منال لاشين تكتب: مأساة الطلاق
صديقتى «لفت كعب داير» حتى تعرف مكان وثيقة الطلاق
القول بأن الطلاق أمام القاضى مخالفة للشريعة يحتاج لإعادة النظر
الطلاق حلال، ولو أنه أبغض الحلال عند الله، ولذلك فالطلاق يجب أن يكون آخر المطاف ويوضع عليه قيود تضمن عدم التلاعب به من قبل بعض الرجال الذين يسيئون استخدام رخصة الطلاق، وبالطبع لا يوجد شيخ داخل أو خارج الأزهر يختلف مع هذه الكلمات أو بالأحرى هذه الفكرة.
ولكن الواقع قبل وبعد قانون الأحوال الشخصية الجديد لا يتفق مع هذه الفكرة الإسلامية الحاسمة.
داخل بيوتنا مآسٍ وكوارث بسبب تلاعب بعض الرجال برخصة الطلاق، فهناك رجال مدمنو إطلاق يمين الطلاق على أهون سبب، ويندمون فى وقت لم يعد ينفع فيه الندم، بكلمة واحدة يمكن أن تنهار حياة أسرة وأطفال، وهذا هو الطلاق الشفهى الذى حاصرته المملكة السعودية المسلمة، أما ثانى مآسى الطلاق فهو الطلاق الغيابى وبه تهدم الأسرة دون أن تعرف الزوجة، وقد يظل الزوج محتفظا بطلاقها الغيابى سرا، فتعرف إما عند وفاته أو بالصدفة أو عندما يرغب هو بإعلانها بالطلاق، ولذلك حرصت دولة تونس المسلمة على أن يكون الطلاق فى المحكمة ومن خلال قاضى الأسرة، ولمن لا يعرفون فإن الطلاق فى المحكمة بتونس يمنح الأزواج الذين لديهم أطفال فى سن الحضانة مهلة للصلح، ومحاولة إنقاذ كيان الأسرة والأولاد، ويقوم القاضى بتحديد ثلاث جلسات على مدى ثلاثة أشهر، فإن فشل الصلح باشر القاضى عملية الطلاق بكل توابعها من نفقة وبيت الحضانة وحقوق الأطفال، ولا يجوز أن يتراضى الزوجان على حساب حقوق الأطفال، ولتجنب كارثة الطلاق الغيابى فإن كل من يحاول عرقلة وصول طلب الطلاق لزوجته (لزوجها) يعاقب بالحبس لمدة عام.
1- الكلمة الطائشة
إحدى صديقاتى طلقها زوجها شفويا مرتين، وعندما حاول ردها إلى عصمته رفضت، وطلبت هى الطلاق، تقول إنها تعبت ومرضت بسبب تعليق زوجها أى خلاف بينهما ولو كان بسيطًا على الطلاق، كل حاجة مش موافق عليها يغلق طريق المناقشة والتفاهم بالكلمة الطائشة (علَّى الطلاق لو عملتى كدة تبقى طالق) بعد عشر سنوات من المعاناة قررت أن تستقر حياة أولادها وتعيش بعيدا عن ضغوط الطلاق الشفوى، تحكى: فى الماضى كان الأمر سهلًا بنختلف على حاجات صغيرة، أما الآن هو بيضيع مستقبل تعليم أبنائه بكلمة أنت طالق، عمرى ما حسيت معاه بالأمان لا أنا ولا الأولاد.
فى بيت آخر وعاشر يكون السؤال الحائر: زوجى رمى على الطلاق، هو أنا كده اتطلقت؟.. أحد الشيوخ إياهم علق السؤال بإجابة غريبة ومثيرة للدهشة والغيظ معا، قال لها الشيخ: حسب نية زوجك، لو كان يقصد الطلاق بأنت طالق، وإذا كان يقصد تخويفك حتى لا تفعلى ما يغضبه فلازلت زوجته، الحقيقة أن حكاية أن يكون كيان ومستقبل الزوجة والأولاد متعلق على نية الزوج والأب مسألة كارثية.
شيخ آخر قال لضحية أخرى من ضحايا الطلاق الشفهى: الطلاق يقع بكلمة الزوج، وأنت طالق، هذه الضحية زوجها مصر أنها لا تزال زوجته، والشيخ أكد لها أنها طالق ومحرمة عليه.
