عادل حمودة يكتب: حقوق الإنسان تبدأ قبل إنجابه

مقالات الرأي




حقوق الإنسان فى الإسلام بحر لا حدود له

الحرية هى سفر خارج التاريخ.. خارج حدود الأشياء.. خارج أنفاسنا.. الحرية هى دخولنا منطقة انعدام الوزن التى تخلصنا من جاذبية الأرض ومن ضغط الأشياء علينا.. بالحرية وحدها نفتح ثقباً فى جدار العزلة.. ونكسر باب المعتقل الذى لا يسمح لنا فيه بأن نفكر أو نحزن أو نصرخ أو نكتب مشاعرنا على ورقة صغيرة ناعمة.

بالحرية وحدها نقول ما نريد.. لمن نريد.. بالحرية وحدها نصير أكثر اقتراباً من الله.. وتصبح السماء أكثر صفاءً.. والأرض أكثر خصوبة.. والبشر أكثر إنسانية.. وقد أفزعنى ما سمعت ورأيت على شاشة التليفزيون من قهر تعرض له الناس فى العراق على يد زبانية النظام السابق للرئيس الضائع صدام حسين.. سمعت ورأيت وتألمت وغضبت ثم تساءلت: هل يرضى الله عن ذلك؟

لقد تحدث الإسلام عن تكريم الإنسان.. لم يقل تكريم المسلم.. يقول سبحانه وتعالي: «ولقد كرمنا بنى آدم وحملناه فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً».. إنه تكريم للإنسان مهما كان لونه وجنسه وعلمه وعقيدته.. الإنسان الذى اختار منه الله رسله وأنبياءه وأولياءه.. ميّزه بالعقل والحواس وتنفيذ رسالته على الأرض.. كل من يؤمن بالله سبحانه وتعالى على اختلاف درجات الإيمان ومهما كانت العقيدة عليه أن يحترم إرادة الله.. ويطيعه فى ذلك.. ومن ثم فإن الاعتداء على حق من حقوق الإنسان مهما صغرت هو تجاوز لشرع الله وإرادته.. وبما أن الله كرّم الإنسان وفضله على كثير من خلقه بمن فيهم الملائكة فلابد أن يكون المؤمن مطيعاً لأوامر الله.. مكرماً لما كرم.. مفضلاً لما فضل.. ولو لم يكن من باب الإيمان فمن باب الإنحياز إلى الجنس والنوع الذى ينتمى إليه.

وقد اهتم الإسلام بالإنسان قبل ولادته.. فمن حق الطفل - قبل أن يولد- على أبيه توفير مكان للنوم وطعام لسد الجوع وفرصة أفضل للحياة. بل من حقوق الطفل على أبيه أن يختار الأم المناسبة له.. أن يحسن اختيار أمه.. وأن يكون هذا الطفل من نكاح لا من سفاح حتى يمكن تمييز الأنساب ومعرفة الفروع المنتمية إلى الأصول.

وبعد أن يولد الطفل يكون من حقه على أبيه اختيار اسم مناسب له.. إنها جريمة فى حق الطفل أن تسميه اسما يثير سخرية أقرانه ويفقده اندماجه مع من حوله.. وجريمة أكبر أن نأتى بطفل آخر قبل أن نضمن للطفل الأول كل فرص الرعاية والحياة الكريمة.. إن تنظيم الأسرة من حقوق الإنسان.. فالحياة المؤكدة التى يمثلها وجود الطفل الأول أولى من الحياة غير المؤكد التى يمثلها الطفل القادم الذى يكون فى عالم الغيب.. من حق الطفل أن يتربى جيدا.. من حقه أن ترضعه أمه.. فإن تخلت عن هذا الواجب قامت به غيرها. وبعد أن يكبر الطفل على أبيه أن يعلمه طاعة الله سبحانه وتعالى.. فإن لم يستطع بذاته فليعهد به إلى من يستطيع.. يقول صلى الله عليه وسلم فى تربية الأبناء: «لاعبه سبعا وأدبه سبعا وصاحبه سبعا». ولو تعلم الطفل شرع الله فإنه سيحترم كل من حوله.. سيبدأ باحترام جيرانه.. لا فرق هنا بين جار مسلم وجار غير مسلم.. يقول صلى الله على وسلم: «مازال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».. إن الجار غير المسلم له حق الإنسانية.. والجار المسلم له حق الإنسانية والإسلام.. والجار المسلم ومن الأقارب له حق الإنسانية والإسلام والقرابة.. على أن الإسلام بصورة واضحة وحاسمة ودقيقة حرّم علينا كل ما لدى غير المسلمين.. فلم يبح سرقة أموالهم ولا الكذب عليهم ولا سرقتهم ولا هتك أعراضهم.. فمثل هذه الكبائر هى حرام ارتكابها دون تفرقة.

يقول سبحانه وتعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خير منهن».. وقوم يعنى جماعة من الناس.. ونساء أى نساء.. ولو لم ينفذ المسلم ذلك الأمر السماوى فإنه يخرج من دائرة الإيمان إلى دائرة الفسق.. وربما ما هو أكبر وأصعب وأشد. وحرصا على حقوق الآخرين فإن الإسلام شدد فى العقوبة فى كثير من الأحيان أكثر مما شددت القوانين الوضعية.. فالسارق تقطع يده ولا يسجن.. وهو احترام لحقوق المجنى عليه.. فصيانة حقوق الإنسان النظيف الملتزم أولى من صيانة حقوق المعتدى.. وربما نفهم هنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا عرفنا كيف ننصره مظلوما يا رسول الله فكيف ننصره ظالماً؟» قال صلى الله عليه وسلم: «أن تأخذ الحق منه فقد نصرته».. أى نصرته على نفسه.. ومن حقوق الإنسان فى الإسلام أن يعيش حياته وله علاقة منفردة بربه.. أى بينه وبين الله.. أسرار هذه العلاقة لا يطلع عليها أحد غير الله.. ومن حقه أن يطمع فى عفو الله.. من حقه أن تكون له أسراره الإيمانية وأن تكون هذه الأسرار مصانة عن البشر.. تماما كما هو من حقه أن تكون عوراته مستورة عن البشر وزلاته بينه وبين ربه.. ولا يجب أن يتتبع أحد عورة أحد.. يقول صلى الله عليه وسلم: «من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه على رءوس الأشهاد».

ولعل ما قلناه عن حقوق الإنسان فى الإسلام هى قطرة فى فيض من بحر لا حدود له ولا سواحل تحده.. ولا حول ولا قوة إلا بالله