عادل حمودة يكتب: الإخوان يبيعون وثائق الأمن القومي بمليون دولار
اسم عابر نطق به محمد مبروك قبل اغتياله يفتح ملفا خطيرا
القدر حرم محمد مبروك من كشف تخابر أمين الصيرفى وتسريبه وثائق سرية من قصر الاتحادية فى حقيبة "سيمسونايت"
زوجة أحد المتهمين أبلغت الأمن الوطنى بتفاصيل المؤامرة عقابًا لزوجها بعد علمها أنه قرر الزواج بأخرى
يستوعب مسلسل « الاختيار» أكثر من غيره كل من تابع أحداثه الواقعية بحكم عمله أو بحكم خوفه على بلده.
والحقيقة أننى عشت هذه الأحداث ساعة بساعة.. رصدتها جريمة بعد جريمة.. فتشت فى سيرة حياة قيادات الموت التى أمرت بتنفيذها شخصية شخصية.. وتابعت محاكماتها قضية قضية.
الكلمة العابرة فى المسلسل ربما تشير إلى ملف أكثر خطورة مما نتصور ملف يصلح وحده أن يكون مسلسلا قائما بذاته.
على لسان المقدم محمد مبروك تردد اسم «أمين الصيرفى» لكن القدر لم يمهله وقتا لكشف جريمة تخابر أخرى غير التى كشفها قبل اغتياله.
لنعرف التفاصيل المثيرة علينا الرجوع إلى حيثيات الحكم (1500 صفحة) فى القضية رقم (10154 لسنة 2014) جنايات ثان أكتوبر التى نظرتها الدائرة (11) جنايات برئاسة المستشار محمد شيرين فهمى وعضوية القاضيين أبو النصر محمد عثمان وحسن مصطفى السايس.
قضية تخابر خطيرة تعرضت فيها أسرار البلاد العسكرية والأمنية والسياسية للعبث مقابل مليون دولار ويضاعف من خطورتها أن على رأس المتهمين فيها محمد مرسى بصفته رئيسا للجمهورية وطاقم مكتبه وسكرتاريته الخاصة الذين اعتبروا أسرار الدولة العليا ملكا لهم يمكنهم حرقها أو بيعها.
ما أن دخل مرسى قصر الاتحادية (رئيسا) فى أول يوليو 2012 حتى عين أحمد عبدالعاطى مديرا لمكتبه وعين أمين عبد المجيد الصيرفى فى السكرتارية الخاصة وأشر بعدم الاستعلام أمنيا عنهما.
فى اليوم نفسه طلب مرسى من قائد الحرس الجمهورى (اللواء نجيب عبد السلام) كل ما هو متوافر من معلومات ورسومات وخطط تتعلق بالقوات المسلحة وبعد ساعات كان على مكتبه ثمانى وثائق تمس أسرار الدفاع وأمن البلاد.
قرر مرسى الاحتفاط بهذه الملفات ولم يعدها إلى قائد الحرس الذى طلبها منه خمس مرات لحفظها منبها: إن تركها على مكتبه يتيح لغيره الاطلاع عليها أو تسريبها إلى خارج الرئاسة كما حدث فيما بعد مما يعنى أنه شارك فى الجريمة وأصبح متهما فيها.
فى 16 يوليو 2012 أرسل عبد العاطى الكتاب رقم (1259) إلى الجهات الأمنية الحساسة طالبا ما لديها من معلومات ووردت إليه وثائق ومستندات بها أسرار عليا وضعها فى خزانة داخل مكتبه ويحتفظ بمفاتيحها هو والصيرفى.
يوم تظاهرات 30 يونيو أمر عبد العاطى بنقل الأوراق والمستندات من قصر الاتحادية إلى أماكن حفظها فى قصرى عابدين والقبة وعرض القرار على مرسى إلا أنه احتفظ بالوثائق والتقارير العسكرية وتركها تحت تصرف الصيرفى الذى أخفاها مع وثائق أمنية أخرى ووضعها فى حقيبة سمسونايت مغلفة بورقة بيج اللون وعليها خاتم الرئاسة ونقلها بعيدا عن الأنظار فى بيته الكائن بالتجمع الخامس وتركها فى حوزة ابنته كريمة التى تقيم معه.