2- طعنة الظهر
على الرغم من مآسى الطلاق الشفهى، فإنه أهون من الطلاق الغيابى، فالضربة فى الوجه مهما كانت موجعة أهون مليون مرة من الطعن فى الظهر.
صديقتى تسكن فى 6 أكتوبر، وزوجها طلقها فى شبين الكوم، ولم يبلغها بالطلاق إلا بعد أكثر من شهر، وعندما أرادت الذهاب للمحكمة لضمان حقوقها وحقوق الأبناء لفت «كعب داير» عشان تحصل على وثيقة الطلاق، وبعد تداخلات من الأهل والأصدقاء تنازل سمو الزوج وأخبرها بالمكان الذى طلقها به.
لو لم تستطع الزوجة الحصول على وثيقة الطلاق لا تستطيع أن تحصل على حقوقها فى المحكمة، والحل الذى يقترحه المحامون هو أن تتقدم للمحكمة بأن زوجها امتنع عن الإنفاق عليها وعلى أولادهما، دى قضية أخرى، وعندها سيجبر الزوج على إظهار وثيقة الطلاق فى المحكمة، الحكاية دى بتأخذ وقتًا من شهرين إلى ثلاثة أشهر.
زوجة أخرى فوجئت باتصال هاتفى من امرأة وأخبرتها أنها زوجة زوجها، لم تصدق المرأة فقالت لها ضاحكة: يعنى أنت ضرتى، فردت عليها: لا أنا اشترطت عليه أن يطلقك وطلقك فعلا، لم تصدق المرأة ولكنها تنبهت لأشياء لم تستحوذ على اهتمامها من قبل، زوجها من كام شهر بينام فى غرفة ابنهما بحجة مراقبته فى المذاكرة، ولم يحدث بينهما أى علاقة، وكمان بيبات برة البيت كثيراً بحجة الشغل، عندما واجهته اعترف لها أنه طلقها غيابى ليتزوج المرأة الأخرى، وكان ينوى ردها بعد كام شهر، المصيبة كما تقول إن الزوج شايف إنه كان بيحافظ على كيان الأسرة، ولم يتوقع أن تقوم زوجته الثانية بإخبارها بالحقيقة.
حالة أو بالأحرى مأساة ثالثة لم تكتشف أن زوجها طلقها إلا بعد وفاته، كان مسافر برة، وأحب شابة من أهل البلد الذى يعمل به، واشترطت عليه طلاق زوجته، فطلق زوجته غيابيًا، وبعد ثمانية أشهر توفى الزوج لتكتشف الزوجة أنه طلقها فى آخر زيارة قصيرة قام بها إلى مصر.
3- تقييد الطلاق
كل هذه الحكايات لا تدفع بعلمائنا أن يفكروا فى حلول لتقييد حق الطلاق من خلال نقل الطلاق إلى المحكمة، وهذا التقييد لا يمس سلطة الرجل فى الطلاق كما يزعم البعض، لأن القاضى فى تونس لا يمنع الزوج من الطلاق ولا يجبر الزوجة على العيش مع زوجة لا تريد الاستمرار معه، كل ما فى الأمر أن الطلاق أمام القاضى يحقق القاعدة الشرعية (أبغض الحلال عند الله الطلاق)، فعندما يتقدم الزوج للمحكمة طلبا للطلاق فهو يحصل على فترة زمنية لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل البدء فى إجراءات الطلاق، فإذا كان دافع الزوج للطلاق، و(خراب البيت) انفعال مؤقت أو مشكلة بسيطة فسوف يتراجع عن الطلاق، وربما تكون هناك امرأة أخرى فى حياته تشترط عليه طلاق زوجته، ويعيد التفكير فى الطلاق خلال الإجراءات أمام المحكمة، فإن كان متمسكا بالطلاق فسوف يقع الطلاق، فالقول بأن جعل الطلاق أمام القاضى مخالف للشريعة أمر يحتاج إلى مراجعة لأن الأصل هو الحفاظ على الأسرة، والطلاق أمام المحكمة يضمن ألا يتهدم البيت لأسباب واهية أو انفعال مؤقت، كما أن الطلاق أمام القاضى يضمن لجميع الأطراف حقوقها.