عادل حمودة يكتب: لماذا لم يكسر الصحابة التماثيل في مصر؟
حرسوها وحافظوا عليها حتى وصلت إلينا سالمة
عندما دخل عمرو بن العاص مصر استراح فى مكان ما بالقرب من العريش.. وعندما سأله الصحابة المرافقون له: «لماذا استرحت يا عمرو ولم تواصل التقدم؟».. قال: «إن المساء عيد» .. وهو سر تسمية «المساعيد».
وعندما سيطر المسلمون على مصر: شمالها وجنوبها.. شرقها وغربها.. وجدوا فيها الآثار الفرعونية والقبطية والرومانية على جميع الأشكال: بشر وحيوانات ونباتات وحشرات.. لكنهم لم يقربوها.. لم يحطموها.. وبقيت على ما هى عليه حتى اليوم.. فلماذا لم يكسرها المسلمون من صحابة رسول الله الذين فتحوا مصر؟
هناك عدة احتمالات:
(1) أن هذه الآثار يومها كانت مخبأة فى سراديب وأنفاق تحت الأرض فلم يروها.
(2) أن هذه الآثار كانت صعبة الكسر فلم يستطيعوا تحطيمها وأبقوا عليها مرغمين.
(3) أن يكون الصحابة يوم أن دخلوا مصر مستضعفين فيها لا حول لهم ولا قوة.
(4) أن يكونوا على علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرق بين التمثال والوثن والصنم.
والاحتمال الأول مرفوض لأن الآثار لم تكن فى سراديب ولا أنفاق وكانت معابد وتماثيل شامخة فى الهواء الطلق.. والاحتمال الثانى مرفوض لأن الآثار كان من الممكن كسرها.. والاحتمال الثالث مرفوض لأن المسلمين كانوا حكاما ولم يكونوا محكومين.. وكانت لهم اليد العليا.. ولا يبقى سوى الاحتمال الرابع.. وهو أنهم كانوا يعرفون الفرق بين التمثال والوثن والصنم.. وأنهم تعلموا معنى التوحيد على يد رسول الله الذى لم يقلد أباه سيدنا إبراهيم فى التعامل مع التماثيل.. لقد قام سيدنا إبراهيم بتكسيرها وإن لم يكسرها كلها وترك رمزا منها دون تكسيره.. وقد أدى ما فعل أن راجت صناعة التماثيل.. كما أن هذه الصناعة حسنت واستخدمت فيها خامات صلبة يصعب كسرها.. وكانت هذه التماثيل تسمى الآلهة.
أما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقرب تمثالا بأذى وكان يصلى فى البيت الحرام عند الكعبة وحولها ما حولها من تماثيل.. وليس هذا إقرارا منه بها.. وإنما له معها شأن يختلف عن التكسير المادى.. والتحطيم المادى.. فقد بدأ بإدخال التوحيد فى القلوب حتى طرد الشرك منها.. كما يطرد النور الظلمة.. فتعلم الناس من رسول الله أن لا إله إلا الله فبطلت كل الآلهة.
كان رسول الله يصلى فى البيت الحرام والأصنام من حوله ثم أسرى به وعرج وفرضت عليه الصلاة ولم يفرض عليه تكسير الأصنام يومها، ثم هاجر إلى المدينة والأصنام حول الكعبة ثم تحولت القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام.. وكانت الأصنام يومئذ لا تزال فى مكانها حول الكعبة.. إلى أن فتح الله عليه مكة.. وكان معه رجال كانوا قبل ذلك يعبدون هذه التماثيل.. فكانوا هم «لا هو» الذين أسقطوها بأنفسهم.. كان الرسول عليه الصلاة والسلام يشير إلى الصنم بقضيب صغير فى يده «لا بمعول ولا فأس» ويقول: «وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» فإذا انكفأ صنم على رأسه لم يجد من يعدله.. وإذا انكفأ على ظهره لم يجد من يغيثه.. وكان الصحابة يدحرجون الآلهة المزعومة بأرجلهم بعد أن كانوا يعبدونها من قبل.. لقد نزع النبى صلى الله عليه وسلم هذه الأشياء من قلوبهم فماتت واقفة. لقد استوعب الصحابة الذى فتحوا مصر هذا الدرس.. كانوا يعلمون هذه الحقيقة.. كانوا يعلمون من النبى صلى الله عليه وسلم متى يكون التمثال تمثالاً.. ومتى يسمى التمثال صنما؟.. ومتى يصبح وثنا؟.. إن التمثال فى حد ذاته لا شىء فيه.. وكان سيدنا سليمان عليه السلام يصنع له الجن ما يشاء من محاريب وتماثيل.. وهذا لا يطعن فى نبوته.. فقد كان عليه السلام نبيا ورسولا وخليفة وملكا.. وصناعة التماثيل لم تطعن فى واحدة من ذلك.
التمثال لا شىء فيه.. لكن.. إن عبدته طائفة ليقربهم إلى الله زلفى فهو عندئذ صنم بالنسبة إليهم فقط.. وإذا قامت طائفة أخرى بعبادة التمثال لا ليقربهم إلى الله بل باعتباره هو الإله يصبح التمثال وثنا بالنسبة إليهم فقط وليس فى ذاته.
فلما كان الصحابة فاتحين لمصر مقيمين لشرع الله ولم يجدوا أحدا من أهلها (وكانوا من أهل الكتاب قبل دخول الإسلام) يسجد لتمثال ليتقرب إلى الله فيكون صنما ولا ليسجد لتمثال ليعبده لذاته فيكون وثنا عندئذ لم يجدوا مبررا لكسرها.. بل حرسوها وحافظوا عليها حتى وصلت إلينا سالمة.. وما سمعنا صحابياً كسر شيئا منها.. هذا هو الدين الصحيح.. لسنا أعلم من الصحابة... ولا ينبغى أن نزايد عليهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.