فيما بعد اعترفت كريمة أمام المحكمة بأن والدها ترك فى حوزتها ثلاث حقائب وثلاث فلاشات فيها عدد يصعب حصره من وثائق الدولة وأنها سلمت حقيبة منها إلى زوجة عبد العاطى وسلمت حقيبة ثانية إلى زوجة خالد الأزهرى (وزير العدل فى حكومة هشام قنديل) أما الحقيبة الثالثة فسلمتها إلى أسماء محمد الخطيب فى غضون أكتوبر 2012.
أسماء الخطيب كانت صحفية فى الموقع الإخوانى (رصد) وتعرفت على كريمة وهى تغطى أخبار اعتصام ميدان «رابعة».
كانت الوثائق التى فى حوزة أسماء شديدة الخطورة حسب حيثيات الحكم تعلقت بالمخابرات العامة والرقابة الإدارية والأمن الوطنى والحركات السلفية والبنك المركزى وشبكة الأنفاق العسكرية وأساليب المؤسسات الأمنية فى ضوء المتغيرات السياسية.
أدركت أسماء أن تحت يدها صيدا ثمينا يمكن بيعه لمن يدفع أكثر فأخبرت أردنيا من أصل فلسطينى يعمل بالقطعة مع قناة الجزيرة اسمه محمد سبلان بأنها تريد بيع الوثائق للجزيرة رغم علمها بخطورتها على أمن البلاد وسلامتها.
اتصل سبلان بصديقه على عفيفى وهو منتج أفلام وثائقية يعمل مع الجزيرة والتقيا ومعهما أسماء أمام مسجد الحصرى فى مدينة 6 أكتوبر.
نقلت الوثائق إلى بيت عفيفى فى 6 أكتوبر وبحكم علاقته بالجزيرة اتصل سبلان بمسئول التحرير فيها إبراهيم هلال وهو للأسف يحمل الجنسية المصرية.
طلب هلال من عفيفى أن يحضر إلى الدوحة لمقابلة المسئولين عن الجزيرة وبالفعل التقى بهم فى فندق شيراتون هناك واتفق معهم على أن يسلم سبلان أصول الوثائق مقابل مليون دولار وأخذ 50 ألف دولار مقدما وعين معد برامج فى القناة.
اتصل سبلان بشريكه عفيفى وطلب منه العمل على سرعة تسليم الأصول وأرسل إليه 10 آلاف دولار وصور عفيفى الوثائق واحتفظ بنسخة منها على فلاش ميمورى ثم اتصل بصديقه محمد عادل حامد الكيلانى المضيف فى مصر للطيران المتعاطف مع الإخوان الذى سبق له المشاركة فى اعتصام رابعة.
أخذ كيلانى الوثائق وأخفاها فى شقة يستخدمها مخزنا فى الحى السويسرى (مدينة نصر) وعدل جدول رحلاته المقررة سلفا من دبى إلى الدوحة ليسلمها فى السوق الحرة إلى شخص ما سينتظره هناك.
قبل التنفيذ بأيام قليلة وقعت معجزة لم تخطر على بال أحد.. اتصلت زوجة أحد المتهمين بالأمن الوطنى وكشفت المؤامرة بكامل تفاصيلها وأفرادها.. أما السبب فهو أن زوجها الذى جرت فى يده العملة الصعبة قرر الزواج عليها.
تولى التحريات فى القضية وقتها الرائد طارق صبرى فى الأمن الوطنى وضمنها المحضر المؤرخ فى 23 مارس 2014 وترك مهمة القبض على المتهمين لزميله المقدم محمود محمد مصطفى فى نفس الجهاز بعد استخراج إذن النيابة لكل متهم.
