تفسير الشيخ الشعرواي لسورة "القدر"

إسلاميات

تفسير الشعراوي لسورة
تفسير الشعراوي لسورة القدر


يدعو المسلمون في كل بقاع الأرض الله عز وجل بأن يوفقهم في التماس ليلة القدر ولاسيما ونحن في العشر الأواخر من رمضان ومرت ثلاثة ليال وترية.

وورد عن النبي محمد "ص" أنه قال: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان"، هي أعظم ليالي شهر الصوم قدرًا، كونها الليلة التي أنزل فيها القرآن، حيث أمر الله فيها جبريل بإنزال القرآن من اللوح المحفوظ إلى مكان في سماء الدنيا يسمى "بيت العزة"، ثم من بيت العزة صار ينزل به جبريل على نبى الله محمد متفرقًا بحسب الأسباب والحوادث. 

وترصد لكم "بوابة الفجر" تفسير فضيلة الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي لسورة "القدر" في السطور التالية:


وقال الإمام الشعراوي إن سورة "القدر" أخذت موقعها الطبيعى من سورة العلق لأن الأخيرة لم تحدد المقروء، فالمطلوب في ذلك الوقت هو إحداث القراءة من نبى أمى، وكان المقصود بالقراءة هنا هو قراءة القرآن الكريم، وتحدث الله عن الظرف الذي نزل فيه القرآن، لذلك لم يقل "إنا أنزلنا القرآن في ليلة القدر" في بداية كلامه لكنه قال "إِنَّا أنزلناه " أي جاء بضمير الغيبة، وضمير الغيبة يتطلب مرجعا.

وأضاف الشعراوي، أن الله استهل سورة القدر "إِنَّا أنزلناه في ليلة القدر"، بـ "إِنَّا" لا "أنى"، والمقصود بذلك أنه حين يتكلم الله عن شئ يتطلب تكتل صفات الجلال والجمال فيه دائما يقول "إنا"، لكن إذا أراد عز وجل أن يتكلم عن ذاته ويريد من عبده أن يتوجه إليه لا يقول "إننا نحن الله" لكن يقول"إننى أنا الله" أي عندما نتوجه إلى الله بالعباده نمنحه صفة التفرد.

وأشار الإمام الشعراوي في تفسيره لسورة القدر، إلى أنه حين يعرض علينا ما أنعم به علينا نلمح صفة الجمع لأن نعمه تتطلب تكاتل صفات متعددة، لكن في مقام العبادة والتوحيد والتوجه يأتى ضمير التفرد دائما، فيقول " إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي" وليس " فاعبدنا"، أما حين يريد الله عز وجل الامتنان بوجود شيء فيقول" خلقنا، قدرنا، أنزلنا".

وتابع :"القرآن الكريم يتعرض لمنهج الخلق إلى أن تقوم الساعة، ولأنه منهج وضعه الحق فلابد أن تتكاتف فيه كل صفات الجلال والجمال فلم يقل " إنى أنزلته " بينما قال "إِنَّا أَنْزَلْنَاه".

وفسر الشعراوي قوله "تنزل الملائكة"، بأن المقصود بها "تتنزل الملائكة"، فقد حذفت تاء في "تتنزل" لأن ما بدأ بـ"تاءين" تختصر فيه تاء، فقول الله تعالى "تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر" فهل المقصود "بالتنزل" هو نزول القرآن أم التنزل من كل أمر، وكأن السورة متضمنة لأمرين، أولهما إنزال القرآن في تلك الليلة، والثاني تقدير كل الأمور في تلك الليلة، فالملائكة المقصود بهم في القرآن هو ما يتعلق بالقرآن وبغيره.

وتابع :"وفي قول الله تعالى "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" بين الله لنا في مجموع ما أوصله إلينا رسول الله أنه سبحانه وتعالى خلق الزمان ولا زمان وخلق المكان ولا مكان، ثم فضل سبحانه بعض الأزمنة، ثم فضل بعض الأماكن، ثم الإنسان الذي خلق منه الزمان والمكان فضل منه البعض، فالأزمان والأماكن ليس لها خصوصية في ذاتها إنما خصوصيتها موهوبة لما وهبها الله.

وأوضح الشيخ الشعراوي، أن قول الله "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" يدل على أن الليلة لها قدر، فكأن الليلة التي اختارها الله ليفرق فيها كل أمر حكيم اختارها لنزول القرآن وهو أكبر فرقان، وهذا يعنى أن القرآن اختيرت له ليلة لأن لها قدرا.

ولفت فضيلة الإمام محمد متولي الشعراوي إلى رأى آخر بأن هذه الليلة جاء لها القدر بنزول القرآن، فليلة القدر تعدد فيها نزول القرآن، فنزل أولا من الله في أول مشهد، ثم نزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا أو إلى بيت العزة في سماء الدنيا، وبعد ذلك أنزلته السفرة على جبريل كل عام، وبعد ذلك نزل به جبريل في كل مناسبة حسب ما تقتضيه الأحداث، وتم اختيار الليل هنا لأن الليل محل السكون والهدوء، بينما النهار محل حركة.

وأردف فضيلته :"فعندما خلق الله الليل والنهار جعل الليل أمر سلب، بمعنى أن هناك شيئا يختفى من أجل ظهور الليل، فالمقصود بسلب الشئ أن الأمر يرجع إلى طبيعته، بينما الإيجابية في إيجاد الضوء ليهيئ نهارا يساعد على الحركة، لذلك عندما امتدح الله أقواما امتدحهم بقيام الليل لأن الإنسان يكون وقتها خاليا إلى نفسه".

وفيما يتعلق بقوله تعالى "وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ"، فقد فسرها الإمام الشعراوي بأن الله سبحانه وتعالى يخاطب الرسول، فإذا كان هناك علم لدى البشر فيكون عند الرسول "ص".

وأوضح الشعراوي في تفسيره، أن "وَمَا أَدْرَاكَ" تدل على أنها شئ فوق إدراكك وكأنه شئ بالذاتية، وهذا يعنى أنها تضمنت معنى فوق مدلول اللفظ الوضعى، ولا يقال "مَا أَدْرَاكَ" الا لشئ يعظم على المخاطب أن يدركه بذاته، فهناك فرق بين "ادراك" و"يدريك" فالأولى المقصود بها ما أدركت قبل خطابه لك، وجاءت في زمن الماضي لتعنى أن الله أدراه به، أما " ما يدريك" فهى نفى في المضارع بمعنى لم يعلمه الله به ويظل سرا من أسرار الكون.

وفسر الشيخ فضيلة الإمام محمد متولي الشعراوي، " لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ"، فذكر آية " شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن"، وهذا يعنى أن الله حدد مقام ليلة القدر من شهر رمضان، وقد أعطى الله سبحانه وتعالى هذه الليلة إكراما لرسول الله ولأمته بحيث إذا وفق الإنسان إلى العمل فيها قياما واحتسابا لوجه الله غفر له ما تقدم من ذنبه، ولذلك جاءت الآية " لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ"، أما لماذا جاءت " ألف"، فلأن الألف عند العرب كانت أقصى عدد، وكانوا يعتقدون أن الألف هي نهاية الأرقام، ولذلك إذا زادوا عليها كان يكررونها مثل ألف ألف فلم يكن قد استحدث بعد المليون أو البليون أو المليار، إذن معناها أن ليلة القدر خير من الزمن كله.