصبح اليورو اليوم منافساً قويا للدولار ويحتل اليوم نسبة 21% من إجمالي احتياطات البنوك المركزية في العالم.
ومع صعود الصين واحتلالها المرتبة الأولى في التصدير أصبحت تسعى لوضح الرينمبي أو اليوان (عملة الصين) كعملة احتياطي دولي، وقد نجحت بالفعل في وضعه ضمن سلة حقوق السحب الخاصة في عام 2016، واحتل المرتبة الثالثة بعد الدولار واليورو. وبالرغم من الصعود الصيني وإدراج اليوان ضمن سلة حقوق الصحب الخاصة كعملة قابلة للتداول الحر إلا أن نسبته من الاحتياطات الدولية لا تتعدى 2%، حيث لم تحرر الصين حسابها الرأسمالي بشكل كامل. ومن ثم فإنه للتنافس بشكل مباشر مع الدولار، يتعين على الصين إنهاء ضوابط رأس المال، وتحرير أسعار الفائدة، والسماح بتعويم اليوان، إلا أن تنفيذ ما سبق يستلزم تحولاً كبيراً في نموذج التنمية الصيني، والتقليل من سيطرة حزب الشعب الصيني. ومن ثم فإن الأهمية المتزايدة للصين في الأسواق العالمية تجعل اليوان الصيني منافساً طويل الأمد للدولار.
وتحقق الولايات الامريكية العديد من المزايا نتيجة لهيمنة الدولار على النظام النقدي الدولي، فيعمل الدولار كحائط صد لحماية الاقتصاد الأمريكي من الصدمات الخارجية فلا تحتاج الولايات المتحدة للاحتفاظ باحتياطي كبقية دول العالم. ويعمل أيضاً على تحسين القدرة التنافسية للشركات الأمريكية للخارج فلا تحتاج هذه الشركات للتحوط ضد مخاطر تقلبات سعر الصرف، وإذا فقد الدولار هيمنته الدولية فسوف تفقد الولايات المتحدة هذه المكاسب.
وخلاصة القول، فإننا نرى أن الدولار سيظل هو العملة الدولية المهيمنة على النظام النقدي الدولي في الأجل القصير، وسيتخلى العالم عن الدولار تدريجياً نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي الأمريكي خاصة مع تحقيق عجز كبير في الحساب الجاري وزيادة الديون إلى ما يقرب من 100% من الناتج. وسوف يصبح اليورو واليوان الصيني منافسين قويين للدولار على المدى الطويل.