قبض على كريمة وسبلان وعفيفى وكيلانى أما أسماء فقد هربت إلى ماليزيا قبل وقوع الشبكة وبعد أن أخذت نصيبها من عربون الخمسين ألف دولار وأصبحت فى حماية التنظيم الدولى للإخوان هناك.
استدعت المحكمة شهودا من الحرس الجمهورى وأمن الرئاسة ووزارة الداخلية والمخابرات الحربية للتأكد من صحة الوثائق المضبوطة واستدعت شهودا من الأمن الوطنى والأمن القومى والبنك المركزى ومصر للطيران وغيرها للتأكد من صحة الوقائع المنسوبة للمتهمين.
وحسب أقوال الشهود فإن الوثائق كانت ترسل إلى الاتحادية بطريقتين: بالفاكس المشفر أو تسلم باليد إلى عبد العاطى بواسطة مندوبى الهيئات المختلفة ليتولى عبدالعاطى عرضها على مرسى ليتخذ بشأنها ما يراه مناسبا قبل أن تودع فى خزانة حديدية فى مكتب عبد العاطى لا تفتح إلا بمعرفته.
أما وثائق القوات المسلحة والأمن القومى فلا يجوز عرضها إلا على رئيس الجمهورية ليحفظها الحرس الجمهورى أو يتخلص منها بالفرم.
وجرى العرف ألا يحتفظ رئيس الجمهورية بتلك الوثائق أكثر من ساعات لكن مرسى احتفظ بها أكثر من 11 شهرا حتى أصبحت فى متناول الصيرفى الذى أخذها إلى بيته وكأنها من متعلقاته الشخصية.
وحسب أقوال الشهود أيضا فإن الثلاثة المنوط بهم التعامل مع المستندات هم عبدالعاطى والصيرفى وخالد القزاز السكرتير الخاص لمرسى ولم يكن الثلاثة يخضعون للتفتيش مما يبرر سهولة خروج الصيرفى بالوثائق إلى سيارته.
وحسب تلك الأقوال كذلك فإنه فى غضون شهر يونيو 2013 أصدر رئيس الديوان رفاعة الطهطاوى قرارا بنقل ما تحت يده من مستندات سرية إلى حقائب مغلقة بأرقام كودية إلى خارج المقر بدعوى ضعف الحماية فى قصر الاتحادية ولم يكن من الممكن خروج تلك الوثائق إلا مع المسئول عن حفظها وعند تشكيل لجنة لفتح خزائن الوثائق الخاصة بالرئيس ومدير مكتبه بعد القبض على مرسى ورجاله تبين أنها فارغة تماما.
ودعم الشهود ما قالته كريمة الصيرفى عن إخفاء والدها ثلاث حقائب من المستندات فى بيته ولكنهم أضافوا: «إن هناك ثلاث كراتين خرجت من المقر مع الحقائب».
بعد 99 جلسة حققت فيها المحكمة القضية بدقة متناهية واستمعت فيها إلى أقوال المتهمين والشهود والدفاع وتأكدت من صحة الوثائق المضبوطة وخطورتها اطمأنت المحكمة إلى حكمها الصادر بإجماع الآراء وعاقبت أحمد عفيفى وعادل كيلانى وأسماء الخطيب (غائبة) وعلاء سبلان وإبراهيم هلال بالإعدام شنقا وعاقبت محمد مرسى وأمين الصيرفى وكريمة الصيرفى بالسجن خمس سنوات عما نسب إليهم من اتهام بالتخابر والاتجار فى وثائق تعرض أمن وسلامة البلاد إلى الخطر.
إن كل كلمة فى مسلسل الاختيار بجزءيه (الأول والثانى) حقيقة واقعية تفتح ملفات يصعب معها أن نصدق وجود جماعة مثل الإخوان لا تؤمن بوطن ولا تخاف عليه ومستعدة أن تخونه وتتآمر عليه وتهدد أمنه وسلامته.
بدأت هذه القضية بكلمة عابرة نطقها محمد مبروك قبل اغتياله وأكملها زملاؤه فى ماراثون أمنى حتى وصل الجناة ما يستحقون من عقاب.