منال لاشين تكتب: الجمهورية الثانية فى دراما رمضان
باستثناء الاختيار وهجمة مرتدة كل مسلسلات رمضان لا تعكس مصر الجديدة
المشروعات القومية كان يمكن أن تنسج دراما ممتعة فى رمضان
دراما الستينيات عكست طموحات وإنجازات عبدالناصر
كان وزير الاستثمار السابق ونائب مدير البنك الدولى الدكتور محمود محيى الدين يتذكر فى بعض جلساته الخاصة «أوبرت تليفزيون» قديمًا كان يذاع فى الستينيات، اسم الأوبريت (عواد باع أرضه)، وكان مقتنعا أن أوبريت عواد والأعمال الإبداعية فى الستينيات أحد الأسباب القوية لرفض المصريين أو معظمهم للخصخصة، ومن وجهة نظره أن الزعيم جمال عبد الناصر كان بارعا جدا فى استخدام الفن والتليفزيون فى تكريس بعض القيم لعشرات السنين، والحقيقة أن هذا الرأى لا يبتعد كثيرا عن الواقع، فقد رحل عبد الناصر من أكثر من نصف قرن، ورحل المبدعون الذين آمنوا بفكره، وبقيت أعمالهم فى الوجدان تؤرخ للجمهورية الأولى إنجازاتها وأحلامها وأهدافها، كل ذلك فى إطار فنى مبدع دون لى ذراع الدراما أو التخلى عن هدف المتعة، وربما أتاحت قناة ماسبيرو زمان بعض المسلسلات من هذا النوع، ولكن الأمر يصبح أكثر وضوحا فى الأفلام التى لا يزال ملايين المصريين يستمتعون بها وتحمل قيما وإنجازات وانحيازات فترة الستينيات، مثلا فليم للرجال فقط، والذى تتنكر فيه المبدعتان سعاد حسنى ونادية لطفى فى زى الرجال للعمل فى شركة بترول بالصحراء، لا يتناول فقط قضية المرأة وتشجيع عملها، ولكنه تاريخ لنجاح المصريين فى اقتحام عالم البترول بعيدا عن الشركات الأجنبية.
وفيلم الحقيقة العارية عام 63، بطولة ماجدة وإيهاب نافع.. قصة حب رومانسية تناقش قضية ظلم المرأة، ولكنها تدور أثناء عمليات تشييد السد العالى، هذه الأفلام أوصلت للملايين من المصريين الإنجازات التى تجرى على أرض مصر بفن ممتع وراق وصالح لكل زمان.
وهناك فليم من كلاسيكيات السينما العربية (مراتى مدير عام) بطولة شادية وصلاح ذو الفقار وهو يضرب ثلاثة عصافير فى فليم رائع واحد، يتناول الفيلم قضية المرأة، ودور القطاع العام، ومحاربة التشدد الدينى فى نسيج درامى مبدع، الخلاف بين ابن حنبل وأبو حنيفة، وكيف يدفع النجاح بالإنسان المتشدد لنبذ التشدد.
معظم الأعمال الإبداعية دراما أو أفلام فى عهد عبد الناصر تنسج من أهداف وأحلام وإنجازات وتوجهات المرحلة الناصرية أعمالا خالدة، تجسد الواقع أو الحلم دون مباشرة أو إعلانات، فترسخ الأهداف والإنجازات فى عقل وقلب المواطن عشرات السنوات.
1- غياب مرفوض
وقد لاحظت منذ العام الماضى والحالى أن مسلسلات رمضان باستثناء الاختيار 1، 2، وهجمة مرتدة لا تحمل رياح التغيير فى المجمتع والبلد كلها، باستثناء قضية الإخوان أو بالأحرى جرائمهم لا تجد وجودا ملموسا للواقع أو الأحلام أو الانحيازات أو الأهداف للجمهورية الثانية التى أشار إليها الرئيس عبد الفتاح السيسى ذات خطاب، ولا للنجوم الجدد فى الدولة.
أليس غياب مسلسل يمجد الجيش الأبيض (الطواقم الطيبة) وبطولاتهم فى كفاحنا ضد كورونا مثيرللدهشة والغضب، وكيف تجاهل صناع فن رمضان الدراما الحقيقية وقصص المعارك فى المستشفيات ضد الوباء الممزوجة بقصص حياة الطواقم الطبية.
أليس غياب التغيير الهائل فى حياتنا بعد كورونا عجز فاضح من صناع الدراما، الخوف والرعب والملل من الحبسة فى منازلنا، صراع المرضى مع المرض وانتصار الحياة أحيانا كثيرة، وهزيمتنا أمام الوباء أحيانا أخرى.
لماذا لم يفكر أحد صناع الدراما فى التأريخ لإنشاء أكبر عاصمة إدارية فى العالم من خلال نسج أحداث مسلسل يدور فى تلك البقعة، بحيث تصل فكرة الإنجاز إلى عقل وقلب كل مشاهد يتابع المسلسلات من سريره أو على الكنبة.
أو قصة المعركة مع الطبيعة القاسية فى شق طريق ومدينة الجلالة على سبيل المثال.
من الممكن طبعا أن يبنى صناع الدراما نسيجا دراميا رائعا من قصص الشباب فى هذه المشروعات أو قصة الفتاة المصرية التى أشرفت على تصنيع فرقاطة مصرية.
لماذا نهدر قصص وتجارب نجاح النساء اللاتى برزن فى السنوات السابقة.. أكبر عدد من الوزيرات أو النائبات أو نقدم قصة امرأة مصرية من اللاتى تعيل أسرهن، وقصص كفاحهن.
2- شخصية درامية
المشكلة أن الدراما المصرية رغم ما أتيح لها من إمكانيات مادية وفنية هائلة لا تزال تعزف نفس الألحان القديمة، وتستقى شخصياتها وقصصها من صندوق لم يعد فيه لا جديد ولا لافت ولا مبدع، كما أن التركيز على محاربة التطرف يأتى بشكل مباشر مثل القاهرة كابول.
ومحاربة التطرف لا تقتصر على إظهار المتطرفين وجرائمهم أو فكرهم فى المسلسلات، أو أن يصبحوا الشخصية الدرامية الرئيسية، فتناول حياة فنان أو أديب أو عالم من كبار المبدعين والعلماء فى مصر يحارب التطرف، والمسلسلات الدينية التى تتناول قصص تاريخ الإسلام الوسطى تحارب التطرف.
ومن المؤسف أننا لم نعد نرى لا مسلسلات دينية ولا مسلسلات تمجد عظماء مصر بعد مسلسلات الرائعة إنعام محمد على، أين مسلسل أبو الاقتصاد المصرى طلعت حرب.. أين مسلسل يحكى قصة حياة الدكتور مجدى يعقوب أو الدكتور محمد غنيم.. أين القدوة التى نريد أن نزرعها فى عقول وقلوب وذاكرة المصريين، وأين القيم الجديدة التى نريد أن نزرعها بذكاء وفن وإبداع فى الجيل الجديد.
وكل رمضان ومصر والعرب بخير وقوة والدراما تعكس الواقع الجديد.